تعظيم منزلة أم المؤمنين عائشة



تعظيم منزلة أم المؤمنين عائشة

أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر
تتمتع أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر بوضع مميز حقاً من بين جميع زوجات النبي(ص) في أذهان عامة المسلمين. وإليها غالباً ما يتوجه ذهن المسلم إذا ذكرت زوجات الرسول(ص).
ولعائشة هالةٌ وسمعة بين عامة المسلمين, على أساس أنها الزوجة المفضلة لدى الرسول(ص) , وأنها كانت ذات جمالٍ فائق, وأنه كان يحبها أكثرَ من خلق الله جميعاً, وأنها كانت عالمة فقيهة ومفتية يرجع إليها الصحابة والتابعون فيما لا يعلمون.
وعائشة تحتل المرتبة الرابعة بين كل الذين رَوَوا أحاديثَ عن الرسول(ص) بعد كلٍ من أبي هريرة, وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك.[1]

من سيرة النبي : خديجة وعائشة

الحقائقُ التاريخية المعروفة والمؤكدة  تقول أن الرسول(ص) تزوج من خديجة بنت خويلد حينما كان في الخامسة والعشرين من عمره بينما هي في الأربعين. وعاش معها الرسول(ص) 24 عاما[2] إلى أن توفّاها الله. وكانت خديجة خلال تلك الفترة الطويلة خيرَ سندٍ لرسول الله(ص) : فهي التي صدّقته حين كذّبه قومه, وآزرته حين كان مُستضعفاً بمكة,  وواسته بنفسها ومالها, وأنجبَ منها. وحسب وصف ابن الأثير: " فرّجَ الله عنه بها. إذا رجعَ إليها تثبته وتخفف عنه, وتصدّقه وتهون عليه أمرَ الناس"[3] .  وقد حزن عليها الرسول(ص) حزناً عظيماً لما ماتت حتى أنه سمّى العامَ الذي توفّيت فيه هي وعمّه أبو طالب بعام الحزن. وبقي الرسول(ص) مخلصاً لذكراها طوال حياته . وطوال فترة زواجه من خديجة لم يتزوج أي امرأة غيرها. أي أن رسول الله(ص) أمضى زهرة شبابه ومعظم فترات حياته مع خديجة , لا يعرف غيرها. وبعد أن توفّيت خديجة وهاجر الرسول(ص) إلى المدينة, تزوج الرسول(ص) عشرَ نساء, من ضمنهن عائشة.

كيف تعاملت عائشة مع هذه الحقيقة؟
هناك من الدلائل الكثير مما يشير إلى أنها لم تكن تتقبل تلك الحقائق برحابة صدر. فهي كانت تتمنى لو لم تكن مشاعر النبي(ص) على ذلك النحو تجاه خديجة, ولكن الأمر ليس بيدها. فلم تملك سوى مراكمة مشاعر مكبوتة داخل نفسها كانت تنفجر وتظهر في بعض المناسبات . ومن ذلك ما رواه الشيخان أنها قالت للنبي(ص) عندما ذكرَ عندها خديجة: " ما تذكر من عجوزٍ من عجائز قريش؟! حمراء الشدقين, هلكت في الدهر؟! قد أبدلك الله خيراً منها."[4].
وأيضاً جاء في صحيح البخاري أن عائشة قالت عن خديجة " كان النبي(ص) يُكثر ذكرَها. وربما ذبحَ الشاة ثم يقطعها أعضاء , ثم يبعثها في صدائق خديجة. فربما قلتُ له : كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلاّ خديجة؟! فيقول: إنها كانت وكانت, وكان لي منها ولد"[5]
وربما فاقم من مشاكلها النفسية, تجاه خديجة بالتحديد, كونها عاقراً لم تنجب, بينما هي ترى بعينيها مدى حب الرسول(ص) لابنته من خديجة : فاطمة.


فهل صحيحةٌ تلك الصورة الشائعة عن عائشة بنت أبي بكر في أذهان عامة المسلمين, والتي تتلخّص في أن الرسول(ص) كان يحبها حباً جمّا, ويفضلها على كل مَن سواها من النساء, وأنه كان يتوق إلى اليوم الذي يقضيه فيه معها ؟
الجواب هو, استناداً إلى الحقائق الموضوعية, بالنفي.  فالتي كانت لها مكانةٌ لدى الرسول(ص) لا تضاهيها فيها أي امرأة أخرى, ولو من بعيد, هي خديجة بنت خويلد, وليست عائشة.
وأما عائشة فقد عاشت مع الرسول(ص) تسعَ سنوات, كانت خلالها تقاسمها العيشَ معه تسعُ أو ثمان نساءٍ أخريات. ولأن رسول الله (ص) كان يتوخى العدلَ في توزيع وقته على زوجاته, فإن العيش الحقيقي لعائشة مع الرسول(ص) كان لا يتجاوز السنة الواحدة. ومع الأخذ بعين الاعتبار أن وقت الرسول(ص) كان في الحقيقة موزعاً على تعليم المسلمين دينهم نهاراً -  وغرسُ مبادئ التوحيد ونبذ عقائد الجاهلية هي من أصعب المهمات على الإطلاق! وتتطلب عملاً دؤوباً كان يقوم به الرسول(ص) بلا كلل -  وعلى تعبّده وتهجّده ليلاً, فإنه يمكن الجزم بأنه لم يكن لدى الرسول(ص) أصلاً من الوقت ما يقضيه مع عائشة على النحو الذي توحي به الأفكار الشائعة عن موضع عائشة منه.

