هناك ملاحظة ملفتة للنظر
حقاً تتعلق بخطب الجمعة التي كان يلقيها النبي (ص) في مسجده بالمدينة المنورة.
فالمعلوم أن النبي (ص) امضى آخر 10 سنين من حياته في المدينة المنورة حصلت خلالها
جميع الاحداث المفصلية , الكثيرة والمتتالية, والتي أدت الى نجاحه في النهاية
ببناء دولة الاسلام. والسنة الهجرية الواحدة بها 51 اسبوعاً , وهذا يعني أنه كان
هناك ما يفوق الـ 500 خطبة جمعة ألقاها النبي (ص) على مسامع عموم الصحابة
المسلمين.
فأين هي تلك الخطب ؟ هذا
السؤال الغريب ينبع من حقيقة أغرب : لا يوجد في كتب الحديث المعتبرة نصوص خطب
الجمعة التي كان يلقيها النبي (ص) في مسجده , اسبوعاً تلو الاخر على مدى عشر
سنوات. ولا حتى خطبة واحدة !
لو تحدثنا بدقة أكبر : لا في
صحيح البخاري او مسلم , ولا في سنن النسائي او ابي داوود او الترمذي , ولا في مسند
احمد بن حنبل (وهي الكتب الستة المعتمدة عند اهل السنة والجماعة) نجد نصاً مكتملاً
لخطبة جمعة القاها النبي (ص) في المدينة! انها حقيقة غريبة جدا تبعث على التفكير
والتأمل . فأين ذهبت خطب الجمعة ؟ هل لم يهتم بها الصحابة ؟ هذا مستحيل . هل فقدت
؟ هل ضاعت ؟ هل يمكن ان يحدث ذلك , وكيف ؟!
لقد روت لنا كتب الحديث أدق
تفاصيل حياة النبي (ص) وكلامه , وحتى لفتاته وايماءاته , فكيف تفوتها خطبٌ كاملة
من المتوقع ان تكون مليئة بالوعظ النبوي والكلام عن شتى الاحداث التي كانت تحصل
بزخمٍ شديد ؟ حين يتكلم النبي (ص) أمام جمع غفير من الصحابة وعموم المسلمين فكيف
لا تصلنا خطبته من خلال بعضهم على الاقل ؟ لقد وصلتنا احاديث كثيرة جدا عن عدد أقل
بكثير من الصحابة , واحيانا أحاديث آحاد , فمن باب اولى ان يكون للكلام النبوي
الذي قيل على الملأ (خطب الجمعة) سبيلاً أيسر للوصول الينا نظراً لكثرة عدد الشهود
والسامعين.
ما قلناه لا يعني أن لا ذكر
لخطب النبي (ص) في مصادر الحديث المعتبرة. كلا. بل توجد الكثير من الاشارات الى
خطب النبي (ص) في المصادر . ولكن هناك ثلاث ملاحظات بشأنها :
اولا : عددها قليل . فكما
ذكرنا هناك اكثر من 500 خطبة جمعة القيت في المدينة المنورة , وهذا عدد كبير , ومن
المتوقع ان يكون ذكر تلك الخطب كثيراً ومتكررا , لا نادراً ومتفرقاً.
ثانيا : انها لا تتعلق بخطبة
يوم الجمعة خاصة. بل اغلبها يشير الى خطبة للنبي(ص) دون تحديد إن كان يوم جمعةٍ أم
غيره. مما يعني انها قد تكون مناسبة أخرى استدعت من النبي (ص) أن يجمع المسلمين ويخطب
بهم , غير صلاة الجمعة.
ثالثاً : انها غير مكتملة.
فلا توجد نصوص لخطبة مكتملة الاركان . بل اغلبها أجزاء قصيرة , او مقتطفات , أو
تلخيصاً , أو تكون وصفاً لحالة الخطبة دون محتواها.
وفيما يلي أبرز ما هو موجود
في كتب الحديث المعتبرة , مما يمكن القول انه " خطب " لرسول الله :
في صحيح مسلم , عن الصحابي
عمرو بن أخطب قال :
" صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْفَجْرَ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتْ الظُّهْرُ،
فَنَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتْ
الْعَصْرُ ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى
غَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِن،ٌ
فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا [1]"
وطبعا لا يمكن اعتبار هذا
النص " خطبة جمعة " لرسول الله , بل هو إخبارٌ عنه بأنه كان يخطب فيهم
بشكل متكرر في ذلك اليوم صباحا وظهرا وعصرا ومغرباً . أما نص خطبه فغير مذكور.
