مقولة "العشرة المُبشرون بالجنة"


  
من المسلّمات الشائعة بين الناس أن هناك عشرة من الصحابة قد بشّرهم الرسول(ص) بالجنة. وأن هؤلاء يشملون الخلفاء الأربعة , بالإضافة إلى طلحة بن عبيد الله  والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأبي عبيدة بن الجرّاح وسعيد بن زيد.
وهذه الأسماء العشرة صارت بمثابة قائمة رسمية مُعتمدة لدى الجهات المعنية. ويكررها الخطباء على منابر المساجد على مسامع عامة المسلمين باستمرار, حتى انطبعت في الأذهان دون تمعّن في المقصد من ورائها.

 نص الحديث

"عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله (ص) :  أبو بكر في الجنة ، وعمر في الجنة ، وعثمان في الجنة وعلي في الجنة ، وطلحة في الجنة ، والزبير في الجنة ، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ، وسعد بن أبي وقاص في الجنة ، وسعيد بن زيد في الجنة ، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة "[1]

 والغريب أن هؤلاء المبشرين هم تسعة عند ابن ماجة! فقد أسقط منهم أبو عبيدة , وليس معروفاً لماذا.
وفيما يلي النص " عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل يقول : كان رسول الله(ص) عاشرَ عشرة. فقال : أبو بكر في الجنة, وعمر في الجنة, وعثمان في الجنة, وعليّ في الجنة, وطلحة في الجنة, والزبير في الجنة, وسعد في الجنة, وعبد الرحمن في الجنة". فقيل له : مَن التاسع ؟ فقال : أنا "[2]

وكذلك هم تسعة عند ابن حبان:
" عن عبد الرحمن الأخنس أنه كان في المسجد فذكَرَ المغيرة علياً فنالَ منه . فقام سعيد بن زيد فقال : أشهد على رسول الله(ص) أني سمعته يقول :  عشرة في الجنة : النبي في الجنة,وأبو بكر في الجنة, وعمر في الجنة, وعثمان في الجنة, وعلي في الجنة, وطلحة بن عبيد الله في الجنة, والزبير بن العوام في الجنة, وسعد بن مالك في الجنة, وعبد الرحمن بن عوف في الجنة, ولو شئتُ لسمّيتُ العاشرَ. قالوا : مَن هو ؟ فسكت . فقالوا : مَن هو؟ فقال : سعيد بن زيد"[3]


ملاحظات حول العشرة

أولا : القائمة أساسها قبَليّ . هؤلاء العشرة المشهورون كلهم من قبيلة قريش!
فهناك صبغة عرقية صارخة لهؤلاء العشرة. فكلهم من نفس القبيلة. فالنسَب إذن هو الأساس.

وليس من بينهم أي من المسلمين الأولين من ذوي النسَب غير القرشي الذين كانوا مُستضعفين بمكة أيام بداية الدعوة النبوية. والمعروف أن هؤلاء المساكين الذين صدّقوا الرسول (ص) وتبعوه كان لهم النصيب الأعظم من غضب طغاة قريش وأذاهم الذي وصل إلى حدّ القتل. فلا يوجد في القائمة ذكرٌ لعمار ولا بلال ولا ابن مسعود ولا أبي ذر !
 فعلى الرغم من أن قبيلة قريش لم تكن مرتاحة أبداً لأن بعض أبنائها من ذوي النسَب البيّن قد آمنوا بمحمد(ص) واتّبعوه, إلاّ أنها ما كانت لتوقع بهم أذى كبيراً , وخاصة جسدياً, بعكس الضعفاء وذوي الأصول غير القرشية الذين انصبّ عليهم بطش قريش.
ولا يوجد في القائمة  أحدٌ من الأنصار, الذين آمنوا طوعاً وأشادوا صرح الإسلام على جماجمهم! فلا وجود لأسعد بن زرارة ولا سعد بن معاذ ولا سعد بن عبادة ولا غيرهم.


ثانيا : ليس السبق للإيمان هو الأساس . فليست هذه القائمة مبنيّة على أساس ترتيب مَن آمنَ بنبوّة محمد(ص) عند بدء نزول الوحي, فهي لا تضم  زيد بن حارثة, مولى رسول الله, وهو ثاني ذكرٍ آمنَ برسول الله بعد علي بن أبي طالب , كما جاء في السيرة النبوية لابن هشام[4] . وهو أيضاً الشهيد العظيم في مؤتة.
والسبب الحقيقي لهذا الاستبعاد من القائمة هو أنه ليس قرشياً.

وللتدليل على أن السبق إلى الإسلام ليس هو العامل الحاسم في تحديد هذه القائمة, بالإمكان الرجوع إلى السيرة النبوية لابن هشام[5] لمعرفة أسبقية الدخول في الإسلام كما ذكرها ابن اسحاق والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي :
 أول مَن آمَن به خديجة بنت خويلد(1) وصدقت بما جاءه من الله.
 ثم كان أول ذكرٍ آمن برسول الله وصدّق به علي بن أبي طالب(2).
 ثم أسلم زيد بن حارثة(3) مولى رسول الله فكان أول ذكر أسلم وصلى بعد علي بن أبي طالب.
ثم أسلم أبو بكر(4) بن أبي قحافة,
 وأسلم بدعائه كل من : عثمان(5) بن عفان والزبير(6) بن العوام وعبد الرحمن بن عوف(7) وسعد بن أبي وقاص(8) وطلحة بن عبيد الله(9).
وبعد هؤلاء أسلمَ كلٌ من : أبو عبيدة بن الجراح(10) ,
 وأبو سلمَة(11),
 والأرقم بن أبي الأرقم(12),
 وعثمان بن مظعون(13) وأخواه : قدامة(14) وعبد الله(15) ابنا مظعون,
 وعبيدة بن الحارث(16) بن المطلب,
 وسعيد بن زيد(17) وامرأته فاطمة بنت الخطاب(18),
 وأسماء(19) وعائشة(20) بنتي أبي بكر,
 وخباب بن الأرت(21).

وبالتالي لو كان السبق إلى الإيمان بدعوة الرسول(ص) هو المعيار لهذه القائمة, لكان لا بد أن يكون كل من زيد بن حارثة (2) وأبو سلمة(11) من ضمنها. ولما كان يُقدّم سعيد بن زيد(17) على مَن أسلموا قبله مثل الأرقم وابناء مظعون الثلاثة  وعبيدة بن الحارث, ولما كان هناك أي فرصة لوضع اسم عمر بن الخطاب في تلك القائمة وتقديمه على العشرات غيره و وهو الذي أسلمَ في السنة السادسة للبعثة؟
فعمر بن الخطاب أسلمَ بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة ( وكان عددهم 83 رجلا)[6]


ثالثا : ليست القائمة مبنيةً على أساس التضحيات المبذولة . فلا توجد في قائمة العشرة المبشرين هذه أسماء الشهداء العظام الذين فدَوا بدمائهم الزكية رسول الله (ص) في الشدائد والمواقف العصيبة. فليس هناك حمزة ولا جعفر ولا مصعب بن عمير ولا أنس بن النضر ولا عبد الله بن رواحة....
وليس في القائمة اسما زيد بن الدثنة ولا خبيب بن عدي الذين قتلا صَلباً بعد تعذيبهما على يد المشركين في مكة وهما يرفضان النيلَ من رسول الله(ص) ولو حتى كلامياً...

رابعا : هذه القائمة تعتمد أساساً على أقوال منسوبة إلى رسول الله(ص) تحجز لهؤلاء مكاناً في الجنة.
 ولكن, هناك أيضاً الكثيرون ممن وردت فيهم أقوالٌ صريحة تنسَبُ للرسول(ص) بأنهم من أهل الجنة. وفيما يلي بعض مَن يمكن اعتبارهم مبشرين بالجنة, إذا تم الاعتماد فقط على نص الأحاديث المنسوبة للرسول(ص) :
1- الغميصاء بنت ملحان : ورد عن النبي(ص) قال " دخلتُ الجنة فسمعتُ خشفة. فقلتُ مَن هذا ؟ قالوا : هذه الغميصاء بنت ملحان, أم أنس بن مالك" [7]  
2- بلال بن رباح : ورد أن النبي(ص) قال له " ... فإني سمعتُ دفّ نعليك بين يديّ في الجنة"[8]
3- جليبيب :  ورد أن النبي (ص) افتقده في إحدى الغزوات فوجدوه بين القتلى " .. فأتى النبيّ فوقفَ عليه. فقال : قتلَ سبعة ثم قتلوه. هذا منّي وأنا منه, هذا منّي وأنا منه ..."[9]
4-  عبد الله بن عمرو بن حرام : ورد أن النبي(ص) يومَ أحد قال عنه – حين كانت ابنته تبكيه " ولمَ تبكي ؟ فما زالت الملائكة تظلّه بأجنحتها حتى رفع"[10]
5- عبد الله بن سلام : ورد عن عامر بن سعد قال سمعت أبي يقول " ما سمعتُ رسول الله (ص) يقول لحيّ يمشي : إنه في الجنة, إلاّ لعبد الله بن سلام "[11]
وليس معروفاً كيف أن هذا الحَبر ، أبا يوسف الإسرائيلي  ، عبد الله بن سلام بن الحارث, حليف الأنصار، والذي أسلم بعد قدوم النبي (ص) المدينة , قد أدخِلَ اسمُه فجأة ضمن مجموعةٍ مكونة من عشرة , بُشّرت بالجنة, دون ذكر بقية أعضائها؟
فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال عن عبد الله بن سلام – حين حضرته الوفاة -  : فإني سمعتُ رسول الله (ص) يقول إنه عاشر عشرةٍ في الجنة .[12]
6- سعد بن معاذ : ورد  " إنه أهدي لرسول الله(ص) جبّة من سندس, وكان ينهى عن الحرير. فعجب الناس منها. فقال : والذي نفس محمدٍ بيده! إن مناديل سعد بن معاذ, في الجنة, أحسن من هذا".[13]
7-خديجة بنت خويلد : ورد عن أبي هريرة " أتى جبريل النبيّ(ص) فقال : يا رسول الله :  هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب. فإذا هي اتتك فاقرأ عليها السلام من ربها عز وجل, ومني, وبشّرها ببيتٍ في الجنة من قصبٍ, لا صَخَبَ فيه ولا نصب"[14]
8- كل أهل بيعة الرضوان ( وعددهم 1400 رجلاً) : ورد عن النبي(ص) " لا يدخل النار , إن شاء الله, من أصحاب الشجرة أحد. الذين بايعوا تحتها"[15]
9- زيد بن حارثة وأسامة بن زيد : " إن تطعنوا في إمرته فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل.وأيم الله! إن كان لخليقاً للإمرة, وإن كان لمن أحبّ الناس إليّ. وإن هذا لمن أحبّ الناس إليّ من بعده"[16]
-         10- أبيّ بن كعب : ورد " إن رسول الله(ص) قال لأبي : إن الله عز وجل أمرني أن أقرأ عليك. قال : آلله سمّاني لك ؟ قال : الله سماك لي"[17]
وهو كان من أربعةٍ من الصحابة يسمّون قرّاء القرآن.  فقد روى البخاري أن رسول الله(ص) قال " استقرؤا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود, وسالم مولى أبي حذيفة, وأبيّ بن كعب ومعاذ بن جبل"[18]
وصفه الذهبي[19] فقال عنه " أقرأ  الصحابة وسيد القراء. شهد بدراً والمشاهدَ وقرأ القرآن على النبي"
11-عمير بن الحمام : وردَ أن رسول الله (ص) قال له حين ذكر الجنة " فإنّك من أهلها".[20]
12- حارثة بن سراقة : حيث قال الرسول(ص) لأمّه " ابنكِ في الفردوس الأعلى "[21]