وبعد ذلك كله, فليس من العدل مقارنة مكانة ومنزلة عائشة لدى رسول الله(ص) بمنزلة خديجة بنت خويلد.


علاقة عائشة مع النبي

وأما بشأن علاقة عائشة المباشرة مع الرسول(ص), فالباحث في ذلك سيجد أن عائشة كانت في كثير من الأوقات  بمثابة عنصر توتر وتنغيص له! وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك. فمثلاً من القرآن الكريم :
" يا أيها النبي لِمَ تحرّم ما أحلّ الله لك؟ تبتغي مرضاة أزواجك. والله غفورٌ رحيم. قد فرضَ الله لكم تحلّة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم. وإذ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرضَ عن بعض. فلما نبأها به قالت من أنباك هذا. قال نبّاني العليم الخبير. إن تتوبا على الله فقد صغت قلوبكما. وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير. عسى ربه إن طلقكنّ أن يبدله ازواجاً خيراً منكنّ مسلماتٍ مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراً"[6]

وسبب نزول هذه الآيات  أن رسول الله(ص) قد شربَ عند زوجته زينب بنت جحش[7] عسلاً كان يحبه. وأن زوجتيه حفصة بنت عمر وعائشة بنت أبي بكر, كيداً لزينب , اتفقتا على أن تقولا , كلٌ على انفراد, لرسول الله(ص) إن هناك رائحة كريهة تنبعث منه بعد أن فارق زينب! وكانتا تعلمان أن الرسول(ص) يكره جداً انبعاثَ روائح كريهة منه. وفعلاً سألته عائشة : هل أكلتَ مغافير؟ فنفى. ولكن لما تكرر نفس السؤال من حفصة بعد قليل, ظن الرسول(ص) أن ريحاً كريهة تنبعث فعلاً منه بسبب العسل الذي شربه عند زينب. فحلفَ أن لا يشرب ذلك العسل مرة أخرى وحرّمه على نفسه. فنزلت الآيات. ( والمغافير شيء شبيه بالصمغ , متغير الرائحة, فيه حلاوة).

وقد روى الإمام البخاري رواية المغافير عن عائشة قالت " كان رسول الله(ص) يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش , ويمكث عندها.
فواطيتُ أنا وحفصة على أيّتنا دخل عليها فلتقل له: أكلتَ مغافير؟ إني أجد منكَ ريحَ مغافير!
قال : لا. ولكني كنتُ أشربُ عسلاً عند زينب بنت جحش. فلن أعود له. وقد حلفتُ لا تخبري أحداً بذلك"[8]

وأيضا جاء في صحيح مسلم نص حوار بين ابن عباس وعمر بن الخطاب:
"....  فقلتُ : يا أمير المؤمنين ! مَن اللتان تظاهرتا على رسول الله(ص) من أزواجه؟
فقال : تلك حفصة وعائشة. .....
 وقال عمر : والله إن كنا في الجاهلية ما نعدّ للنساء أمراً, حتى أنزل الله تعالى فيهن ما أنزل, وقسَم لهنّ ما قسَم.
 قال : فبينما أنا في أمر أئتمره إذ قالت لي امرأتي : لو صنعتَ كذا وكذا .
فقلت لها : وما لك أنتِ ولما ههنا؟ وما تكلّفك في أمرٍ أريده؟
 فقالت لي : عجباً لك يا ابن الخطاب! ما تريد أن تراجع أنت, وإن ابنتك لتراجع رسول الله (ص) حتى يظل يومه غضبان!
قال عمر : فآخذ ردائي ثم أخرج مكاني حتى أدخل على حفصة. فقلتُ لها : يا بنية! إنك لتراجعينَ رسولَ الله (ص) حتى يظل يومه غضبان. فقالت حفصة : والله إنا لنراجعه.... "  [9]

وبلغ تأذي رسول الله(ص) من أفعال زوجاته حداً دفعه إلى هجرهنّ شهراً كاملاً والتفكير الجدي بتطليقهنّ جميعاً. روى مسلم :
" ....حدثني عمر بن الخطاب قال : لمّا اعتزلَ نبيّ الله نساءه قال : دخلتُ المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصى ويقولون : طلق رسول الله نساءه! وذلك قبل أن يؤمرون بالحجاب.
 فقال عمر : فقلتُ : لأعلمنّ ذلك اليوم. قال : فدخلتُ على عائشة فقلت : يا بنت أبي بكر! أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسولَ الله؟
 فقالت : ما لي ولكَ يا ابن الخطاب؟ عليك بعيبتك.
 قال : فدخلتُ على حفصة بنت عمر فقلتُ لها: يا حفصة! أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله(ص)؟ والله لقد علمتِ أن رسول الله لا يحبكِ , ولولا أنا لطلّقكِ رسولُ الله(ص).
فبكت أشدّ البكاء..... وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء النبي) ..."[10]

وهذه النصوص صريحةٌ وواضحة, وهي تظهر أنه كثيراً ما كانت عائشة تنهمك في وضع الخطط للاستحواذ على الرسول(ص), والتآمر على غيرها من زوجاته. وكان ذلك يؤدّي أحياناً إلى إشغال رسول الله(ص) بتوافه الأمور, وإلى تشتيت تفكيره عن عظائم الأمور والمسؤوليات الجسام!

