مقدمة عن الأسباب
" عن عبد الله بن عمرو قال : كنتُ أكتبُ كلّ شيئ
أسمعه من رسول الله(ص), أريد حفظه.
فنهتني قريشٌ . وقالوا : أتكتبُ كلَ شيئ تسمعه ورسولُ الله(ص) بشرٌ , يتكلمُ في الغضب والرضا؟
فأمسكتُ عن الكتاب.
فذكرتُ ذلك لرسول الله(ص), فأومأ بإصبعه إلى
فيه فقال : أكتب. فوالذي نفسي بيده , لا يخرج منه إلاّ حق"[1]
هذه الحادثة
التي رواها عبد الله بن عمرو تعبّر عن التيار الأول من أصحاب العقيدة الهزيلة
بشخص الرسول(ص), والمتمثل ببعض قيادات المهاجرين القرشيين, وبالأخصّ عمر,
والتي كانت ترى في النبي(ص) " مجتهداً " يحق لها أن تخالفه وتعارضَ
آراءه, إذا رأت أن " المصلحة " تقتضي ذلك. وهذا التيار لا يعتقد أن
الرسول(ص) معصومٌ إلاّ فيما يتعلق بشؤون القرآن وتبليغ كلام الله. وفيما عدا
ذلك, فهو " يجتهد " من عنده, وهو بشرٌ يجوز عليه الزلل والخطأ والنسيان
, ويمكن أن يتعرض, كغيره من الناس, لحالاتٍ من الانفعال تقوده إلى نوعٍ من
الاندفاع غير المحسوب أو حتى سوء التقدير .
وللأسف فإن بعض
العلماء قد انحازوا إلى هذا التيار, من باب إحسان الظن بكبار المهاجرين القرشيين,
وبالأخص عمر, والولاء لهم, ولو كان ذلك على حساب شخص الرسول(ص)! وعبّرَ عن ذلك الإمام النووي, كما روى ابن حجر, في معرض شرحه
لرزية يوم الخميس, حين صرّحَ بأن قرار عمر بمنع النبي(ص) من كتابة وصيته كان
صائباً, بل وينمّ عن فقههِ! فقال :
" اتفق
قول العلماء على أن قول عمر ( حسبنا كتاب الله) من قوة فقهه ودقيق نظره"[2]
وأما التيار
الثاني من أصحاب العقيدة الهزيلة بشخص النبي(ص), فهو أكثر جذريةً وخبثاً.
ويتمثل ذلك في تيار الحكام الأمويين ممن كانوا هم وآباؤهم أعداءً ألدّاء لرسول
الله(ص) طوال فترة دعوته, ولهم ثاراتٌ قديمة عنده.
ورغم أن
التيارين تلاقيا على إشاعة أقوالٍ من شأنها تقليل الدور العظيم الذي لعبته الشخصية
النبوية , مقابل تضخيم " المشيئة الإلهية " في مسيرة الإسلام, إلاّ أنه كان
هناك فارقٌ جوهري بينهما . فالأول منهما كان مؤمناً حقاً بنبوّة محمد(ص) ورسالته,
بعكس الثاني , الذي أخفى حقيقة مشاعره تجاه الرسول(ص) بعد أن أصبح يقطف ثمار
كل ذلك الجهد النبوي العظيم.
حديث تلقيح النخل : أنتم أعلمُ
بشؤون دنياكم
روى الإمام مسلم
" إن النبي(ص) مَرّ بقوم يلقحون. فقال : لو لم تفعلوا لصلح. قال : فخرج
شيصاً. فمرّ بهم فقال : ما لنخلكم؟ قالوا : قلتَ كذا وكذا. قال :
أنتم أعلم بأمور دنياكم"[3]
وورد نفس الحديث بلفظٍ آخر في صحيح مسلم " مررتُ مع رسول الله(ص) بقومٍ على رؤوس النخل. فقال : ما يصنع هؤلاء؟ فقالوا
يلقحونه. يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح. فقال رسول الله(ص) : ما أظن يغني ذلك شيئاً. قال : فأخبروا بذلك فتركوه. فأخبر رسول
الله بذلك فقال : إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه. فإني إنما ظننتُ ظناً, فلا تؤاخذوني
بالظن. ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به, فإني لن أكذبَ على الله عز وجل"[4]
" كل مَن يسكن بلاداً يُزرع فيها النخل يعلم أن للنخل ذكراً وأنثى ويلقح طلع نخل الأنثى بطلع نخل
الذكر لتثمر, وإلاّ يصبح تمره شيصاً لا يشتد نواه. وإذا جف تمره أصبح حشفاً لا يصلح للطعام, فكيف خفي هذا الأمر على
رسول الله(ص) وهو
من سكان الجزيرة العربية وأشهر أشجارها النخيل؟ وإذا كان
الرسول(ص) لم يعلم ذلك كيف لم يخبره
الأنصار في المدينة بذلك؟ والصحيح في الأمر أن
الغاية من إسناد هذا الخبر إلى رسول الله هو لينسب إليه أنه قال ( أنتم أعلم بأمر دنياكم),
ولكي يُروى
عنه أن غيره من البشر أعلم بأمور الدنيا من رسول الله(ص). ومغزى هذه الرواية والروايات الأخرى معها , فصل
أمور الدنيا عن أمور الدين,
وفقاً للمقولة المشهورة ( دع ما لقيصر لقيصر
وما لله لله) , وأن يبطل جميع سنة الرسول فيما عدا العبادات"[5]
" ولا يخفى أن الغاية من جعل
هذا الحديث هي فتح باب المخالفة للنبي(ص), بحيث لو أراد الخلفاء وأصحاب السلطة
يوماً أن يحكموا على خلاف تعاليم النبي(ص)
وينقضوا أوامره,
فهم يملكون دليلاً .