هذه كانت بعض الأمثلة على أشخاص وردت فيهم أحاديث صحيحة بأنهم سيذهبون إلى الجنة. ولكنهم لم ينالوا عضوية القائمة الرسمية التي اعتمدتها السلطات الحاكمة وعممتها.

خامسا : كلّ أعضاء القائمة هم ممّن بقوا وعاشوا لما بعد وفاة الرسول) .
ولكن, إذا كان المقصود من المبشرين في الجنة هم فقط مهاجرون قرشيون ممَن عاشوا بعد الرسول (ص) وليس الذين توفّوا بحياته, فيجب أن تضم القائمة شخصاً مثل خالد بن سعيد بن العاص.
فخالد بن سعيد قرشيٌ صميم, بل ومن بني أمية, وكان من المبكرين جداً في إسلامه وتعرض للأذى على يد أبيه وكانت نهاية حياته شهيداً في فتوحات الشام. وهو لديه من المؤهلات ما يزيد على معظم الأعضاء الآخرين في القائمة المشهورة. ولكنه استبعد من القائمة لأنه شذ عن الموقف العام للمهاجرين القرشيين, فرفضَ بيعة أبي بكر وأصرّ على أحقية علي بن أبي طالب في الخلافة عند وفاة الرسول(ص). فكان لا بد لخالد أن يدفع الثمن بما في ذلك معنوياً , عن طريق حرمانه من عضوية القائمة التي ستعمم على المسلمين. 


القائمة تستند إلى رأي عمر

ويبدو أن هناك ارتباطاً بين قائمة العشرة وبين ما قاله عمر بن الخطاب حين طعِن, فقرر تعيين جماعة "الشورى" واصفاً إيّاهم لما قال :
 " لا أجد أحداً أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله(ص) وهو عنهم راضٍ , فأيهم استخلف فهو الخليفة من بعدي.  فسمّى علياً وعثمان و طلحة  والزبير وعبد الرحمن وسعداً " [22]
وأضيف إلى هؤلاء : الخليفتان الأول والثاني, بالإضافة إلى شريكهما الراحل أبي عبيدة, وأخيراً سعيد بن زيد الذي هو الراوي الأبرز لهذا الحديث.
ومن الجدير بالملاحظة أن عمر لم ينسِب للرسول(ص) قولاً حول عشرةٍ مبشرين بالجنة, ولكنّ مَن بعدَه طوّروا قوله وحَبَكوا المقولة.

تساؤل
ولكن تصنيف عمر لهؤلاء الستة أنهم " الذين توفي رسول الله(ص) وهو عنهم راضٍ" يمكن التشكيك به :
-         فهل كان عمر وحده يعلم دخيلة نفس الرسول(ص), ومَن الذين هو راضٍ عنهم من المسلمين؟ وهل يعني ذلك أن رسول الله(ص) لم يكن راضياً عن غيرهم, كالأنصار مثلاً , أو عمار بن ياسر ؟
-          أخذاً بعين الاعتبار حادثة رزيّة يوم الخميس, يمكن التخمين أن رسول الله(ص) حين توفي لم يكن راضياً عن عمر بن الخطاب بالذات, الذي اتهمه بالهجر ومَنعَه من كتابة وصيته. فبعد تلك الحادثة المؤسفة, هل يجوز لعمر بن الخطاب أن يضع نفسَه في موقع الذي يوزّع على الناس نصيبهم من رضى رسول الله(ص) ؟

خلفيات وراء القائمة

أبو بكر وعمر

ألقى التاريخ بظلاله على القائمة هذه. فنال الخليفتان الأول والثاني النصيب الأكبر من الإطراء الذي تمّت نسبته إلى النبي(ص).
فنالَ أبو بكر وعمر بن الخطاب نصيبَ الأسد من بشائر الذهاب إلى الجنة من خلال سلسلة أحاديث رواها أبو هريرة وعبد الله بن عمر بن الخطاب, تبتدئ كلها بقول منسوبٍ للنبي(ص) " بينا أنا نائمٌ...", حيث تسرد أحلاماً رآها رسول الله(ص) وفيها أن أشخاصاً معينين مصيرهم الجنة, دون توضيح حادثةٍ أو سببٍ معين لتلك البشارة :
فعن أبي هريرة "قال رسول الله(ص) : بينا أنا نائم رأيتُ أني على حوضي أسقي الناس , فأتاني أبو بكر فأخذ الدلو من يدي ليريحني, فنزع ذنوبين وفي نزعه ضعفٌ, والله يغفر له, فأتى ابن الخطاب فأخذ منه. فلم يزل ينزع حتى تولى الناس والحوض يتفجر"
وعن أبي هريرة " أن رسول الله(ص) قال : بينا أنا نائم, رأيتني على قليبٍ وعليها دلوٌ, فنزعتُ منها ما شاء الله. ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوباً أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له. ثم استحالت غرباً فأخذها عمر بن الخطاب. قلم أرَ عبقرياً من الناس ينزع نزع عمر بن الخطاب, حتى ضرب الناس بعطن"
وعن أبي هريرة عن الرسول (ص) أنه قال " بينا أنا نائم , رأيتني في الجنة. فإذا امرأة تتوضّأ إلى جانب قصر. قلت : لمن هذا القصر ؟
قالوا : لعمر بن الخطاب. فذكرتُ غيرته فوليتُ مدبراً.
فبكى عمر بن الخطاب ثم قال : أعليكَ بأبي أنت وأمي يا رسول الله أغار"
وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن رسول الله (ص) قال " بينا أنا نائم, أتيتُ بقدح لبنٍ فشربتُ منه حتى إني لأرى الريّ يجري. ثم أعطيتُ فضله عمر.
قالوا : فما أوّلته يا رسول الله؟
قال :  العلم."[23]

وهناك حديثٌ غريبٌ جداً في فضلِ أبي بكر وعمر, ظاهر التصنّع والتكلّف , فعن أبي هريرة أن النبي(ص):
 "  قال : بينا رجلٌ يسوق بقرةً , إذا ركبها فضربها.
فقالت : إنا لم نُخلق لهذا. إنما خُلِقنا للحرث.
فقال الناس : سبحان الله! بقرةٌ تكلم؟
فقال : فإني أؤمن بهذا , أنا وأبو بكر وعمر. وما هما ثمّ.
وبينما رجل في غنمه, إذ عدا الذئب فذهب منها بشاةٍ, فطلب حتى كأنه استنقذها منه. 
فقال له الذئب : هذا استنقذتَها مني, فمَن لها يوم السبع, يومَ لا راعي لها غيري؟
فقال الناس : سبحان الله! ذئبٌ يتكلم؟
قال : فإني أؤمن بهذا, أنا وأبو بكر وعمر. وما هما ثمّ"[24]
ومن الملاحظ حرص الراوي هنا على تأكيد عدم وجود أبي بكر وعمر (وما هما ثمّ) أثناء تأكيد النبي(ص) للناس إيمانه هو وإياهما – دون غيرهما - على أن البقرة والذئب يتكلمان.

وبعيداً عن البقرة والذئب, وعن أحاديث الأحلام, فإن الفضيلتين الرئيسيتين لأبي بكر هما إيمانه المبكّر بمحمد(ص) ومرافقته له في رحلة هجرته من مكة. لقد كان أبو بكر مع رسول الله(ص) خلال الفترة المكية الطويلة والقاسية, وساعدَه في نشر دينه في أوساط مجموعةٍ من أبناء بطون قريش ذوي النسَب الرفيع, كما ساهم بماله في تحرير عدد آخر من الموالي والعبيد الذين كانوا يُعانون الكثير على أيدي القرشيين بسبب إسلامهم. وهذه فضائل عظيمة بلا شك وتكفي للدلالة على أن أبا بكر كان ذا وضعٍ رفيعٍ ومميز في ميزان الشرعية الإسلامية.  ولكن الأسباب السياسية في ظل الحكم الأموي دفعت الكثيرين إلى محاولة زيادة وتضخيم فضل أبي بكر لأنهم قدّروا أن هذه الفضائل لا تكفي لموازنة أو موازاة ما يمتلكه عليّ بن أبي طالب من مناقب وفضائل إسلاميةٍ ساطعة ولا نظيرَ لها.