ومثلما كان أبو بكر وعمر ثنائياً لا ينفصم, شكّلت ابنتاهما زوجتا الرسول(ص) عائشة وحفصة ثنائياً أيضاً. ولكنّ ثنائي عائشة/حفصة كان دائماً بقيادة عائشة, بخلاف الأبوين.

*****
وفي تعاملها مع رسول الله(ص) وعلاقتها المباشرة معه, تنتمي عائشة إلى نفس مدرسة عمر بن الخطاب. فهي أيضاً كانت لها شخصية قوية , وتتميز بالانفعالات الحادة والجرأة على الرسول(ص) إلى درجة تجاوز حدود اللياقة بحضرته.  بل إن عائشة في بعض الأحيان تجاوزت المدى فكانت تخاطبه بقدرٍ كبير من الفجاجة والرعونة, وخصوصاً حين يكون مزاجها متوتراً بسبب محبة الرسول(ص) لغيرها من نسائه, إلى حد أنها قالت له مرة "ما أرى ربكَ إلاّ يسارعُ في هواكَ". وفيما يلي النص من صحيح البخاري:
عن عائشة " كنتُ أغار على اللاتي وهبنَ أنفسهن لرسول الله(ص). وأقول : أتهَبُ المرأة نفسَها؟ فلما أنزل الله تعالى (ترجي مَن تشاء منهن وتؤوي إليك مَن تشاء ومَن ابتغيتَ ممن عزلتَ فلا جناحَ عليك), قلتُ : ما أرى ربكَ إلاّ يُسارعُ في هواكَ"[11]

*****
وموضوع "غيرة" عائشة بحاجة إلى وقفة. فهناك الكثير من الروايات والأحاديث التي تتحدث عن غيرة عائشة , الشديدة والحادة, تجاه كل زوجاته الأخريات.
وقد وصلت غيرتها إلى حدود هائلة , كما تصورها الروايات, وبخاصة تجاه زينب بنت جحش ومارية وصفية.[12]
وبالمقابل, لم ترد روايات تذكر تشير إلى غيرة بقية الزوجات منها.
  وهذا يلقي ظلالاً من الشك حول الجمال الفائق الذي يُنسَب لعائشة, وحول حبّ النبي(ص) الشديد لها وتفضيلها على غيرها من الزوجات.
فإذا كانت ذات جمالٍ باهر, وإذا كانت المفضّلة لدى النبي(ص) والأثيرة لديه, فلِمَ تلكَ الغيرة الشديدة إذن؟ فالمنطقي عندها أن تكونَ الغيرة منهن تجاهها , وليس العكس.
 
*****
بل إن عائشة كانت أحياناً تتصرّف بنوعٍ من عدم اللباقة مع النبي(ص), قد يصل إلى حدود غير مقبولة على الإطلاق. فمثلاً روى البخاري أنها كانت تفرد ساقيها عند سجود النبي(ص):
"كنتُ أنامُ بين يدي رسول الله(ص) , ورجلاي في قبلته.
فإذا سجدَ غمزني, فقبضتُ رجليّ. فإذا قامَ بسطتهما"[13]



روايات فضائل عائشة

وفضائل عائشة الشائعة معظمها كانت روايات روتها هي , أو ابن أختها عروة بن الزبير , أو غيرهما ممن عُرفوا بارتباطاتهم السياسية المشبوهة, من أمثال عمرو بن العاص.

ومن أهم فضائل عائشة هذا الحديث العجيب الذي يتحدّث عن الطعام والذي ورد في الصحيحين:  أن رسول الله(ص) قال: " فضلُ عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"[14]
ويبدو أن الذي وضَعَ هذا الحديث ونسَبَه إلى النبي(ص) شخصٌ كان مغرماً بالأكل, حتى أنه لم يجد غير الثريد والطعام ليصِفَ تميزاً مزعوماً لعائشة!

وأكّدت عائشة أن الملاك جبريل حرصَ على أن يسلّم عليها!
 فقد جاء في صحيح مسلم أيضاً عن عائشة أنها قالت : " إن النبي(ص) قال لها : إن جبريل يقرأ عليكِ السلام. قالت : فقلتُ : وعليه السلام ورحمة الله"[15]
ولم تكتفِ عائشة بأن جبريل يقرأ عليها السلام, فزادت على ذلك بأن جبريل نزلَ على صورتها! فقد جاء في سنن الترمذي عن عائشة:
 " أن جبرئيل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي(ص) فقال : هذه زوجتك في الدنيا والآخرة"[16]
وفي هذا الحديث تشدد عائشة على أن الجنة مضمونةٌ لها بالذات من دون غيرها من أمهات المؤمنين اللاتي لم يَرِد ما يُشير إلى أنهنّ سيكنّ زوجات للنبي في الآخرة!