و في صحيح مسلم ايضا :
عَنْ
عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ، قَالَ: "خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ النَّاقَةَ، وَذَكَرَ الَّذِي عَقَرَهَا، فَقَالَ:
إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا: انْبَعَثَ بِهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ مَنِيعٌ فِي
رَهْطِهِ، مِثْلُ أَبِي زَمْعَة .
ثُمَّ ذَكَرَ
النِّسَاءَ فَوَعَظَ فِيهِنَّ، ثُمَّ قَالَ: «إِلَامَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ
امْرَأَتَهُ؟» فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: «جَلْدَ الْأَمَةِ» وَفِي رِوَايَةِ
أَبِي كُرَيْبٍ: «جَلْدَ الْعَبْدِ» وَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ.
ثُمَّ وَعَظَهُمْ فِي ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ فَقَالَ: «إِلَامَ يَضْحَكُ
أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ؟» "
و هذا الحديث يكاد يكون أقرب
ما يكون الى خطبة جمعة ( رغم انه لم يصرح بذكر الجمعة) لكنها مختصرة بإيجازٍ شديد
وملخصة بكلمات قليلة و لكن رغم ذلك يمكن الاستنتاج ان خطبة النبي (ص) هذه تناولت
ثلاثة مواضيع :
تفسير القرآن : الناقة ,
وانبعث اشقاها
فقه النساء : ثم ذكر النساء
فوعظ فيهنّ
العادات الصحية للناس :
ضحكهم من الضرطة.
ولكن لم يتم اخراج الحديث
بتمامه كما رواه النبي (ص) بل تم اختصاره وايجازه على ذلك النحو المخل (وليس
معروفاً لماذا).
واما الخطبة الوحيدة التامة
التي اوردتها مصادر الحديث فهي ما تعرف بخطبة الوداع . وفيما يلي نصها نقلا عن صحيح
مسلم برواية الصحابي جابر بن عبد الله:
"إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ ، كَحُرْمَةِ
يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا .
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ
مَوْضُوعٌ ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ
مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي
بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ .
وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا
رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ.
فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ ،
فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ
بِكَلِمَةِ اللهِ ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا
تَكْرَهُونَهُ ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ
، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ.
وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ
تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ ، كِتَابُ اللهِ .
وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي ،
فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ
وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ ، فَقَالَ : بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ ، يَرْفَعُهَا
إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ ، اللهُمَّ اشْهَدْ ، اللهُمَّ
اشْهَدْ ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ".
هذا فيما يتعلق بمصادر
الحديث المعتبرة من كتب الصحاح والسنن. وأما في غيرها من كتب السيرة والتاريخ ,
فتوجد خطبة مشهورة للنبي (ص) عند اول وصوله للمدينة , فيما يلي نصها من تاريخ
الطبري :
"الحمد لله، أحمده،
وأستعينه ، وأستغفره، وأستهديه، وأؤمن به، ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله ، أرسله بالهدى، ودين
الحق والنور والموعظة على فترة من الرسل ، وقلة من العلم ، وضلالة من الناس ،
وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة ، وقرب من الأجل ، من يطع الله ورسوله فقد رشد
، ومن يعصهما فقد غوى وفرط، وضل ضلالاً بعيداً.
وأوصيكم بتقوى
الله ، فإنه خير ما أوصى به المسلمُ المسلمَ : أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره
بتقوى الله ، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه ، ولا أفضل من ذلك نصيحة ، ولا أفضل
من ذلك ذكرى ، وإن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه ، عون صدق على ما
تبغون من أمر الآخرة ، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمر السر والعلانية ، لا
ينوي بذلك إلا وجه الله، يكن له ذكراً في عاجل أمره ، وذخراً فيما بعد الموت ، حين
يفتقر المرء إلى ما قدم، وما كان من سوى ذلك يود: لو أن بينه وبينه أمداً بعيداً،
ويحذركم الله نفسه، والله رءوف بالعباد، والذي صدق قوله وأنجز وعده لا خُلْفَ
لذلك، فإنه يقول تعالى: (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ
لِلْعَبِيدِ).