وقد روى ابن أبي الحديد ما يوضّح البعدَ السياسيّ في أحاديث فضل أبي بكر. فقد نقلَ عن أبي جعفر الاسكافي في سياق ردّه على الجاحظ :
" لولا ما غلبَ على الناس من الجهل وحب التقليد, لم نحتج إلى نقضِ ما احتجّت به العثمانية .
فقد علم الناس كافة أن الدولة والسلطان لأرباب مقالتهم. وعرف كل واحد علوّ أقدار شيوخهم وعلمائهم وأمرائهم, وظهور كلمتهم, وقهر سلطانهم وارتفاع التقية عنهم, والكرامة والجائزة لمن روى الأخبار في فضل أبي بكر, وما كان من تأكيد بني أمية لذلك, وما رواه المحدثون من الأحاديث طلباً لما في أيديهم . فكانوا لا يألون جهدا في طول ما ملكوا في أن يخملوا ذكر عليّ عليه السلام وولده , ويطفئوا نورهم, ويكتموا فضائلهم ومناقبهم وسوابقهم. ويحملوا على شتمهم وسبهم ولعنهم على المنابر..."[25]

ولكن عمر بن الخطاب كان وضعه مختلفاً عن أبي بكر. فهو لم تكن له من الفضائل المعروفة في عهد رسول الله(ص) ما تجعله أهلاً لكي يسامي ما لدى علي بن أبي طالب , أو حتى غير عليّ, من مناقب باهرة, ناهيك عن التفوّق عليها. وبخلاف أبي بكر, فإن عمر بن الخطاب قد تأخر دخوله في الإسلام إلى السنة السادسة للبعثة[26] . ولم تكن العلاقة بين رسول الله(ص) وبين عمر , وثيقةً أو حميمة. وهناك ما يشير إلى أن عمر لم يكن من خاصّة النبي(ص) أو المقربين الأثيرين لديه. فمثلاً روى البخاري عن عمر بن الخطاب قال:
 " كنتُ أنا وجارٌ لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة . وكنّا نتناوب النزول على رسول الله(ص) , ينزل يوماً وأنزل يوماً , فإذا نزلتُ جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره, وإذا نزلَ فَعلَ مثلَ ذلك..."[27] 

 وعمر بن الخطاب كان من ضمن الصحابة الذين انهاروا يوم معركة أحُد فتولوا وصعدوا الجبلَ, كما هو معلوم. وقد انهزم عمر بن الخطاب مع غيره من المسلمين يوم حنين[28] أيضاً , كما أنه فشل في قيادة الحملة العسكرية التي أرسلها النبي(ص) لفتح خيبر[29].


ورغم تلك الحقائق المعروفة, ورغم أن عمر لم تكن له سوابق مهمة, أو مواقف باهرة, في عهد رسول الله(ص), إلاّ أن الإنجازات العظيمة والفتوحات الهائلة والانتصارات المذهلة, التي حصلت في خلافة عمر بن الخطاب, دفعت الكثيرين من المسلمين إلى قبول عددٍ من الروايات الركيكة التي تمّ وضعها في فترةٍ لاحقة من أجل تمجيد عمر .  فهناك عدد كبيرٌ جداً من "الأحاديث" الواردة بشأن عمر بن الخطاب والتي تجعل منه نِدّا ونظيراً للنبي(ص), بل وأكثر! وقد استعرضَ ابن أبي الحديد[30] بعضها:
-         إن السكينة لتنطق على لسان عمر
-         إن الله تعالى ضَربَ بالحق على لسان عمر وقلبه
-         إن بين عيني عمر مَلكاً يسدّده ويوفقه
-         لو لم أبعث فيكم لبُعِث عمر
-         لو كان بعدي نبيٌ لكان عمر
-         لو نزل إلى الأرض عذابٌ لما نجا منه إلاّ عمر
-         ما أبطأ عليّ جبريل إلاّ ظننتُ أنه بُعث إلى عمر
-         سراج أهل الجنة عمر
-         إن شاعراً أنشدَ النبي(ص) شِعراً فدخلَ عمر فأشار النبي(ص) إلى الشاعر أن اسكت. فلما خرج عمر قال له : عُد. فدخلَ عمر فأشار النبي(ص) بالسكوت مرة ثانية. فلما خرج عمر, سأل الشاعر رسولَ الله(ص) عن الرجل. فقال : هذا عمر بن الخطاب, وهو رجلٌ لا يحبّ الباطل!
-         وزنتُ بأمتي فرجحتُ . ووزن أبو بكر بها فرجحَ. ووزن عمر بها فرجحَ ثم رجحَ ثم رجحَ.

واستعرض السيوطي[31] المزيد من هذه الأحاديث :
-         مَن أبغض عمرَ فقد أبغضني , ومَن أحب عمرَ فقد أحبني. وإن الله باهى بالناس عشية عَرَفة عامة, وباهى بعمر خاصة. وإنه لم يبعث الله نبياً إلاّ كان في أمته مُحدّث , وإن يكن في أمتي منهم أحد فهو عمر. قالوا : يا نبي الله , كيف محدّث؟ قال : تتكلم الملائكة على لسانه.
-         ما في السماء ملكٌ إلاّ وهو يوقر عمرَ, ولا في الأرض شيطانٌ إلاّ وهو يفرق من عمر "

بل إن ابن الجوزي لم يكتفِ بأن الشيطان يفرَق من عمر, فهو أضاف أن عمر بن الخطاب قد تصارع,جسدياً, مع الشيطان في أحد أزقة المدينة المنورة, وأن عمر صَرَعه حتى جلس على صدره.[32]

ولهذه " الأحاديث " بعدٌ سياسيّ أيضاً , يتعلق بالصراع على الخلافة الذي حصل بعد وفاة النبي(ص). فتريد هذه " الأحاديث " أن تثبتَ أن تولّي عمر, ومن قبلِه أبو بكر,  للخلافة وإبعاد عليّ بن أبي طالب عنها, كان قراراً صائباً بدليل الإنجازات العسكرية والسياسية التي حصلت, والتي ما كانت لتتم لولا الرعاية الإلهية للخليفتين. فكانت هذه " الأحاديث " لتوفّر الغطاء الديني المطلوب ولإظهار التوافق بين " إرادة " النبي(ص) وبين ما حصلَ , تاريخياً, بالفعل.






عثمان بن عفان

 يمكن تلخيص الفضائل التي يتمتع بها عثمان على النحو التالي:
 كونه صِهراً[33] للرسول(ص) , على اثنتين من بناته ( رقية وأم كلثوم )
 وكونه واحداً من ضمن المؤمنين الأولين في مكة
وهو من المهاجرين إلى الحبشة أولاً ثم إلى المدينة
وقيامه بتبرعاتٍ ماليةٍ سخيةٍ لصالح المسلمين. [34]

ورغم أهمية هذه الخِصال والمناقب, إلاّ أن  أتباع بني أمية , ومعهم أنصار الفكر الرسمي المؤيد للحاكمين عبر التاريخ, سرعان ما أدركوا أنها غير كافية لكي تنتاسب مع الهالة التي أرادوها لعثمان كخليفةٍ راشدٍ ومبشرٍ عظيم بالجنة, ولتبرير تفضيله على آخرين كثيرين غيره ممن لهم إسهاماتٌ أكبرُ بكثير منه في نجاح دعوة الرسول(ص)!

ولم يستطع أتباع بني أمية, ومعهم أنصار الفكر الرسمي التقليدي الداعم للحاكمين عبر التاريخ,  أن ينفوا بعضَ الحقائق التاريخية المعروفة بشأن عثمان, وهي أنه لم يشهد معركة بدر, وفرّ من الميدان يوم أحُد , ولم يشهد بيعة الرضوان.
 فقد جاء في صحيح البخاري أن رجلاً قال لابن عمر ".. إنّي سائلك عن شيء أتحدّثني؟
قال : أنشدكَ بحرمة هذا البيت أتعلم أن عثمان بن عفان فرّ يوم أحد؟
 قال : نعم.
 قال : فتعلمه تغيّب عن بدرٍ فلم يشهدها؟
قال : نعم.
 قال : فتعلم أنه تخلّف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟
 قال : نعم.
 قال: فكبّرَ.
قال ابن عمر : تعالَ لأخبرك ولأبين لكَ عما سألتني عنه. أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه. وأما تغيّبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله(ص) وكانت مريضة. فقال له النبي(ص) : إن لكَ أجر رجل ممن شهد بدر وسهمه. وأما تغيّبه عن بيعة الرضوان فإنه لو كان أحدٌ أعزّ ببطن مكة من عثمان بن عفان لبعثه مكانه فبعث عثمان وكان بيعة الرضوان بعدما بعث عثمان إلى مكة. فقال النبي(ص) بيده اليمنى هذه يد عثمان فضرب بها على يده فقال : هذه لعثمان. اذهب بهذا الآن معك"[35]
ومن نافلة القول أن تبرير ابن عمر للأمور الثلاثة المتعلقة بعثمان لا ينفي حصولها.
  
وكان فراره من  الميدان يوم أحد, وبذلك الشكل المُخزي حين عاد بعد ثلاثة أيام بلياليها, مما بقي يُعاب على عثمان إلى أواخر عمره. فكان غيرُه من الصحابة يعيّرونه بسبب ذلك. وكانت تلك الحقيقة تسبب حرجاً لأنصار الخط الأموي والفِكر المؤيد للحكام, خاصة وأن المقارنة كانت تفرض نفسها , صارخة, بين مَن كان هذا حاله وبين مَن بذلوا التضحيات وأظهروا البطولات في ذلك اليوم العصيب.[36]

 وأنصار الخط الأموي, ومعهم الملتزمون بالفكر الرسمي التقليدي المؤيّد للحاكمين عبر التاريخ, كانوا يدركون أنهم بحاجة ماسة إلى المزيد من المناقب لعثمان, فأجهدوا أنفسهم بحثاً عن فضائل ومزايا له لكي يفسّروا بها سبب ضمان الرسول(ص) الجنة له, ولكي يغطوا سلبياته وفساد سياسته أثناء خلافته, فلم يجدوا الكثير, عدا عن علاقة المصاهرة والتبرعات المالية.
وعملياً فإنه خلال تاريخه كلّه مع الرسول(ص), يكاد لا يوجد أيّ فعلٍ مهم أو موقف مميّز لعثمان, باستثناء ما يُعرف عن الدعم المالي الذي كان يقدمه. وصحيحٌ أن المساهمات المالية مفيدة ومطلوبة, وتؤشر على خصال الكرم والسخاء, إلاّ أنه من نافلة القول أن رجلاً تاجراً وثرياً جداً , مثل عثمان, ليس صعباً عليه القيام بمثل هذه التبرعات المالية لصالح المجتمع الذي يعيش فيه ويعتمد عليه في استهلاك البضائع التي يبيعها, وبالتالي الأرباح التي يجنيها. فالتجار دائماً يفعلون ذلك في كل العصور. ولا يُعتبر ذلك من عظيم التضحيات.