ومن المفيد أيضا النظر إلى هذا الحديث الذي رواه عمرو بن العاص وورد في صحيح مسلم:
" أن رسول الله بعثه على جيش ذات السلاسل, فأتيته فقلت : أيّ الناس أحبّ إليك؟
قال : عائشة .
 قلت : من الرجال؟
 قال : أبوها.
 قلت ثم مَن ؟
قال : عمر.
 فعدّ رجالاً"[17]
وفي هذا الحديث يحاول ابن العاص, وهو مستشار معاوية وشريكه في كل حروبه الدموية ضد آل بيت النبي(ص), أن يقول للمسلمين أن عائشة, التي شنت حرب الجمل ضد عليّ لخلعه من الخلافة, ومن قبلها أباها وعمر, الذين أزاحا علياً عن الخلافة لدى وفاة النبي(ص), هم بالتأكيد أحبّ إلى قلب النبي(ص) من فاطمة وعليّ وحمزة وجعفر والحسن والحسين , دون أن يذكر سبباً لذلك التفضيل.


 إدعاءات لعائشة بشأن الرسول

وتجدر الإشارة إلى أن عائشة روت سلسلة من الأحاديث التي فيها انتقاص من مقام النبوة ولا تليق أبداً بشخص الرسول(ص) ولا بتاريخه.
  فمثلا جاء في صحيح مسلم " عن عائشة قالت : كان إحدانا , إذا كانت حائضا, أمرها رسول الله(ص) فتأتزر بإزار , ثم يباشرها"[18]
ولا يجوز تصديق ما تقوله عائشة, من أن الرسول(ص), وهو في الخمسينات من عمره, تتملكه الشهوة ولا يستطيع صبراً.

ويدخل ضمن هذا المجال قولُ عائشة " كان رسول الله(ص) يقبّلُ وهو صائمٌ في رمضان"[19]

ولا بد أيضا من الإشارة إلى ما قالته عائشة , وشاع بين الناس حتى أصبح من المسلمات, وهو أن رسول الله (ص) قد تزوجها (خطبها) وهي ابنة ست سنين ودخلَ بها (بنى بها) وهي بنت تسعة[20]!
 وهذا القول هو من أهم ما يستخدمه أعداء الإسلام والمشككين بنبوّة محمد(ص) في الطعن على رسول الله (ص) واتهامه بالشهوانية والوحشية. هؤلاء يقولون : كيف يمكن لنبيّ مرسل من عند الله تعالى أن يدخل بطفلةٍ عمرها تسع سنين؟ وما هو السبب الذي يدفعه إلى ذلك إن لم يكن عشق النساء والوَله بهنّ؟! بل إنه ربما يتعدّى ذلك إلى نوع من الشذوذ والهَوَس! خاصة مع التسليم أنه كان بإمكانه أن يختار مَن هي أكبر منها سِناً.[21]
ومن المتفق عليه بين البشر أن زواج الرجل العجوز من الصبية اليافعة فيه ظلمٌ لها , وهو لا  يمكن أن يتم في ظروفٍ طبيعية. وإذا كان الناس يستنكرون هكذا سلوك من رجل عادي, فكيف يمكن للمسلم أن يقتنع بأن رسول الله(ص) قد دخل بطفلة في التاسعة من عمرها, حتى على افتراض أنها كانت ناضجة من ناحية جسدية وفسيولوجية؟ من المسلّم به أن ذلك لا يليق بمقام رسول الله(ص) على الإطلاق.


تفنيد المزاعم المشينة
لقد كانت روايات عائشة وما شاع بشأن علاقة الرسول (ص) بها, مادة خصبة وذخيرة مهمة لحَمَلات التهجّم على شخص الرسول(ص) من قبل بعض غير المؤمنين[22], والتي تتهمه بالمَيل للنساء.
ولكن المؤكد أن الرسول(ص) لم يكن شهوانياً, والعياذ بالله. وهو لم يتزوج نساءه العشر إلاّ بعد أن أصبح في الخمسينات من عمره. ولا يمكن لرجلٍ قضى أولَ خمسين عاماً من عمره مع زوجةٍ واحدة تكبره بخمسة عشر عاماً أن ُيتهم بأنه عاشقٌ للنساء. فلا يصدر هكذا اتهام إلاّ من مُتجَنّ غير مُنصِف.
 