واتقوا الله في
عاجل أمركم وآجله، في السر والعلانية، فإنه من يتق الله فقد فاز فوزاً عظيماً، وإن
تقوى الله توقي مقته، وتوقي عقوبته، وتوقي سخطه، وإن تقوى الله تبيض الوجه، وترضي
الرب، وترفع الدرجة.
خذوا بحظكم ولا
تفرطوا في جنب الله، قد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله، ليعلم الذين صدقوا
وليعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حق
جهاده، هو اجتباكم وسماكم المسلمين؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحي من حي عن بينة،
ولا قوة إلا بالله، فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت، فإنه من أصلح ما
بينه وبين الله، يكفه ما بينه وبين الناس، وذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون
عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
ورغم ان هذه الخطبة تبدو
مكتملة الاركان كخطبة جمعةٍ نموذجية , إلا أن نصها وطريقة صياغتها تلقي ظلاً من
الشك على أصالة الخطبة ونسبتها للنبي (ص) , وخصوصاً الفقرة الاولى التي يبدو فيها
النبيّ وهو يتحدث عن نفسه بصيغة الغائب. وكذلك قوله (اوصيكم بتقوى الله فإنه خير
ما اوصى المسلمُ المسلمَ ) الذي لا يبدو ككلامٍ من رسولٍ معلمٍ لأتباعه والمؤمنين
به ,بل من مسلمٍ لنظرائه من المسلمين. وأخيراً عبارة ( الذي صدق قوله وأنجز وعده )
التي لا شك جاءت وانتشرت في وقت لاحق , بعد نجاح الاسلام وعند فتح مكة وبعدها.
وعلى كل حال فإن أهل الحديث لم يقبلوها ولم يعتمدوها , فلا توجد في المصادر
المعتبرة.
فالحقيقة التي يجب الاعتراف
بها والاتفاق عليها هي : عدم وجود نصوص مكتملة لخطب صلاة الجمعة في كتب الحديث
المعتبرة في الاسلام.
محاولات للتفسير والتبرير
هذه الحقيقة , غياب نصوص
خطبة الجمعة في مصادر الحديث المعتبرة , سببت حيرة وازعاجاً لدى الكثيرين من أصحاب
فكرة ان كل ما وردنا من سلفنا " الصالح " هو غاية الكمال في الدين .
أناسٌ كثيرون يعتبرون هذا الامر " تشكيكاً " في الدين و"طعناً
" في جهابذة علم الحديث الذين نقلوا لنا اعداداً كبيرة جدا من الاحاديث التي
تتعلق بكل تفاصيل حياة النبي (ص) ومراحل دعوته , فكيف لم يذكروا خطب الجمعة ؟
لماذا لم يدوّن البخاري في صحيحه نصوص خطب الجمعة نقلاً على الصحابة الكثيرين
الذين شهدوها وسمعوها ؟
ومن يبحث اليوم عبر شبكة
الانترنت سيجد عددا كبيراً من المواقع السلفية التي تتحدث عن هذا الامر و ترد على
هذه "الشبهة " ! وخلاصة الردود الموجودة في تلك المواقع السلفية هي كما
يلي :
-
ان الصحابة الذين شهدوا الاحداث من النبي (ص) ليس بالضرورة ان يحفظوا كل
شيء عنه ,اي "ان الذي يركز في الذهن هو جزء محدود من مشهد طويل. فقد يحضر الصحابي معركة
ما، ويقاسي فيها صعابا عديدة، ويعاني أيضا مشاهد جليلة، لكن الذي ينطبع في ذهنه
منها مما يراه مؤسسا لفائدة مهمة للنشر جزء معين منها، ولقطات خاصة من تلك الأيام
الطويلة للمعركة ، فيقتصر على تلك الرواية التي توحي لنا ببقية الأحداث ، وتركز
تلقينا على جزء خاص، يتناوله العلماء بعد ذلك بالدرس والتحليل" كما يقول احد تلك المواقع[2].
-
وبالتالي
"ومن
هنا يتبين أن المطالبة بالوقوف على جميع خطب النبي صلى الله عليه وسلم بالرقم
والتاريخ، من حين صعوده وحتى نزوله عن المنبر، هي مطالبة متكلفة متعنتة"
-
ثم يتابع
الموقع السلفي" وقد نقل الصحابة الكرام لنا الكثير جدا من خطب النبي صلى الله عليه وسلم،
سواء خطب الجمعة أم الأعياد أم خطب المواقف الجليلة، كلها امتلأت بها كتب السنة
ومصادر الحديث على تنوعها وتعددها، منها الروايات المختصرة، ومنها الروايات
المطولة".