 ولذلك نشأت الحاجة إلى اختراع أحاديث نبوية من شأنها إرسال عثمان إلى الجنة[37]  مباشرة . فذلك يحل لهم الإشكالية, لأن نسبة القول إلى النبي(ص) نفسه يغنيهم عن الاضطرار إلى تقديم شروحات ومقدمات وأسباب قد لا تكون مقنعة.
والحديث التالي ربما يصلح مثالاً على ذلك. وهو مَرويٌ عن أبي موسى الأشعري (صاحب المواقف السلبية المعروفة تجاه الخليفة علي بن أبي طالب في الكوفة, وفي مؤتمر التحكيم), وفيه تبشيرٌ لأبي بكر وعمر وعثمان – على التوالي- بالجنة, دون أن يكون هناك موقفٌ معيّن أو تصرّفٌ دفَعَ الرسول(ص) إلى إصدار هذه البشارة العظيمة لهم. فليس الموقف الموصوف في الحديث عصيباً وأبلى به هؤلاء الصحابة حَسَناً. إنما يتكلّم أبو موسى عن موقف استرخاءٍ لرسول الله(ص) كان فيه جالساً عند بئر يسمّى أريس وقد كشف ساقيه ودلاّهما في الماء!
 وفيما يلي النصّ " ... فإذا هو قد جلسَ على بئر أريس , وتوسّط قفّها وكشفَ عن ساقيه ودلاّهما في البئر , قال فسلّمتُ عليه ثم انصرفتُ فجلستُ عند الباب , فقلت لأكوننّ بواب رسول الله(ص) اليوم.
 فجاء أبو بكر فدفع الباب
 فقلتُ : مَن هذا؟
 فقال: أبو بكر.
 فقلتُ : على رسلك. قال ثم ذهبتُ فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن.
 فقال ائذن له وبشّره بالجنّة!
 قال فأقبلتُ حتى قلتُ لأبي بكر : ادخل, ورسول الله(ص) يبشّرك بالجنة. فدخلَ أبو بكر فجلسَ عن يمين رسول الله معه في القفّ ودلّى رجليه في البئر كما صنع النبي(ص) وكشفَ عن ساقيه .
ثم رجعتُ فجلستُ وقد تركتُ أخي يتوضّأ ويلحقني, فقلتُ إن يرد الله بفلان – يريد أخاه- خيراً يأتِ به. فإذا إنسانٌ يحرّك البابَ.
 فقلتُ : مَن هذا ؟
 فقال : عمر بن الخطاب.
 فقلتُ : على رسلك . ثم جئتُ الى رسول الله(ص) فسلّمتُ عليه وقلت: هذا عمر يستأذن.
 فقال: ائذن له وبشّره بالجنة!
 فجئتُ عمرَ فقلتُ : أذِنَ, ويبشّركَ رسول الله(ص) بالجنة. قال فدخل فجلس مع رسول الله(ص) في القفّ عن يساره ودلّى رجليه في البئر.
 ثم رجعتُ فجلستُ فقلتُ إن يرد الله بفلان خيراً – يعني أخاه- يأتِ به.
 فجاء إنسانٌ فحرّك البابَ فقلتُ : مَن هذا؟
 فقال : عثمان بن عفان.
 فقلت على رسلك قال وجئت النبي(ص) فأخبرته , فقال : ائذن له وبشّره بالجنة , مع بلوى تصيبه!
 قال فجئتُ فقلتُ:  ادخل . ويبشّرك رسول الله (ص) بالجنة مع بلوى تصيبك.
قال فدخلَ, فوجد القفّ قد مُلئ فجلسَ وجاههم من الشق الآخر"[38]


وفي تفاصيل سيرته مع النبي(ص): كان عثمان بن عفان متخصّصاً في استغلال أو محاولة استغلال حِلم الرسول(ص) وأخلاقه العالية , من أجل محاولة إنقاذ أشدّ رؤوس الكفر والطغيان من جلاّدي رسول الله (ص) ومَن تبعه في مكة, وأكثرهم حرباً لدين الله. كان هؤلاء حينما يُهزمون يلجؤون تلقائياً إلى عثمان ليحميهم, ومن ثم يأخذ لهم الأمان من رسول الله[39].
وكان عثمان يمارس هذا الدور بتكرارٍ وبإصرارٍ شديدٍ, مما دفع الكثيرين إلى الشك حول نفسية ودوافع الرجل. إذ كيف يقبل المؤمن برسول الله(ص) أن يخالف أمراً صريحاً أصدَره الرسول (ص), فيُخفي عنده أشدّ خصوم الرسول وكارهيه؟ وكيف يقبل المؤمن أن يستغلّ عن عَمدٍ وإدراكٍ سماحة الرسول(ص) التي تدفعه إلى الاستجابة لمن سأله شيئاً , على مضض, وبكرهٍ ظاهر؟
 ومعظم هؤلاء اللاجئين إلى عثمان هم من الذين ارتكبوا عدواناً شنيعاً على شخص الرسول (ص), وكان من المتوقّع من كل مؤمن أن يكون متحمّساً للقضاء عليهم, من أجل خاطر الرسول(ص) على الأقل, إن لم يكن من أجل الثواب في الآخرة. ولكن عثمان كانت تصل به الأمور إلى حد التواطؤ معهم!

والأمثلة كثيرة : منها عبد الله بن سعد بن أبي السرح وإنقاذه بشكلٍ مُخزٍ على يد عثمان , فقد جاء في سنن النسائي " لما كان يوم فتح مكة أمّن رسول الله(ص) الناسَ إلاّ أربعة نفرٍ وامرأتين وقال : اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة : عكرمة بن أبي جهل, عبد الله بن خطل, مقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح. فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبقَ إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر, فسبق سعيدٌ عماراً وكان أشبّ الرجلين فقتله. وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه وأما عكرمة فركب البحر ........ وأما عبد الله بن سعد بن أبي السرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان فلما دعا رسول الله(ص) إلى البيعة جاء به حتى أوقفه على النبي(ص).
 قال : يا رسول الله بايع عبدَ الله!
 قال : فرفعَ رأسَه فنظرَ إليه ثلاثاً, كلّ ذلك يأبى.
فبايعه بعد ثلاث.
ثم أقبل على أصحابه فقال : أما كان فيكم رجلٌ رشيدٌ يقوم إلى هذا حيث رآني كففتُ يدي عن بيعته فيقتله؟ فقالوا : وما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك؟ هلاّ أومأتَ إلينا بعينك؟
 قال : إنه لا ينبغي لنبيّ أن تكونَ له خائنة أعين"[40]

 كما بذل عثمان جهوداً حثيثة في سبيل الحكم بن أبي العاص!
وفيما يلي مثال آخر على ذلك : فقد ورد أن معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية كان قد انهزم من جيش قريش يوم أحُد, وأنه قد فرّ هائماً حتى وصل المدينة, وكان رسول الله(ص) قد وصلها بعد عودته من المعركة. فقام معاوية هذا باللجوء إلى عثمان بن عفان طالباً منه الحماية, فأدخله عثمان بيته وأخفاه هناك :
" ثم خرج إلى النبي(ص) يريد أن يأخذ له أماناً. وقد قال رسول الله(ص) قبل أن يأتيه عثمان : إن معاوية قد أصبح بالمدينة فاطلبوه. فطلبوه فلم يجدوه.
فقال بعضهم : اطلبوه في بيت عثمان بن عفان.
فدخلوا بيت عثمان, فسألوا أم كلثوم, فأشارت إليه فاستخرجوه من تحت حمارة لهم.
 فانطلقوا به إلى النبي(ص) , وعثمان جالسٌ عند رسول الله(ص).
فلما رآه عثمانُ قد أتي به قال : والذي بعثك بالحق, ما جئتك إلاّ أن أسألك أن تؤمنه, فهَبهُ لي يا رسول الله!"
ومن شدّة كراهية الرسول(ص) لمعاوية هذا وإصراره على إعدامه, آمَنه بشرط أنه إن وُجد بعد ثلاثة أيام يُقتل. وفعلاً توارى الرجل, بعد أن جهزه عثمان واشترى له بعيراً . وبعد انقضاء الأيام الثلاثة بعث الرسول(ص) اثنين من أتباعه المخلصين ( ممن ليسوا معروفين بودّهم لطغاة قريش !) وهما زيد بن حارثة وعمار بن ياسر, وأخبرهما بالمكان الذي سيجدان فيه معاوية, الذي كان قد ضل الطريق, وفعلاً ذهبا فوجداه وقتلاه رمياً بالنبال, بعد أن تنافسا في ذلك.[41] وخاب أمل عثمان هذه المرة, وضاعت جهوده سدى.    

ولا يمكن تفسير تلك المواقف كلها إلاّ بفهم المَعلم الأساسي لشخصية عثمان بن عفان, والذي ميّز حياته كلها, في الجاهلية وفي العهد النبوي وأثناء فترة خلافته, وهو انتماؤه القرشيّ الشديد, وولاؤه لصلات القرابة ورابطة الدم. 