 ولو تمّ استعراض زيجات الرسول(ص) العشر بالتفصيل لظهر جلياً أن كل هذه الزيجات كانت لها أهداف وأغراض نبَوَيّة مُحددة مرتبطة  بالدعوة والرسالة. ففي ظل المجتمع العربي الذي كان رسول الله(ص) يعيش فيه , كان الزواج والمصاهرة وسيلة فعالة للتقريب بين الناس. واستخدم رسول الله(ص) الزواجَ أسلوباً لإيصال رسائل, مما يفيد في نجاح دعوته. فهو كان يتزوج من بنات أصحابه لكي يوطّد علاقته بهم (عائشة, حفصة[23]) ومن بنات أعدائه لكي يتألّفهم ( صفية بنت حيي بن أخطب, زعيم اليهود), ويتزوج من أجل إنفاذ حكمٍ شرعي (زينب بنت جحش التي تزوجها لإبطال حكم التبني الشائع في الجاهلية), ومن أجل تحمّل وتكفّل عائلات بعض أتباعه الذين توفّوا ( سودة بنت زمعة[24] , وزينب بنت خزيمة[25]), ومن أجل إظهار حُسن النية تجاه الأمم الأخرى (مارية القبطية التي أرسلها له المقوقس).... وهكذا كل زيجاته.  والوحيدة التي تزوجها رسول الله (ص) دون أن تكون له مآرب وأهداف لنشر دعوته ودينه بين الناس, بل تزوجها بملئ إرادته من أجل الاستقرار وتكوين أسرة, كانت خديجة بنت خويلد, لأن ذلك حصل قبل بعثته (ص) بخمسة عشر عاماً.

وأما بشأن زواجه(ص) من عائشة وهي بنت ست أو تسع سنين,  فبالإضافة إلى فساد هذا الخبر وبطلانه من ناحية منطقية ودينية, فبالإمكان أيضاً تفنيده بالاستناد إلى روايات أخرى من السيرة النبوية. فقد ذكر ابن هشام[26] أسماء الأشخاص الذين كانوا أول مَن آمن بنبوّة محمد(ص) لدى بدء دعوته في مكة. وذكر كلاً من أسماء وعائشة بنتيّ أبي بكر من ضمن أول 20 شخصاً آمنوا برسول الله (ص) بتأثير من أبيهما. وأضاف ابن هشام عن عائشة (وكانت يومئذ صغيرة). وعلى افتراض أن عائشة كان عمرها أربع أو خمس سنوات فقط ( لكي يمكن اعتبارها أسلمت ), وبتقدير أن ذلك حدث في السنة الثانية أو الثالثة للبعثة, فسوف يتضح أن عائشة كان عمرها عندما تزوجها الرسول (ص) ما بين 17 إلى 18 عاماً على أقل تقدير!  فرسول الله(ص) تزوجها في شهر شوال من السنة الثانية للهجرة بعد وقعة بدر[27].

ويمكن تخمين السبب الذي جعل عائشة تروّج لتلك المقولة. فهي ببساطة كان يهمها إثبات ميزة إضافية لها لا تمتلكها غيرها من زوجات الرسول (ص) ولا حتى غيرها من نساء العالمين! ولم تدرك عائشة مدى الأثر السلبي الذي تتركه قصتها هذه على سمعة رسول الله(ص) لدى قادم الأجيال.



عائشة وعليّ
لقد كانت المشاعر غير الودية  التي تكنّها عائشة لآل الرسول(ص), ممثلين بخديجة وفاطمة وعلي وذرّيتهم خاصّة, هي أهم ما يميز عائشة عن غيرها من نساء النبي(ص), والذي جعلها أثيرةً لدى بني أمية.
فرغم أن عائشة كانت حتماً تدرك مدى حب الرسول(ص) لعليّ ,والخصال المجتمعة فيه, إلاّ أنها كان لها موقف سلبي دائم منه.  وجزء من هذا الموقف يرجع إلى رغبتها في إبراز فضائل أبيها لتبرير خلافته للرسول(ص). وكانت تعرف أن لعليّ فضائلَ لا تتوفّر عند أبيها , رغم إيمانه. وذلك كان يضايقها ويزعجها.  
ولا شكّ أنّ موقف عليّ بن أبي طالب منها لمّا حصلت حادثة الإفك لم يُمحَ من ذاكرتها أيضا. فقد روى البخاري أن رسول الله(ص) لما كثر كلام الناس وإشاعاتهم  وشبهاتهم حول عائشة وشرفها, كان متضايقاً جداً من الأمر إلى حد أنه أرسل عائشة إلى بيت أبيها إلى أن يأتيه الوحي بشأنها. وخلال ذلك استشار علياً حولها فقال له " يا رسول الله! لم يضيّق الله عليك. والنساء سواها كثير"[28]
وبلغت قتامة نظرتها لعليّ إلى درجة أنها لا تطيق مجرّد ذكر اسمه. فمثلا جاء في صحيح البخاري:
 " أن عائشة زوج النبي(ص) قالت لمّا ثقل رسول الله واشتدّ به وجعه استأذن أزواجه أن يمرّض في بيتي فأذنّ له. فخرج وهو بين رجلين تخطّ رجلاه في الأرض بين عباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر.
 قال عبيد الله فأخبرت عبد الله بالذي قالت عائشة.
 فقال لي عبد الله بن عباس : هل تدري مَن الرجل الآخر الذي لم تسَمّ عائشة؟
 قال قلت لا.
 قال ابن عباس هو عليّ"[29].
 فحتى اسم عليّ لا تريد أن تتلفّظ به أم المؤمنين! وفي رواية الطبري لهذه الحادثة زيادة عن ابن عباس أنه قال "ولكنها كانت لا تقدر على أن تذكره بخير"[30] 
 واللافت في حديث البخاري هذا أنه يظهر أن عائشة كانت متعمّدة , ولم يحصل ذلك من قبيل السهو.