وبما ان هذا الكلام غير دقيق
, وخصوصاً بما يتعلق بخطب الجمعة فقد لجأ المؤلف السلفي الى اسلوب " الإبهار
" عن طريق اجتياح القارئ بكلام وتفاصيل كثيرة تجعله "يقتنع" .
يتابع الموقع السلفي :
( ولكثرة ما نقل الرواة من خطب
النبي صلى الله عليه وسلم قام جماعة من العلماء بجمع تلك الخطب في مصنفات خاصة
وعديدة، نحن نسردها هنا لنؤكد للقارئ أن ما ينشره بعض الناس من فَقد خطب النبي صلى
الله عليه وسلم وضياعها إنما هو محض مغالطة ، يلقيها أحد الطاعنين، ويتلقاها بعض
العامة بالتصديق والتسليم ، وهي في حقيقتها مغالطة واضحة . فمن تلك الكتب:
1. "خُطب النبي صلى الله عليه وسلم، لعلي بن
محمد المدائني (ت224هـ)
2. "خُطب النبي صلى الله عليه وسلم"،
لأبي أحمد العسّال (ت 349هـ).
3. "خُطب النبي صلى الله عليه وسلم"،
لأبي الشيخ الأصبهاني (ت369هـ) .
4. "خُطب النبي صلى الله عليه وسلم"،
لأبي نُعيم الأصبهاني (ت430هـ) .
5. "خُطب النبي صلى الله عليه وسلم"،
لأبي العباس جعفر بن محمد المستغفري (ت432هـ)
6. "الخُطب الأربعون المعروفة
بالوَدْعانية"، جمعها القاضي أبو نصر محمد بن علي بن ودعان الموصلي (ت 494هـ).
7. "خُطب الرسول صلى الله عليه وسلم"،
لأبي العباس الخضر الإربلي الشافعي (ت567هــ) .
8. "خُطبة الوداع"، لأبي العباس نصر بن
أحمد الإربلي الشافعي (ت619هـ)
9. "موعظة الحبيب وتحفة الخطيب"، لعلي
القاري الحنفي (ت1014هـ) .
10. "الخُطب المصطفوية"، لمحمد علي أكرم
الآروي.
11. "خُطب النبي صلى الله عليه وسلم"،
لعبد الباسط بن علي الفاخوري، مفتي بيروت (ت1324هـ) .
12. "خُطبات محمدي"، لمحمد بن إبراهيم
الجوناكرهي (ت1360هـ) .
13. "الخُطب المأثورة"، لأشرف علي
التهانوي (ت1362هـ) .
14. "مجموع من الخُطب النبوية"، لعيسى
البيانوني (ت1362هـ) .
15. "إتحاف الأنام بخُطب رسول الإسلام"،
لمحمد بن خليل الخطيب. وتاريخ مقدمته 1373هـ.
16. "خُطب سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم
وصحابته"، لمحمد شفيق الأرواسي (ت1970م) .
17. "خُطبات النبي صلى الله عليه وسلم"،
لحبيب الرحمن الأعظمي.
18. "خطب الجمعة"، جمعية المكنز الإسلامي.
19. "خطب النبي صلى الله عليه وسلم جمع
ودراسة"، رسالة ماجستير في الجامعة الأردنية، سنة1420هـ، لعبد الملك بن سالم
السيابي.
20. "خُطب الرسول الكريم محمد صلى الله عليه
وسلم: دراسة توثيقية تحليلية"، رسالة ماجستير تقدَّمَ بها مصعب نوري محمود
العزاوي إلى كلية التربية في جامعة بغداد سنة (2004م).
21. "خطب الرسول صلى الله عليه وسلم: جمعها
وتبويبها ودراستها"، للدكتور عمر القطيطي التونسي.
22. "خطب الرسول صلى الله عليه وسلم"،
لمجدي الشهاوي.
23. "خطب الرسول صلى الله عليه وسلم/676 خطبة
من روائع كنوز النبوة مع دراسة في فن الخطبة"، لنواف الجراح، دار صادر.
24. "خطب الرسول"، لعبد الحميد شاكر.).