وعلى الصعيد الشخصي: بخلاف الخليفتين أبي بكر وعمر, لم يتصِف عثمان على المستوى الشخصي بالزهد والتقشف. وكان معروفاً عنه استمتاعه بمباهج ونِعم الحياة. وقد رَوى عددٌ ممن احتكوا بعثمان بعضاً من جوانب حياته الشخصية وعاداته في استهلاك أطايب الطعام . فمثلاً روى عمرو بن أمية الضمري :
" إني كنتُ أتعشى مع عثمان خزيراً من طبخ من أجود ما رأيتُ قط, فيها بطون الغنم, وأدَمُها اللبن والسمن.
فقال عثمان : كيف ترى هذا الطعام؟
فقلتُ : هذا أطيب ما أكلتُ قط!
فقال : يرحم الله ابن الخطاب. أكلتَ معه هذه الخزيرة قط؟
قلتُ : نعم. فكادت اللقمة تفرث في يدي حين أهوي بها إلى فمي, وليس فيها لحم, وكان أدمها السمن ولا لبن فيها!
فقال عثمان : صدقتَ. إن عمر رضي الله عنه أتعب والله مَن تبع أثرَه ..... أما والله ما آكله من مال المسلمين, ولكني آكله من مالي. أنتَ تعلم أني كنتُ أكثر قريش مالاً, وأجدّهم في التجارة. ولم أزل آكل من الطعام ما لانَ منه. وقد بلغتُ سناً. فأحبّ الطعام إليّ ألينه. ولا أعلم لآحدٍ عليّ في ذلك تبعة"[42]
كما أنه كان يلبس أفخر الملابس والثياب, ويشدّ أسنانه بالذهب.[43]


والخلاصة أن عثمان بن عفان, الرجل الثريّ المتخم بالأموال, لم يقاتل مع رسول الله(ص) قريشاً قط, ولم يُصِبه خَدشٌ في سبيل الله. ومع ذلك قررت المؤسسة الرسمية أن عثمان بن عفان يجب أن يكون له مكانٌ مضمونٌ في الجنة! فهو ثالث الخلفاء ولذلك ينبغي أن يكون ترتيبه الثالث في الأفضلية بعد النبي(ص)[44], وهو بالتالي أفضل في معايير الإسلام من علي بن أبي طالب[45], رغم أنف الجميع! ولا عجب في ذلك, فالدولة الأموية تعلم تماماً أن عثمان هو الذي وطد أركانها في الأرض, وهو الذي حَمَل بني أمية على رقاب المسلمين. وبالتالي يجب على السلطات الحاكمة أن ترفع من مكانة عثمان لأن سياسات حكمه كانت "مُصيبة " تماماً بنظرها. وعلى عامة المسلمين أن يتعلموا أن عثمان من أهل الجنة وأنه أفضل من علي بن أبي طالب لأنه ولي الخلافة قبله.

عبد الرحمن بن عوف

يشترك عبد الرحمن بن عوف مع عثمان بن عفان في الكثير من معالم شخصيته. ورغم كونه من بني زهرة بينما عثمان من بني أمية, إلاّ أنه جمعتهما علاقة مصاهرة , كما أن علاقة تجارية منذ قديم الزمان ربطت بين والديهما. وهو مثله من المؤمنين الأولين في مكة, ومن الذين هاجروا إلى الحبشة. ورغم أن عبد الرحمن كان مع الرسول(ص) في مسيرته ومشاهده, إلاّ أنه لا يمكن ملاحظة أي تميّز له طوال الفترة النبوية. وربما يكون الموقف العملي الوحيد المعروف الذي أنجز فيه عبد الرحمن عَمَلاً لرسول الله(ص) هو حين أمّره على سريةٍ صغيرةٍ أرسلها إلى دومة الجندل.

 وكان عبد الرحمن أيضاً شخصية تجارية من الطراز الرفيع. وكان لديه إحساسٌ مرهفٌ بشأن طرق جمع المال وتكثيره. وبعدما وصل إلى المدينة المنورة مهاجراً, وبلا مال, بدأ على الفور جهوده في تأسيس نشاطٍ تجاريّ مربحٍ له في سوق يثرب . روى الذهبي :
"ولما هاجر إلى المدينة فقيراً لا شيئ له, فآخى رسول الله(ص) بينه وبين سعد بن الربيع أحد النقباء. فعرض عليه أن يشاطره نعمته, وأن يطلّق له أحسن زوجتيه.
فقال له : بارك الله لك في أهلك ومالك. ولكن دلني على السوق.
فذهب . فباعَ واشترى وربحَ. ثم لم ينشب أن صار معه دراهم..."[46]

وهكذا كان عبد الرحمن حتى في أحلك الظروف لا تخذله حاسته الفطرية للتجارة والكسب. كان موهوباً تماماً في هذا المجال, حتى جمع أموالاً هائلة وصار أثرى الأثرياء ويضرب به المثل عند الإشارة إلى أصحاب الثروات.

وقد أشار عمر بن الخطاب مرة إلى حرص عبد الرحمن الشديد على المال. فقد روى ابن سعد أن عمرَ , وهو خليفة, أرسل إلى عبد الرحمن يطلب منه أربعة آلاف درهم قرضاً, فردّ عليه عبد الرحمن مقترحاً عليه أن يأخذها من بيت المال فأجابه عمر :
" ... أنت القائل ليأخذها من بيت المال؟! فإن متّ قبل أن تجيئ قلتم : أخذها أمير المؤمنين. دعوها له. وأؤخذ بها يوم القيامة!
لا . ولكن أردتُ أن آخذها من رجلٍ حريصٍ شحيح مثلك. فإن متّ أخذها من ميراثي"[47]

وروى ابن الأثير بعض مظاهر ثرائه "... فكثر ماله حتى قدمت له سبعمائة راحلة تحمل البر وتحمل الدقيق والطعام...
وكان عظيمَ التجارة, مجدوداً فيها, كثيرَ المال.
قيل أنه دخل على أم سلمة, فقال : يا أمَه, خفتُ أن يُهلكني كثرة مالي ............
 وخلّفَ مالاً عظيماً من ذهب قطع بالفؤوس حتى محلت أيدي الرجال منه. وترك ألف بعير ومائة فرس وثلاثة ألف شاة ترعى بالبقيع. وكان له أربع نسوة, أخرجت إمرأة بثمانين ألفاً. يعني صولحت "[48]

وبحكم طبيعة التاجر المتأصّلة فيه, كان عبد الرحمن ودوداً لطيفاً تجاه قومه من قريش , وخاصة مَن هم من سراة القوم والأثرياء من أمثاله, ولم ينقطع حبل الودّ بينه وبينهم حتى عندما كان عبد الرحمن يجد نفسه في مواجهتهم كواحدٍ من أتباع النبي(ص). فكان عبد الرحمن من الذين كرهوا خروج النبي(ص) إلى قريش يوم بدر وحاولوا ثنيه عن ذلك حتى نزلت فيهم آية قرآنية تستنكر موقفهم ذاك. ولما اضطر إلى حضور المعركة كان دوره الأساسي في يوم بدر هو محاولة إنقاذ أحد أكبر رؤوس قريش, أمية بن خلف, من الموت[49] ,رغم أن محاولته تلك فشلت .

وإن الدور الذي لعبه عبد الرحمن في إبعاد الإمام عليّ عن الخلافة , وتقديمها طعمة لعثمان بن عفان بدلاّ منه, جعله أثيراً جداً لدى بني أمية وعزيزاً على قلوبهم. وهكذا كان لا بد أن يكون عبد الرحمن بن عوف من أهل الجنة المبشرين. ومَن يكون هذا حاله, فعلى عامة المسلمين أن يعلموا ويقتنعوا أن قراره بتعيين عثمان واستبعاد علي كان الصواب بعينه.




طلحة بن عبيد الله

كان طلحة بن عبيد الله ابنَ عم أبي بكر, ويبدو أنه منذ أن عُيّنَ أبو بكر خليفة بدأت تشرأبّ عنقه نحو المنصب الأعلى. وربما هو قدّرَ أنه ما دامت قريش قبلت بحكم رجلٍ من بطن تيم الصغير, فلمَ لا تقبل بحكم رجل ثانٍ من نفس البطن, خاصة وأن أبا بكر أحسنَ شؤون السياسة والحكم؟
وهو كانت علاقته العائلية بأبي بكر وثيقة إلى درجة أنه عبّرَ عن رغبته علناً بالزواج من أم المؤمنين عائشة بعد وفاة رسول الله(ص). وقد كان ذلك سبباً لنزول الآية القرآنية " وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً . إن ذلكم كان عند الله عظيماً"[50]  . فقد ذكر ابن كثير[51] في تفسيره أنها نزلت في رجلٍ همّ أن يتزوج عائشة بعد رسول الله(ص), وأن ذلك الرجل هو طلحة بن عبيد الله. وقد جاء أيضاً في زاد المسير لابن الجوزي[52]  أن طلحة بن عبيد الله كان يقول : لو توفي رسول الله لتزوجتُ عائشة , فنزلت فيه الآية التي ذكرت أن ذلك يؤذي الرسول(ص) وأنه ذنبٌ عظيم العقوبة.
وكان طلحة مثل أبي بكر, ظاهر الود تجاه أبناء قبيلته قريش. فهو قام بفداء عشرة من أسارى بدر ( مشركي قريش ) بماله. وهو أيضاً كان من المؤمنين السابقين للإسلام والهجرة. فهو قدّر أنه لا ينقصه شيئ من مؤهلات أبي بكر. بل إنه يزيد عن أبي بكر في أنه كان أقوى وأكثر شجاعة منه. وكان يقول إن الإصبع المشلول في يده اليمنى قد تسبب به سهمٌ أصابه حين كان يتقي نبال المشركين عن رسول الله(ص) يوم أحُد.

 وقد تجلت طموحاته السياسية في عهد عثمان , فقد قدّر أن سِنه غدت كبيرة بما يكفي لكي يستلم الحكم. وقد كان إدراج عمر بن الخطاب لاسمه في " الشورى " الخطوة النهائية التي أكدت له أهليته وجعلته يرفع من سقف طموحاته إلى الحد الأعلى.

وقد استغل حكمَ عثمان بن عفان كثيراً , فبلغت ثروته أرقاماً خيالية , فهو استفادَ من حركة الفتوحات ليكتسب قصوراً وضياعاً وأراضٍ, خاصة في العراق. روى الذهبي :
" كانت غلة طلحة كل يوم ألفُ وافٍ.
وعن موسى بن طلحة أن معاوية سأله : كم تركَ أبو محمد من العين؟
قال : ترك ألفي ألف درهم ومئتي ألف درهم. ومن الذهب مئتي ألف دينار "[53]

وليس غريباً أن يحرص بنو أمية على إرسال طلحة إلى الجنة. فحرب الجمل التي شارك في شنها ضد علي بن أبي طالب تجعله بنظرهم أهلاً للخلود في جنات النعيم.