عائشة تساعد أباها

وقد لعبت عائشة دوراً في مساعدة أبيها , ومَن حوله من المهاجرين القرشيين, في الوصول إلى سدّة الحكم, على حساب علي بن أبي طالب بالذات. فعلى الأرجح كانت عائشة وحفصة هما المصدر الذي أبلغ عمر بن الخطاب ومَن معه بأن الرسول (ص) على وشك كتابة وصيته, فحضر وأثار اللغط حتى حال دون النبي(ص) وبين كتابة وصيته في يوم الخميس.
وأيضاً:
" ذكر ابن أبي الحديد عن شيخه أن علياً كان يتهم أم المؤمنين عائشة أنها هي التي أمرت بلالاً مولى أبيها أن يأمر أبا بكر بالصلاة,  وأن الرسول لم يعيّن أحداً للصلاة, وأن تلك الصلاة كانت صلاة الصبح ولما أفاق الرسول وانتبه إلى ذلك , خرج في آخر رمق يتهادى بين عليّ والفضل بن العباس حتى قام في المحراب وصلى ثم رجع إلى بيته ومات في ارتفاع الضحى. وأن علياً كان يذكر هذا لأصحابه في خلواته كثيراً ويقول : إن النبي لم يقل "إنكن صويحبات يوسف" إلاّ إنكاراً لهذه الحال وغضَباً منها. لأنها وحفصة تبادرتا إلى تعيين أبويهما, واستدركه النبي بخروجه وصرف أبي بكر عن المحراب" [31]

وكانت عائشة هي التي نشرت بين الناس الحديث النبوي الذي رواه البخاري والذي ينسب فيه إلى النبي(ص) قوله وهو مريض " مروا أبا بكر فليصلّ بالناس ". [32]

وروت عائشة ما يفيد أن رسول الله(ص) كان يحب أباها ورفيقيه في اجتماع السقيفة أكثر من كل الآخرين من أصحابه :
" عن عبد الله بن شقيق قال : قلت لعائشة : أيّ أصحاب رسول الله(ص) كان أحبّ إليه؟
قالت : أبو بكر.
قلت : ثم مَن؟
قالت : ثم عمر.
قلت : ثم مَن؟
قالت : أبو عبيدة بن الجراح.
قلت : ثم مَن؟
فَسَكتَت."[33]

عائشة ومعاوية
كان معاوية يقدّر عالياً الدورَ الذي لعبته عائشة في الصراع ضد عليّ, وخاصة في مراحله الأولى. فموقف عائشة كان هدية إلهية له. فهي التي أشعلت فتيل أول حربٍ أهليةٍ بإعلانها الحرب علي الخليفة عليّ, قبل معاوية! فإذا كانت زوجة الرسول(ص) , وابنة الخليفة الأول, تشهر السيف في وجه عليّ, فبمَ يختلف معاوية عنها؟ هو ببساطة يتابع دربها ويقتدي بنهجها! بل إن معاوية قد أضاف سبباً آخر لاستعماله في الأغراض الدعائية : الانتقام لكرامة أم المؤمنين التي أهدرها عليّ يوم الجمل!

وقد ذكر ابن عساكر[34] أن معاوية طلب من عائشة – أثناء صراعه مع عليّ - أن تكتبَ له. فقالت لمندوبه إن النبي(ص) قال لعثمان " يا عثمان : إن الله عسى أن يلبسكَ قميصاً, فإن أرادكَ المنافقون على خلعه فلا تخلعه, حتى تلقاني يا عثمان... ثلاثاً" وأنها ذكرت ذلك بعد أن كانت نسيته! فطلب معاوية منها أن تكتب له  بذلك , فكتبت[35] !

وإذا كان من الممكن القول أن عائشة عندما أعلنت تمردها علي عليّ وأشعلت حرب الجمل لم تكن آنذاك تسعى لخدمة شخص معاوية أو تهدف إلى جعله خليفة, إلاّ أن سيرة أم المؤمنين أثناء خلافة معاوية تثبت أنها قد توصلت إلى تفاهم معه بحيث تتمتع بوضع مميز , ومقام رفيع , وتحاط بالتوقير البالغ والاحترام في دولة معاوية , في مقابل قبولها ودعمها المعنوي له, وسكوتها عن انحرافاته الكثيرة عن مبادئ الإسلام النبوي . فلم يُروَ أبداً أن عائشة غضبت أو اعترضت على تولي معاوية , وهو من الطلقاء, المنصب الأعلى في دولة الإسلام, غَصباً وقهراً. لم تدعُ عائشة المسلمين إلى معارضة معاوية, ولم تطالب بخلعه, ولم تحشد الجيوش ضده.