ورغم ضخامة هذه
القائمة , إلا انها للأسف لا تعطي إجابة عن التساؤل الاساسي لهذا البحث : اين
خطب الجمعة ؟ وسوف آخذ أحدها كمثال , وهو رقم 15 في القائمة اعلاه , والذي
وجدته مطبوعاً بهذا الاسم :
وفي هذا الكتاب الكبير جمع
المؤلف أحاديث نبوية كثيرة واعتبرها " خطباً " ! وهذا مثال :
يقول في صفحة 194 : عن ابي
سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي (ص) قال : "إياكم والجلوس على الطرقات ,
فإن أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها : غض البصر , وكف الأذى, ورد السلام ,
والأمر بالمعروف , والنهي عن المنكر "
,,, رواه البخاري ومسلم.
وهذا طبعاً حديث مشهور عن
النبي (ص). ولكن هل هو خطبة جمعة؟! وهكذا يمضي المؤلف في سرد أحاديث نبوية
متنوعة , ويعتبرها خطباً . هو في الواقع يقول ان احاديث الرسول (ص) المعروفة لدينا
هي في ذاتها خطبه , وانتهى الأمر! كما انه يلجأ الى مصادر غريبة فعلاً لينتزع منها
ما يعتبره خطباً نبوية . ومن ذلك : البحر المحيط لأبي حيان , وتنبيه الغافلين
للسمرقندي , كتاب صفة الجنة لابن ابي الدنيا , و " إمتاع الأسماع " , محاضرات
الأبرار لمحيي الدين بن العربي, الترغيب والترهيب للشيخ عبد العظيم المنذري, و
الفاضل للوشاء ,,,,, فهل هذه مصادر للحديث النبوي ؟ وهل هي مقبولة كمصدر تؤخذ منه
الخطب النبوية ؟ والغريب أن السلفيين بالذات متشددون جدا في موضوع الإسناد ومصادر
الحديث "الصحيحة" , بل ويرفضون قبول كتب السيرة والتاريخ كمصادر ويصرون
على "علم الجرح والتعديل" ,,,, فكيف يقبلون بهذه المصادر ؟ الشيخ عبد
العظيم المنذري كمصدر لخطب النبي (ص) ؟! الجواب طبعاً انهم لا يؤمنون بها ولكنهم
فقط وضعوها لإيهام القارئ عن طريق تلك القائمة الضخمة للكتب التي جمعت خطب النبي(ص).
استنتاج
سنأخذ بعين الاعتبار الحقائق
التالية من أجل محاولة الوصول الى رأي أقرب ما يكون للصواب :
-
صلاة الجمعة وخطبتها كانت مفروضة وتمارس اثناء وجود النبي (ص) في المدينة
المنورة.
-
لا تحتوي مصادر الحديث المعتبرة على نصوص خطب الجمعة للنبي (ص).
-
لا يمكن تصديق ان الصحابة الكثيرين الذين كانوا يحضرون خطب الجمعة نسوها او
تجاهلوها ولم يرووها لمن بعدهم.
وبالتالي فأنا أذهب الى القول بأن خطبة
الجمعة أيام الرسول (ص) كانت مختلفة عما نراه في ايامنا هذه من خطابات مطولة
يتخللها الدعاء للحاكم والكلام حول شؤون متنوعة في الدين والدنيا. كانت طقساً
تعبدياً بسيطاً يقوم خلاله النبي (ص) بتلاوة القرآن على مسامع الناس , وربما يضيف
بعض العبارات القصيرة في الوعظ او الدعاء. وعلينا ان نتذكر أن القرآن في ذلك الوقت
لم يكن قد اكتمل بل كان يتوالى نزوله تباعاً . أي أن مجرد تلاوة آيات القرآن ,
وخصوصاً ما استجد منها , كان هدفاً تعليمياً مهماً بحد ذاته. أي أن الرسول (ص) كان
يتخذ من خطبة الجمعة فرصة لتلاوة القرآن على عموم الصحابة , حتى يسمعوه ويحفظوه,
بعد أن كان قد تلاه على عدد محدود منهم ممن كانوا قريبين منه, فيسمعه العامّة بعد
أن يكون سمعه الخاصّة.
وأما ما نراه من طقوس خطبة
الجمعة اليوم ففيها من تأثير حكام بني أمية الكثير الكثير ,,, وهو ما سنوضحه في
الفصل التالي .