سعد بن أبي وقاص

هو قرشيٌ من بني زهرة, ومن مسلمي الطبقة الأولى. آمن مبكراً في مكة وهاجر واشترك مع رسول الله(ص) في غزواته ومشاهده. وهناك رواياتٌ تتحدث عن شجاعته وإقدامه. وهو قال " نثلَ لي رسول الله(ص) كنانته يوم أحُد وقال : إرمِ فداكَ أبي وأمي "[54] . وأما يوم بدر فلا يكاد يوجد له ذكر باستثناء ما رواه ابن اسحق من أنه اشترك مع حمزة بن عبد المطلب في قتل نبيه بن الحجاج. وروَت السيدة عائشة أن رسول الله(ص) قال مرة في إحدى الليالي أثناء حصار غزوة الخندق " ليت رجلاً صالحاً يحرسني ", فجاء سعدٌ بعد قليل وهو مسلحٌ وحَرَسَه.[55]

ولكنه يشتهر أكثر شيء بقيادته معركة القادسية وفتح العراق في عهد عمر بن الخطاب. وذلك جعل له هالة وسمعة عالية.
ولكن تتبع مسار أحداث فتح العراق يشير إلى أن دوره في حرب القادسية كان "رسمياً" للغاية. فهو لم يشترك في فتح العراق قبل ذلك, وأرسله عمر بن الخطاب لقيادة الجيش قبل القادسية بقليل. وعندما حصلت المعركة لم يكن سعدٌ على رأس قيادة الجيش, بل أوكل تلك المهمة إلى خالد بن عرفطة , وبقي هو في قصرٍ يتابع أخبار القتال بحجة أن لديه مرضاً جلدياً ما.
ويبدو أن عُذرَ سعدٍ المُعلن لم يقنع حتى زوجته الجديدة, سلمى امرأة المثنى بن حارثة الشيباني, التي قارنت بين شجاعة وإقدام زوجها المتوفي, المثنى, في قتال الفرس, وبين موقف سعد, الجالس في القصر, فقالت له :
" وامثنّياه ! ولا مثنى للخيل.
فلطمَها.
فقالت : يا سعد : أغيرة وجُبناً ؟! "[56]
وقال أحد الشعراء[57] , يعرض بسعدٍ وموقفه, ومعبراً عن عدم اقتناع الناس بعذره :
ألم ترَ أن الله أنزلَ نصرَه                     وسعدٌ بباب القادسية معصمُ
فأبنا وقد آمت نساءٌ كثيرة                     ونسوة سعدٍ ليسَ فيهنّ آيمُ
فلما بلغ سعداً قال : اللهم اقطع عني يده ولسانه"

وبما أن الخليفة عمر, كانت تهمه النتائج, فقد كافأ سعداً , بصفته القائد العام, على نصر القادسية. فعينه والياً على الكوفة.
ولكن لا يبدو أن سعداً كان ناجحاً جداً في التعامل مع الرعية. وذكر البلاذري أن أهل الكوفة بعثوا إلى عمر بن الخطاب يشتكون سعداً ويتهمونه بأمور عديدة منها أنه " لا يحسن الصلاة" مما أثار غضبَ سعدٍ الشديد, وأن عمرَ أرسلَ مَن يستقصي عن ذلك في العراق, وأن أحد بني عبس قال لمندوب عمر عن سعد " أما إذا سألتمونا عنه, فإنه كان لا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية" ولكن الأغلبية في الكوفة ذكرت سعداً بخير, ورغم ذلك فقد عزله عمر بن الخطاب عن الإمارة.[58]
وفي رواية ابن حجر " بلغ عمرَ بن الخطاب أن سعد بن أبي وقاص اتخذ قصراً وجعلَ عليه باباً, وقال انقطع الصوت. فأرسل محمد بن مسلمة, وكان عمر إذا أحب أن يؤتى بالأمر كما يريد بعثه, فقال له : ائتِ سعداً فأحرق عليه بابه.
فقدم الكوفة, فلما وصل إلى الباب أخرج زنده فاستورى ناراً ثم أحرق الباب"[59]

ويبدو أن عمر بن الخطاب أعاده إلى منصب إمارة الكوفة فيما بعد, إثر عزل المغيرة بن شعبة بسبب حادثة الزنا. وقد وردت في تاريخ الطبري قصة عزل سعد بن أبي وقاص من قبل عثمان بن عفان هذه المرة, عن ولاية الكوفة سنة 26 هجرية . وهذه القصة توضح أنه كانت هناك مخالفات مالية فاضحة ارتكبها سعد ولم يرضَ أن يسكتَ عنها خازن بيت المال الذي كان وقتها عبد الله بن مسعود. وتتلخّص القصة في أن سعداً قد استقرض مبلغاً من المال من بيت مال المسلمين ولم يؤدّه . ولما طالبه ابن مسعود بالسداد رفضَ وشتمه بقبيح القول الذي يطفح استعلاءً وعنصرية:
 " فأتى ابنُ مسعود سعداً فقال له : أدّ المالَ الذي قِبلكَ ! فقال له سعد : ما أراكَ إلاّ ستلقى شراً ! هل أنت إلاّ ابن مسعود ,عبدٌ من هذيل ؟! "[60]
 وهذه الحادثة أدّت بعثمان إلى عزل سعد. وكان الذي ولاّه مكانه هو الوليد بن عقبة!
واللافت في هذه الرواية أن ابن مسعود لم يرتكب ذنباً يستحق بسببه هذا الشتم العنصري والقبيح من شخصٍ "مبشّرٍ بالجنة " كسعد .

ويبدو أن نفسية سعدٍ المتكبرة كانت صفة ملازمة له من أيام الرسول (ص), وتظهر أساساً تجاه الضعفاء من الناس , فكان يرى نفسَه فوقهم! وقد جاء في صحيح البخاري "رأى سعدٌ رضي الله عنه أن له فضلاً على مَن دونه. فقال النبي(ص) : هل تنصَرون وترزقون إلاّ بضعفائكم ؟! " [61] 

وكذلك روى الذهبي ما يدلّ على نفسية سعد المتكبرة تجاه سلمان الفارسي:
  " كان بين سعد بن أبي وقاص وبين سلمان شيء .
فقال : انتسِب يا سلمان!
 قال : ما أعرف لي أباً في الإسلام, ولكني سلمان بن الإسلام"[62]
 وهنا أيضا يُظهر سعدٌ خلقاً غيرَ إسلاميّ البتة. فهو يلجأ إلى حميّة الجاهلية التي حاربها الله ورسوله لكي يُعيّر المؤمنَ البارز , سلمان الفارسي, بأنه لا نسَبَ له بين العرب! وكان من المستهجن أن يصدر هكذا سلوك عنصري , علانية, من صحابيّ من الطبقة الأولى. حتى أن الذهبي يروي بأن عمر بن الخطاب لما علم بالحادثة وبّخ سعداً وكان همّ بأن يعاقبه[63]. وجواب سلمان الفارسي لسعدٍ كان بمثابة صفعة له , بتذكيره أن أيام الجاهلية قد ولّت وأن الفضل في الإسلام هو الآن المعيار.
 
وكغيره من كبار الصحابة , أصاب من الثراء نصيباً وافراً وخاصة في أواخر حياته, وإن كان أقل من البقية. قال عنه الذهبي[64] " إن تركته كانت مائتي ألف درهم وخمسين ألف درهم. وكان قد اعتزلَ في قصرٍ بناه  بالعقيق سنة خمس وخمسين, وحمل فدفن  بالبقيع"

ورغم أن سعداً هو من أبرز رموز تيار الاعتزال في فترة الصراع بين علي ومعاوية, وبالتالي لم ينضم مباشرة إلى جبهة معاوية, إلاّ أنه كانت لسعدٍ مكانة ممتازة في قلب معاوية الذي كان ولا شك يرضى بأن يظهر أمام عامة المسلمين في موضع المكافئ , أخلاقياً, لعليّ. وبعد أن قتل عليّ وانفرد معاوية بالحكم, بايَعَه سعدٌ كأمير للمؤمنين. ومن المؤكد أن ماكينة معاوية الدعائية استفادت من هذه الحقيقة الساطعة : إن سعداً رفض وبإصرار أن يبايع علياً, ولكنه قبل أن يبايع معاوية!

ومما يزيد في علو مكانة سعدٍ لدى بني أمية, أن ابنه, عمر بن سعد, كان قائداً للجيش الذي أرسله عبيد الله بن زياد لقتل حفيد النبي(ص) الحسين بن علي ومعه بقية العائلة الهاشمية في زمن يزيد بن معاوية. ونفذ عمر بن سعد بن أبي وقاص المهمة بتفانٍ وإخلاص , وعاد لأسياده برأس الحسين والسبايا من حفيدات النبي(ص).

ولذلك كله , يستحق سعدٌ الذهاب إلى الجنة بنظر الحكام الأمويين.