وقد روى الذهبي[36] أن معاوية في فترة خلافته كان يُغدق الأموالَ على عائشة! فمثلاً هو أعطاها قلادة ثمينة جداً ب 100 ألف درهم, ومرة بعثَ لها ب 100 ألف درهم, ومرة قضى عنها 18 ألف درهم.

ولم تتغير نظرة عائشة لآل البيت بعد وفاة عليّ. ففي عام 49 للهجرة, توفي الحسن بن علي في المدينة, فأراد أخوه الحسين ومعه بنو هاشم أن يدفنوه قرب قبر جدّه رسول الله(ص). ولكن عائشة رفضت ذلك بشدة, وهاجت وماجت , حتى خرجت فركبت بغلة شهباء , وخرج معها الولاة الأمويون , مروان بن الحكم وسعيد بن العاص, فواجهوا الحسينَ وبني هاشم ومنعوهم من ذلك, بعد أن كادت تنشب الفتنة.  [37]

استنتاج

حرصت الحكومات الأموية المتعاقبة , ابتداء من معاوية بن أبي سفيان, على استغلال ذلك الدور المحوري الذي لعبته عائشة في أول فتنةٍ واقتتال داخليّ وحربٍ أهلية في الإسلام ,وهي حرب الجمل, والتي شنتها وقادتها عائشة, دون غيرها من زوجات النبي(ص), ضد عليّ بن أبي طالب. وبسبب هذا الدور الذي لعبته في حرب عليّ والطعن فيه وتأليب المسلمين ضدّه نالت عائشة نصيباً وافراً من محبة بني أمية وأتباعهم.
فقامت الماكينة الدعائية الأموية , كجزءٍ من حملتها الفظيعة الموجهة ضد علي بن أبي طالب, بمحاولة تضخيم وتعظيم مكانة ومنزلة السيدة عائشة لدى عامة المسلمين , ورفع ذكرها والدعاية لها عن طريق اختراع مناقب وخصال لها.
وكان الهدف الأموي من وراء ذلك هو الإساءة إلى علي بن أبي طالب عن طريق محاولة القول لعامة المسلمين أن الذين حاربوه وعادوه لا يقلون عنه قيمة في الإسلام, إن لم يفوقوه في الفضل. وهدفوا أيضاً إلى التشكيك بشرعية خلافة علي بن أبي طالب وكل مواقفه. وحرص معاوية والأمويون على إبراز " وحدة الحال " بينهم وبين عائشة في الموقف تجاه علي بن أبي طالب : فهم حاربوه في صفين, كما حاربته هي من قبلهم في البصرة, فلا يجوز للمسلم أن ينتقدهم على ذلك أو يلومهم أو يطعن بهم لأنه إن فعل ذلك سيطعن في أم المؤمنين أيضاً , لأن الكل سواء ! فهم ضَمّوا أم المؤمنين إلى معسكرهم, برضاها أو بدون رضاها, وبنوا سياستهم الإعلامية على ذلك الأساس , ونجحوا فيها إلى حد كبير.