التأثير الأموي
في زمن بني أمية تغيرت الأحوال . صارت السلطة السياسية
التي اغتصبت الحكم بالقوة وحولته الى نظام وراثيّ ملكيّ بحاجة الى وسائل "للضبط
والربط " والسيطرة على المجتمع وايصال أوامرها الى أفراده في كل مكان. صار النظام
الحاكم بحاجة الى التحكم بتوجّهات الناس الدينية والفكرية والسياسية. السلطة
الأموية صارت بحاجة الى وسائل إعلام تنقل وجهة نظرها وتوجيهاتها. فوجدت في صلاة
الجمعة فرصة سانحة للوصل الى مبتغاها.
قررت السلطة الأموية الاستفادة من هذا الاجتماع الاسبوعي
لعموم المسلمين بما يهدف غاياتها. وسارت السلطة الأموية في اتجاهين :
-
السيطرة
السياسية والإدارية. ابتداء من عهد معاوية بدأ استخدام صلاة الجمعة في إعلان
قرارات السلطة الحاكمة للعامة , وشرحها وتبريرها اذا لزم الأمر , واعطائها غطاء
دينياً / شرعياً . صارت خطب الجمعة تستغل من أجل التنديد بالمعارضين السياسيين
بشتى اتجاهاتهم ( من خوارج وشيعة و بعد ذلك زبيريين ). وصار الجمهور مطالباً
بالحضور والتفاعل الايجابي ( الاجباري) مع خطيب الجمعة وهو يذم خصوم السلطة. وقد
ذكرنا في الفصل السابق أوامر معاوية بذم الامام علي من على منابر الجمعة وكيف طبّق
قراره وصار " لعن أبي تراب " من مقرررات خطبة الجمعة في كل مكان. وعندما
قرر معاوية تعيين ابنه يزيد ولياً للعهد لجأ هو , وولاته في الأمصار , الى خطبة
الجمعة لإعلان ذلك القرار وشرحه للعامة والحصول على طاعتهم. واستمر الحال كذلك في
ايام عبد الملك بن مروان الذي قرّب اليه مجموعة من كبار فقهاء الشام ليساعدوه في
التواصل مع العامة عبر الفتاوى وخطب الجمعة. كانوا ينددون بخصومه ومخالفيه على
المنبر وينعتونهم بالخوارج ومثيري الفتن والمارقين من الدين.
-
السيطرة
والتوجيه الديني والفكري . أدخل بنو أمية , عن طريق خطبائهم وفقهائهم, فكرة الدعاء
للحاكم / السلطان / الخليفة من على منبر الجمعة وجعلوها من أساسيات الخطبة
وكليشيهاتها الثابتة , فلا تتم إلا بها . واستمر الحال الى يومنا هذا. صار على
خطيب الجمعة , بأمر مباشر من السلطة الحاكمة, أن يعلن ولاءه للحاكم وان يمدحه ويدعو
له بطول العمر . وصار يتم التركيز في الخطبة على فكرة "طاعة وليّ الأمر"
من مبدأ شرعي , باعتباره جزءاً من الدين , وتدعيم ذلك بالأدلة الشرعية المناسبة من
آيات واحاديث وفتاوى , حتى يستقر في أذهان العامة أن تلك ارادة الله ورسوله. كما
لجأ الفقهاء الرسميون الى ترسيخ مقولاتٍ واافكار تدعو الى التسليم بقدر الله
وضرورة "الصبر" على صعوبات الحياة وتقبل ظلم الحكام وطغيانهم باعتباره
"امتحاناً" من الله. والكثير الكثير من الافكار التي تروّج لها خطب
الجمعة الى الآن.
نماذج من خطابات بني أمية
وولاتهم :
قال[3] زياد
بن أبيه مخاطباً أهل البصرة وموجهاً لهم بشأن العلاقة بين الراعي والرعية , والحاكم
والمحكومين "أيّها الناس! إنّا أصبحنا
لكم ساسة، وعنكم ذادة[4], نسوسكم بسلطان الله الذي
أعطانا، ونذود عنكم بفَيء الله الذي خوّلنا[5] . فلنا
عليكم السمع والطاعة فيما أحببْنا، ولكم علينا العدل فيما وُلِّينا. فاستوجِبوا
عدْلنا وفيْئنا بمُناصحتكم لنا. واعلموا أنّي مهما قصّرت، فإنّي لا أقصِّر عن
ثلاث: لست محتجِباً عن طالب حاجة منكم، ولو أتاني طارقاً بليل . ولا حابساً رزقاً
ولا عطاءً عن إبّانه. ولا مجمِّراً لكم بَعثاً[6].