الزبير بن العوام

هو من بطن أسد بن عبد العزى من قريش. وهو يمتّ بصلة القرابة إلى الرسول(ص) من جهة الأم. فهو ابن صفية بنت عبد المطلب بن هاشم, وهو بالتالي ابن عَمّة النبي(ص).  وهو من المؤمنين المهاجرين الأولين.
 عُرف عن الزبير شجاعته وفروسيته. وكان له بلاءٌ حسَن في معارك الإسلام الأولى. ومنها معركة بدر التي روى ابن اسحق أن الزبير قتل خلالها اثنين من المشركين.
والبخاري ذكر أن الرسول(ص) قد جمع للزبير أبويه يوم غزوة الخندق " .... كان رسول الله(ص) قال : مَن يأتِ بني قريظة فيأتيني بخبرهم؟ فانطلقتُ , فلما رجعتُ جمعَ لي رسول الله(ص) أبويه فقال : فداكَ أبي وأمّي" [65]
كما أن الزبير شارك بفعالية في حملة فتح مصر  بقيادة عمرو بن العاص , وأظهر خلالها شجاعة وتميّزاً أثناء حصار الجيش لحصن إليون الرومي, حين اقتحم السورَ فتبعه الناس.[66]  

ولكن أحواله تغيرت بالتدريج فيما بعد. وتجلّت مظاهر التحول في شخصية الزبير في عهد عثمان حين انهمرت عليه الثروات الهائلة. فأصبح الزبير رأسمالياً كبيراً وتملّكَ ثروة ضخمة . وقد جاء في صحيح البخاري تفاصيل ثروة الزبير التي أورثها بعد مقتله, وهي تحتوي على غابة كان الزبير قد اشتراها  بسبعين ومائة ألف وباعها ابنه عبد الله بألف ألف وستمائة ألف, بالإضافة إلى إحدى عشرة داراً بالمدينة ودارين بالبصرة وداراً بالكوفة وداراً بمصر وأنه ".. كان للزبير أربع نسوة , ورُفع الثلث, فأصاب كل امراة ألف ألف ومائتا ألف, فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف"[67]

وأما بشأن عدائه لعليّ بن أبي طالب, فإنه كان لاحقاً لعهد الرسول(ص). وترجع بداياته إلى قرار عمر بن الخطاب بإدراج اسم الزبير بين المرشحين للخلافة من بعده. فأصبح يرى نفسه ندّا لعليّ ومنافساً له وتمادى إلى أن انتهى في حرب الجمل. ويروى أنه كان لابنه عبد الله بن الزبير دورٌ مهم في إقناعه باتخاذ موقفٍ عدائيّ لعليّ وبني هاشم.

وطبعاً كانت مشاركته في حرب الجمل ضد علي بن أبي طالب هي الأساس الذي رشحه ليكون عضواً في قائمة الذاهبين للجنة.


أبو عبيدة بن الجراح

هو قرشيٌ من بني الحارث بن فهر, وهو أيضاً من مسلمي الطبقة الأولى. آمن مبكراً في مكة وهاجر واشترك مع رسول الله(ص) في غزواته ومشاهده. وروى ابن الأثير في أسد الغابة أنه كان لأبي عبيدة موقفٌ مميز في معركة بدر, حين بَرَز له أبوه المشرك عدة مرات وهو يتجنبه, إلى أن تصدّى له وقتله أخيراً. ولكن ابن الأثير[68] أضاف بأن الواقدي قد أنكر هذه الرواية وأكد أن والد أبي عبيدة كان قد مات قبل يوم بدر بفترة طويلة. وكذلك روى ابن الأثير أن أبا عبيدة بن الجراح قام بانتزاع الحلقتين المعدنيتين التين دخلتا وجه رسول الله(ص) يوم أحُد بأسنانه حتى سقطت ثنيتاه فأصبح أهتماً, ولكن الواقدي نفى ذلك الخبر أيضاً[69]
وأهم موقف مؤكدٍ لأبي عبيدة حصل يوم قدِم وفد نصارى نجران وطلبوا من الرسول(ص) بعد جدال طويل أن يرسل معهم رجلاً أميناً من أصحابه ليُشرف على قبض الصدقات وتحصيلها منهم, فأرسل النبي(ص) معهم أبا عبيدة وقال عنه إنه " أمين هذه الأمة "[70].

 ولكن أبا عبيدة اشتهر كثيراً عندما عينه عمر بن الخطاب قائداً أعلى للجيوش التي تولت فتوح الشام بعد أن عزل خالد بن الوليد. وهو يستحق تقديراً عالياً على أدائه المتميز, وتواضعه والزهد الذي أظهره في معيشته. ويروى أن أبا عبيدة, من شدة إيمانه بقضاء الله وقدره رفضَ طلب عمر منه بمغادرة الشام بعد أن بدأ يظهر فيها وباء الطاعون. وقرر البقاء في أرض الجهاد, فكانت النتيجة أن أصيب بالعدوى وتوفي في طاعون عمواس. وكان عمر يحبه كثيراً ولو طال به البقاء لكان من المؤكد أن عمر سيستخلفه من بعده.

وكان أبو عبيدة هو العنصر القيادي الثالث في زعامة المهاجرين القرشيين, بعد عمر وأبي بكر. وهؤلاء كانوا ثلاثياً متكاملاً. وهو كان معهما في اجتماع السقيفة الحاسم وشارك في الجدال الذي جرى مع الأنصار إلى أن بويع أبو بكر. وهو أيضاً ساهم معهما في عزل علي بن أبي طالب وبني هاشم وإخراج الأمر منهم. ولعله لهذا السبب بالذات لم يرَ بنو أمية بأساً في وجوده ضمن قائمة المبشرين بالجنة.

سعيد بن زيد

وأما سعيد بن زيد  فهو خلال مدّة دعوة الرسول(ص) في 23 سنة , لم تؤثر عنه أيّة مواقف لافتة. وقد أورد ابن الأثير ترجمته في أسد الغابة[71] : فهو ابن عم عمر بن الخطاب وكان من السابقين إلى الإسلام وزوجته هي فاطمة بنت الخطاب أخت عمر, التي يُروى أن لها دوراً بارزاً في إسلام أخيها في السنة السادسة للبعثة. وهو لم يشهد بدراً لأنه كان غائباً في الشام, وآخى الرسول (ص) بينه وبين أبيّ بن كعب.
وهو الذي يروي الحديث الذي يُعدد أسماء مَن سيذهبون إلى الجنة , والذي هو أحدهم ( مرة هم تسعة , وأخرى هم عشرة). وهو قد عَمّر طويلاً حتى توفّي في عام 51 للهجرة, وقيل عام 58,( مما يدل أنه كان يافعاً عندما أسلمَ بمكة). وذكر ابن الأثير أنه كان مجابَ الدعوة بدليل الحادثة التي وقعت أيام كان مروان بن الحكم والياً على المدينة من قبل معاوية, عندما اشتكت امرأة تدعى أروى بنت أويس على سعيد بن زيد واتهمته بأنه اغتصب أرضها. فأنكر سعيد بن زيد ذلك, ودعا عليها  بأن لا تموت حتى يعمى بصرها, وفعلاً تحقق ذلك وعميت المرأة في أواخر عمرها[72].
وذكر أنه شهد اليرموك وحصار دمشق وأنه مات في المدينة وغسله ابن عمر أو سعد بن أبي وقاص.

هذا كل ما ذكر عن هذا المبشر بالجنة في أسد الغابة. كما أنه ليس له ذكرٌ في كتاب فضائل الصحابة في صحيح مسلم. أي أن هذا الرجل, وخلال 23 عاما من دعوة الرسول, و 40 عاما عاشها بعد وفاة الرسول(ص), بكلّ ما فيها من أحداثٍ جسام غيّرت مجرى تاريخ المسلمين إلى الأبد , لم يجد لنفسه الفرصة في أي موقفٍ من المواقف المهمة والحاسمة, وهي كثيرة جداً,  ليظهر فيه خصاله وتميّزه !

ومن المثير للإهتمام أن عمر بن الخطاب لم يضعه ضمن شورى الستة الذين قال إن رسول الله(ص) قد مات وهو عنهم راضٍ! وربما يكون السبب هو أن عمر لم يُرد إدخال أقربائه من أمثال سعيد ضمن المرشحين. ولكن هذا لا يستقيم لأن عمر ليس من حقه استثناؤه ما دام ينال رضى الله ورسوله ومبشراً بالجنة.

وأما ما ورد في شأن سعيد بن زيد في صحيح ابن حبان فهو محصورٌ فقط في حديث العشرة (أو التسعة!) المبشرين بالجنة المذكور أعلاه, والذي قاله سعيد رداً على المغيرة بن شعبة حين شتمَ عليّ بن أبي طالب على المنبر. ويبدو أن سعيداً لم يُطِق أن تصِلَ الأمور إلى هذه الدرجة من الانحدار بحيث أن رجلاً على شاكلة المغيرة يَقعُ في عليّ بن أبي طالب عَلناً دون رادع, فأرادَ أن يذكّره بضرورة أن لا يتجاوز حدوده كثيراً , فساقَ هذا الحديث الذي أدخل فيه كل مَن كان له علاقة بالخلافة وشؤونها. وكأنه يريد تأكيد الحدّ المعنويّ الفاصل بين "الصحابة" وغيرهم, والذي استباحه المغيرة بدون حياء!

وليس هناك الكثير من المعلومات حول دور سعيد بن زيد ومواقفه أثناء الصراع بين عليّ ومعاوية, ولا عن علاقته ببني أمية .

ويمكن القول أن ورود اسمه ضمن قائمة العشرة المبشرين كان لأنه هو راوي ذلك الحديث.



 الهدف النهائي من إشاعة هذه المقولة

-         تبرير الاستئثار القرشي بالحكم عن طريق إظهار أن أفضلَ الناس , وأصحابَ أعظم الفضل, هم كلهم قرشيون حصراً.
-         محاولة تخفيض منزلة الإمام عليّ عن طريق مساواته مع هؤلاء التسعة, وبالتالي تمييع مناقبه وفضائله التي لا نظيرَ لها. فهو يصبح واحداً من عشرة من الفضلاء ( وترتيبه الرابع ! ).
-         منح الحصانة لخصوم عليّ الذين عادوه وحاربوه. فبهذا " الحديث" يكون مصيرهم كلهم في الجنة, مضموناً, ويصبح بالتالي من غير اللائق مساءلتهم عن أفعالهم.