[1] ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء ج2 ص139 أن عائشة روت 2210 أحاديث, اتفق لها البخاري ومسلم على 174 حديثا, وانفرد البخاري ب 54 ومسلم ب 69.
[2] أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص435
[3] أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص437
[4] صحيح البخاري باب تزويج النبي خديجة ج5 ص49. وكذلك صحيح مسلم باب فضائل خديجة ص923.
وقد أورد ابن الأثير في أسد الغابة ج5 ص 498 بقية الحديث وفيه أن الرسول (ص) غضب جدا لقولها وأجابها " لا والله ما أبدلني الله خيرا منها. آمنت إذ كفر الناس, وصدّقتني وكذّبني الناس, وواستني في مالها إذ حرمني الناس, ورزقني الله منها أولادا إذ حرمني أولاد النساء"
[5] صحيح البخاري باب تزويج النبي خديجة ج5 ص 48
[6] الآيات من 1 – 5 من سورة التحريم
[7] ورد أنها سودة بنت زمعة في رواية الواحدي في أسباب النزول ص292 وأن رسول الله (ص) كان يذهب كثيرا عندها ليشرب من عسل يأتيها من أخوالها في اليمن, ولذلك تآمرت عليها عائشة وحفصة.
[8] صحيح البخاري باب سورة التحريم ج6 ص194
[9] صحيح مسلم كتاب الطلاق باب في الإيلاء واعتزال النساء ص548. وكذلك ورد الحديث في صحيح البخاري ج3 باب الغرفة والعلية المشرفة ص175 وفيه اعتراف من حفصة أن نساء النبي(ص) كنّ يغاضبنه طوال النهار حتى الليل, وأن النبي(ص) هجر نساءه شهرا"من شده موجدته عليهن". وفيه أن عائشة وحفصة هما اللتان تظاهرتا عليه.
[10] صحيح مسلم كتاب الطلاق باب في الإيلاء واعتزال النساء ص547
[11] صحيح البخاري ج6 باب قوله ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ص24 . وكذلك جاء في أسباب النزول للواحدي ص241. ومن الغريب لجوء البعض لتبرير مثل هذه الكلمات بالغيرة التي تشعر بها النساء! فلا يمكن لمسلم أن يجادل بأن كلمةً مثل هذه لا يجوز شرعاً أن تصدرَ بحق رسول الله(ص), مهما كانت الأسباب.
[12] ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده ج6 ص277 أن أم المؤمنين صفية بنت حيي بعثت بإناء فيه طعام للرسول(ص) فأخذت عائشة من شدة غيرتها قصعة الطعام ورمتها على الأرض! وأن الرسول(ص) غضب لذلك وأمر عائشة أن تكفر عن فعلتها بأن تعمل لصفية طعاماً في قصعة.
[13] صحيح البخاري ج1 ص107 باب الصلاة على الفراش.
[14] صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة ص 926 وكذلك رواه البخاري حرفيا في باب فضل عائشة رضي الله عنها ج5 ص36
[15] صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة ص926
[16] سنن الترمذي باب من فضل عائشة ج5 ص 363 رقم 3967
[17] صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة ص907
[18] صحيح مسلم كتاب الحيض باب مباشرة الحائض فوق الإزار ص124
[19] سنن الدارقطني ج2 ص160
[20] صحيح البخاري باب تزويج النبي(ص) عائشة ج5 ص71
[21] والآن في مجتمع القرن الحادي والعشرين, لو شاع أن رجلاً عاديّا – وليس نبياً مرسلاً – في الخمسينات من عمره تزوج صبيّة دون العشرين من عمرها, لاستنكر معظم الناس ذلك ولاتهموه وأباها بالظلم والقسوة, ولطالبَ معظمُ الناس الرجلَ بأن يختار مَن تناسبه في العمر. وإذا كان الرجلُ العاديّ يأنف عن فعل كهذا, فهل يُعقل أن يفعله رسول الله(ص)؟ وهل يليق ذلك بمقامه؟ وما الذي يمكن أن يدفع رسول الله(ص) إلى تصرفٍ شاذٍ بكل المقاييس؟
[22] وآخر هؤلاء الكارهين للنبي(ص) رجلٌ أمريكي اسمه كريج وِن قام بنشر كتاب في مطلع 2005 , باللغة الانجليزية وموجّه للعامّة من بني قومه , ملأه بالتهجم القبيح على شخص النبي(ص). وقد استغلّ رواية زواج النبي(ص) من الطفلة عائشة بشكل خبيث حين ادّعى أنه ينقل من صحيح البخاري, لا غير, وترك للقارئ الأمريكي الحُكمَ على ذلك النبي المتوحش الذي يتزوج ابنة السادسة!
[23] وقد اعترف عمر بن الخطاب أن النبي(ص) لم يكن يحب ابنته وأنه كان يمسكها مراعاةً لخاطر عمر . فقد قال لابنته حفصة " والله لقد علمتِ أن رسول الله(ص) لا يحبكِ , ولولا أنا لطلقكِ " كما ورد في صحيح مسلم باب في الإيلاء واعتزال النساء ص547
[24] ذكر القرطبي في تفسيره أن الرسول(ص) تزوج سودة بنت زمعة العامرية بعد أن توفّي زوجها وابن عمها المؤمن (السكران بن عمرو) إثر عودتهما من الحبشة.
[25] ذكر المباركفوري في سيرة رسول الله(ص) الرحيق المختوم ص541  أنها كانت زوجة لعبد الله بن جحش الذي استشهد يوم أحد , فتزوجها رسول الله(ص).
[26] السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص 186
[27] تذكرة الحفاظ للذهبي ج1 ص27
[28] صحيح البخاري ج5 باب حديث الإفك ص151
[29] صحيح البخاري باب مرض النبي ووفاته ج6 ص 14
[30] تاريخ الطبري ج2 ص432
[31] نقلا عن كتاب مرتضى العسكري "أحاديث أم المؤمنين عائشة" ج2 ص197
[32]روى البخاري في ج4 ص169 ان النبي(ص) قال "مُروا أبا بكر فليصلّ بالناس. فقيل له ان أبا بكر رجلٌ أسيف إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس, وأعاد فأعادوا له فأعاد الثالثة فقال: إنكنّ صواحب يوسف". وقريبٌ من ذلك ورد في سنن الدارمي ج1 ص39.
وهذا الحديث استند إليه الكثير جداً من المسلمين المتأخرين في محاولة إثبات أن النبي(ص) كان يرغب في أن يخلفه أبو بكر. ولكن الملاحظ أن المهاجرين القرشيين في محاججتهم للأنصار يوم السقيفة , لم يشيروا إلى واقعة صلاة أبي بكر بالناس هذه, رغم أنهم كانوا محتاجين إلى كل ما من شأنه أن يدعم حجتهم في ذلك الظرف.
[33] تاريخ دمشق لابن عساكر ج25 ص470. وكذلك سنن الترمذي ج5 ص317.
[34] تاريخ دمشق لابن عساكر ج39 ص279.
[35] ورد هذا أيضا في مسند أحمد بن حنبل ج6 ص87
[36] سير أعلام النبلاء للذهبي , ج2 ص187
[37] تاريخ اليعقوبي ج2 ص225