فادْعوا الله بالصلاح لأئمِّتكم؛ فإنّهم ساستكم المؤدِّبون لكم، وكهْفكم الذي إليه
تأوُون، ومتى تَصلُحوا يصلُحوا. ولا تُشربوا قلوبكم بُغضَهم، فيشتدّ لذلك غيظُكم،
ويطول له حِرمانكم، ولا تدركوا حاجتكم، مع أنّه لو استجيب لكم، لكان شراً لكم.
أسأل الله أن يُعين كلاً على كلّ".
وفي هذه الخطبة تظهر معالم
السياسة الأموية في اوضح تجلياتها . الله هو الذي منحنا السلطة وهو الذي ملّكنا
عليكم . وكل ما هو مسموحٌ لكم : الدعاء بالصلاح لأئمتكم !
وانا أتساءل : أليست هذه هي
ذات الخطب التي نسمعها اليوم من على منابر المساجد يوم الجمعة ؟ التشابه في
الافكار والاسلوب واضح تماما بل ويكاد يتطابق ما قاله والي معاوية الرهيب مع ما
يقوله خطباؤنا في القرن الـ 21.
واتساءل ايضا : هل ما نسمعه في
زماننا هذا من خطب يوم الجمعة أقرب الى كلام زياد بن ابيه , ام الى كلام رسول الله ؟؟؟
ومن بعد زياد جاء ابنه عبيد
الله والياً ليزيد بن معاوية. وهذا مقطع من احدى خطبه " أما بعد ايها الناس : فاعتصموا بطاعة الله وطاعة
أئمتكم, ولا تختلفوا ولا تفرقوا فتهلكوا وتذلّوا , وتُجْفوا وتُحْرموا . إن أخاك
من صدقك . وقد أعذر من أنذر"[7]
وحتى الحجاج بن يوسف
الثقفي , والي عبد الملك بن مروان الرهيب , كان يُضمّن في ثنايا خطبه ( عدا عن
عبارات الترهيب والتهديد المشهورة ) مقاطع وجمل بقيت مخلدة الى يومنا هذا " أيها الناس , إياكم
والزيغ فإن الزيغ لا يحيق إلا بأهله " ويتابع الحجاج " رأيتم سيرتي فيكم , وعرفتُ خلافكم وطيبكم , على معرفتي
بكم , ولو علمتُ أن أحداً أقوى عليكم مني أو أعرفَ بكم ما وليتكم "[8].
وهذا مقطع من خطبة للخليفة
عبد الملك ذاته "أيها الناس , استقيموا
على سُبُل الهدى , ودعوا الأهواء المُردية , وتجنبوا فراق جماعات المسلمين. ولا
تكلفونا أعمال المهاجرين الأولين , وأنتم لا تعملون اعمالهم "[9]
وهذا نموذج من خطب الوالي
الأموي الرهيب الآخر , خالد بن عبد الله القسري , قال " أيها الناس عليكم
بالطاعة ولزوم الجماعة , وإياكم والشبهات فإني والله ما أوتى بأحد يطعن على إمامه
إلّا صلبته في الحرم. إن الله جعل الخلافة منه بالموضع الذي جعلها فسلّموا وأطيعوا
ولا تقولوا كيـتَ وكيْتَ . إنه لا رأي فيما كتب به الخليفة أو رآه إلا إمضاؤه ,,,
وعليكم بالجماعة والطاعة فإن الفرقة هي البلاء العظيم .
أقول قولي هذا واستغفر
الله لي ولكم"[10].
من هذه الأمثلة يتضح التشابه
الكبير بين خطب ولاة ورجالات بني أمية , وبين خطب زماننا . تأثيرهم ظاهر تماماً في
الاسلوب ونوعية الكلمات والعبارات ,,, والافكار.
[1] صحيح مسلم, كتاب الفتن وأشراط الساعة, باب إخبار النبي صلى
الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة
[7] المصدر : جمهرة
خطب العرب في عصور العربية الزاهرة , ج2 ص32, لاحمد زكي صفوت , شركة مكتبة ومطبعة
مصطفى الباني الحلبي , القاهرة 1933.