[1] سنن الترمذي, باب مناقب عبد الرحمن بن عوف ج5 ص311.
[2] سنن ابن ماجه ج1 ص48
[3] صحيح ابن حبان ج15 ص454. وروى مثله الإمام أحمد في مسنده ج1 ص188
[4] السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص 185
[5] السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص 184 – 189. وذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى ج4 ص96 رواية تقول إن خالد بن سعيد بن العاص كان الخامس في إسلامه بعد عليّ وأبي بكر وزيد وسعد.
[6]السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص256. وجاء في أسباب النزول للواحدي ص160 أن عمر بن الخطاب أسلم بعد 39 رجلاً. وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء أن عمر بن الخطاب كان ترتيبه 52 في مَن سبقوا للإيمان بالنبي(ص). وقال ابن شبة قي تاريخ المدينة المنورة ج2 ص660 أن عمر أسلم بعد 45 رجلاً و 11 امرأة وأنه أسلم في السنة السادسة للبعثة.
[7] صحيح مسلم ص930
[8] صحيح البخاري باب فضل الطهور بالليل والنهار ج2 ص67 . وكذلك صحيح مسلم ص931
[9] صحيح مسلم ص935
[10] صحيح مسلم ص935
[11] صحيح مسلم ص940
[12]  سنن الترمذي ج 5 ص336 باب مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه .
[13] صحيح مسلم ص934
[14] صحيح مسلم ص922
[15] صحيح مسلم ص946
[16] صحيح مسلم ص921
[17] صحيح مسلم ص933
[18] صحيح البخاري باب مناقب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ج5 ص34
[19] تذكرة الحفاظ للذهبي ج1 ص16
[20] صحيح مسلم ص736
[21] صحيح البخاري ج4ص24 .
[22] الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص338
[23] صحيح البخاري باب في التعبير ج9 ص49-50. وكذلك باب فضل العلم ج1 ص31
[24] صحيح البخاري كتاب بدء الخلق ج4 ص212
[25] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج13 ص219
[26] مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص28. وقد روى ابن هشام في السيرة النبوية ج1 ص236 والمباركفوري في سيرة رسول الله(ص) الرحيق المختوم ص97 أن عمر بن الخطاب كان يساهم مع القرشيين في تعذيب المستضعفين من المسلمين في مكة , ومنهم جارية لبني مؤمل كان يضربها لتترك الإسلام , فلا يتركها إلا من الملل.
[27] صحيح البخاري كتاب العلم ج1 ص33
[28] فقد ورد في صحيح البخاري ج5 ص 197 باب قول الله تعالى : ويوم حنين إذ أعجبتكم عن أبي قتادة في وصفه للمعركة " ... وانهزم المسلمون وانهزمت معهم, فإذا بعمر بن الخطاب في الناس. فقلت له : ما شأن الناس ؟ قال : أمر الله..."
[29] روى الحاكم في المستدرك على الصحيحين ج3 ص38 أن عمر رجع من حملته " يجبّنُ أصحابَه ويجبنونه"
[30] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج12 ص178
[31] تاريخ الخلفاء للسيوطي ص140-141
[32] مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص65 . ومثل ذلك روى الكاندهلوي في حياة الصحابة ج3 ص588 نقلاً عن الطبراني.
[33] ولا يبدو أن العلاقة بين عثمان وأم كلثوم ابنة الرسول(ص) كانت وثيقة أو حميمة. فقد روى ابن كثير في السيرة النبوية ج4 ص74 أنه عندما توفيت أم كلثوم وهمّ الرسول(ص) بإدخالها في قبرها, استثنى عثمان من ذلك لأنه كان قد ضاجعَ جارية أو زوجة أخرى له ليلة وفاتها!
" وثبت في الحديث أيضا أنه عليه السلام لما صلّى عليها وأراد دفنها قال : لا يدخله أحدٌ قارفَ الليلة أهله.
فامتنع زرجها عثمان لذلك. ودفنها أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه"
[34] روى الإمام أحمد في مسنده ( ج1 ص59) أن عثمان قال أنه ابتاع بيتاً من ماله ووسّعَ به المسجد وأنه جهز من ماله نصف الجيش يوم العسرة وأنه ابتاع من ماله بئر رومة وجعلها للسبيل. وقريب من ذلك ورد في سنن الدارقطني ج4 ص122.
[35] صحيح البخاري باب قول الله تعالى إن الذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلّهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم ج5 ص 126
[36] يمكن مراجعة تاريخ الطبري ج2 ص203 بشأن تفاصيل الفرار المعيب يوم أحد.  ومن المفيد مقارنة موقف عثمان ذاك وفراره من الميدان مع موقف سعد بن الربيع الأنصاري الذي قاتل ببسالة حتى إنه كان يقول للمسلمين وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة " لا عذر لكم عند الله أن يُخلص إلى نبيكم ومنكم عين تطرف" كما روى ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج14 ص277 نقلا عن ابن اسحاق.
[37] المزيد من هذه الأحاديث المختلقة في فضائل لعثمان توجد في موضع اخر من هذا الكتاب.
[38] صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة ص 913
[39] ولم تذهب هند بنت عتبة لتبايع النبي(ص) بعد فتح مكة إلاّ بمعية عثمان بن عفان وحمايته! روى ذلك ابن عساكر في تاريخ دمشق ج70 ص177.  وكذلك ابن الأثير في أسد الغابة ج5 ص562. وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى ج2 ص136 أن هند بنت عتبة كانت من ضمن المجموعة التي امر رسول الله(ص) بقتلهم يوم الفتح.
[40] سنن النسائي ج7 ص106  . وكذلك ورد في سنن أبي داود ج1 ص127 باب قتل الأسير لا يعرض عليه الإسلام. وكذلك روى ابن عساكر في تاريخ دمشق ج29 ص32. والجزء الأول من الرواية ورد في المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري ج2 ص54.
[41] كتاب المغازي للواقدي ج1 ص333. وقريبٌ من ذلك ورد في السيرة النبوية لابن هشام ج 3 ص 96. وذكر المقريزي في النزاع والتخاصم ص60, في معرض روايته للخبر أن معاوية هذا كان قد جَدَعَ أنفَ حمزة بن عبد المطلب ومثل بجسده. وأشار ابن الأثير في أسد الغابة ج5 ص562 إلى أن معاوية هذا قد شارك في التمثيل بجسد حمزة.
[42] تاريخ الطبري ج3 ص429
[43] الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص58
[44] عقيدة أهل السنة والجماعة, لابن عثيمين, ص21.
[45] ذكر ابن تيمية في مختصر منهاج السنة ج1 ص59 "قال غير واحد من السلف والأئمة كأيوب السختياني وأحمد بن حنبل والدارقطني وغيرهم: مَن قدّمَ علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار. وهذا من الأدلة الدالة على أن عثمان أفضل, لأنهم قدّموه باختيارهم، واشتوارهم "
[46] سير أعلام النبلاء للذهبي ج1 ص91
[47] الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص278
[48] أسد الغابة لابن الأثير ج3 ص315-317. وكذلك روى ابن سعد في الطبقات الكبرى ج3 ص136. وروى أحمد بن حنبل في مسنده ( ج6 ص290) أن عبد الرحمن قال لأم سلمة " قد خفتُ أن يهلكني كثرة مالي. أنا أكثر قريش مالاً"
[49] المزيد عن دور عبد الرحمن يوم بدر في موضع اخر من هذا الكتاب. وكذلك عن دوره في تولية عثمان .
[50] سورة الأحزاب آية 53
[51] تفسير ابن كثير ج3 ص513
[52] زاد المسير لابن الجوزي ج6 ص 213. وكذلك ورد في الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص201 أن هذه الآية نزلت في طلحة بن عبيد الله لأنه قال : إذا توفّي رسول الله تزوجت عائشة.
[53] سير أعلام النبلاء للذهبي ج1 ص33 . والوافي : درهم وأربعة دوانق. وكذلك روى ابن عساكر في تاريخ دمشق ج25 ص102. وروى ابن سعد في الطبقات الكبرى ج3 ص221 مثل ذلك.
ومن المثير فعلاً مقارنة ما تركه طلحة من أموال, مع ما تركه صحابيٌ كبير آخر من ذوي الأصل المتواضع . فقد روى ابن عساكر في ج21 ص451 من تاريخ دمشق أن تركة سلمان الفارسي لدى وفاته لم تزد على ثلاثين درهماً !
[54] البداية والنهاية لابن كثير ج4 ص30
[55] كتاب المغازي للواقدي ج2 ص463
[56] فتوح البلدان للبلاذري ج2 ص316
[57] سير أعلام النبلاء للذهبي ج1 ص115
[58] فتوح البلدان للبلاذري ج2 ص 341. وأيضاً تاريخ بغداد للخطيب ج1 ص155.  وكذلك روى البخاري في صحيحه ج1 ص192 أن أهل الكوفة قد شكوا إلى عمر بن الخطاب " أنه لا يحسن يصلي ".
[59] الاصابة لابن حجر ج 6 ص29. ومثل ذلك ورد في كنز العمال للمتقي الهندي ج5 ص768
[60] تاريخ الطبري ج3 ص 311 
[61] صحيح البخاري ج4 ص 24 باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب
[62] سير أعلام النبلاء للذهبي ج1 ص544 
[63] وفي رواية ابن عساكر لهذه الحادثة في تاريخ دمشق ج21 ص 425 أن عمر بن الخطاب قال لسعد في معرض تقريعه " وأنا عمر بن الإسلام أخو سلمان بن الإسلام! أما والله لولا شيئ لعاقبتك عقوبة يسمع بها أهل الأمصار".
[64] تذكرة الحفاظ للذهبي ج1 ص23
[65] صحيح البخاري باب مناقب الزبير بن العوام ج5 ص27. هذا مع ملاحظة أنه قيل أن رسول الله(ص) لم يجمع أبويه سوى لسعد بن أبي وقاص يوم أحد! فمن الواضح أن هناك محاولات حثيثة لإثبات فضائل معينة. ولكن هناك تخبط في نسبتها, فهي تارة للزبير وتارة لسعد!
[66] تاريخ خليفة بن خياط ص100
[67] صحيح البخاري ج4 ص106
[68] أسد الغابة لابن الأثير ج3 ص85
[69] كتاب المغازي للواقدي ج1 ص247 وقال فيه أن الأثبت هو أن الذي نَزَع الحلقتين من وجه رسول الله(ص) كان عقبة بن وهب بن كلدة , وليس أبو عبيدة.
[70] صحيح مسلم ص919 باب فضائل أبي عبيدة بن الجراح. وأيضاً سنن الترمذي ج5 ص316.
[71] أسد الغابة لابن الأثير ج2. ويمكن أيضاً مراجعة الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص383-385
[72] وقد روى البخاري في التاريخ الصغير ج1 ص138 حادثة هذه المرأة التي اشتكت على سعيد.