ويستدلون على مخالفتهم بأن النبي(ص) قد ارتكب خطأ في مسألة تلقيح النخل وبعدها قال
: أنتم أعلم بأمور دنياكم"[6]
الذين
لعنهم رسولُ الله
ولم يقتصر الأمر على نسبة الخطأ " الدنيوي"
إلى رسول الله(ص), بل جاوز ذلك
ووصل إلى حد التشكيك في حُسن
أخلاقه(ص) وتعاملاته!
وقد
روى أبو هريرة أحاديثَ تظهر رسولَ الله(ص) بمظهر السَبّاب اللعّان الذي يؤذي الناس بسوء
تعامله!
فقد جاء في صحيح مسلم, باب مَن لعنه النبيُ(ص) أو سَبّه أو دعا عليه, وليس هو أهلاً لذلك كان له زكاة وأجراً ورحمة, عن أبي هريرة :
" قال رسول الله(ص) اللهم! إنما
أنا بشر. فأيّما رجلٌ من
المسلمين سببتُه أو
لعنتُه أو
جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة"
وكذلك روى أبو هريرة أن النبي(ص)
قال:
" اللهم! إني أتخذ عندك عهداً لن تخلفنيه. فإنما أنا بشر , فأيّ المؤمنين آذيته , شتمته, جلدته, فاجعلها
له صلاة وزكاة وقربة
تقربه إليك يوم القيامة"[7]
وأما البخاري
في صحيحه فقد روى عن أبي هريرة أنه سمع النبي(ص) يقول " اللهم ! فأيما
مؤمنٌ سببته فاجعل ذلك له قربة إليك يوم
القيامة "[8]
وروى ابن
كثير نقلاً
عن البيهقي خطبة للنبي(ص) في أواخر أيام حياته جاء فيها :
"... ألا فمن كنتُ جلدتُ له ظهراً, فهذا ظهري فليستقِد.
ومَن كنتُ أخذتُ له مالاً , فهذا مالي فليأخذ منه.
ومَن كنتُ شتمتُ له عرضاً , فهذا عرضي فليستقِد.
ولا يقولنّ قائل : أخاف الشحناء
من رسول الله. ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي. وإن أحبكم إليّ من أخذ
حقاً إن كان له عليّ , أو حللني فلقيتُ الله عز وجل
وليس لأحدٍ
عندي مظلمة"[9]
وهكذا فإن هذه الأحاديث تظهر رسولَ
الله(ص) بمظهر الذي يمكن أن يسبّ المؤمنين أو يشتمهم أو يؤذيهم "وهم ليسوا
أهلاً لذلك" كما هو
عنوان الباب في صحيح مسلم! والأحاديث هذه وأمثالها تصوّر النبيّ(ص) على أنه إنسان
طائش, يثور لأسباب تافهة, فيعصف ويعربد, ويتفوه بما لا يليق , ثم يتراجع , ويهدأ,
ويحاول إزالة الآثار السيئة لتصرفاته العصبية,
ويلتمس لها المبررات.
والسبب من وراء هذا البهتان هو ببساطة
لخدمة حكام بني أمية الذين اغتصبوا الحكم وهم لا يمتلكون أية شرعية, وهم أبناء
طغاة قريش الذين عادوا رسول الله(ص) وآذوه وحاربوه بكل طاقتهم حتى هزموا. وهؤلاء
لعنهم رسول الله(ص) على ما أتوه من بغي وإجرام. ورسول الله(ص) لا ينطق عن الهوى,
بل يلعنهم بلسان رب العالمين. والقرآنُ لعَنَ
الكفارَ والظالمين. وطغاة قريش الذين لعنهم رسول
الله(ص) , وعلى رأسهم أبو سفيان, والد معاوية, والحكم بن أبي العاص, جدّ الخلفاء
المروانيين من بني أمية, يستحقون تلك اللعنة الإلهية ولا شك.
فجاء أبو هريرة بهذه الأحاديث لكي يخرج
معاوية ورهطه من هذه الورطة. وهو هنا يقلب لعنة رسول الله(ص) لهؤلاء المجرمين إلى
فضيلة لهم يوم القيامة![10]
وكأن هؤلاء المجرمين بريؤون مسالمون آذاهم رسول الله(ص) بلا سبب!
ومن جهة أخرى , فلن يعترضَ معترضٌ
على مروان بن الحكم[11]
أو على معاوية بن أبي سفيان, إذا آلت إليهم الخلافة يوماً
ما! فإذا قال لمعاوية قائل : لقد لعَنَ رسول الله(ص) أباك وأنتَ معه,
فكيف تتأمّر على أمّة محمد(ص)؟! فعندئذ
يكون لدى معاوية إجابة
: لقد دعا رسول الله(ص) أن تنقلب
لعنته زكاة وطهوراً, ودعوات
الأنبياء مستجابة! فتلك اللعنة إذن هي بمثابة تزكية نبوية!
يقول جعفر مرتضى[12]
عن لعن رسول الله(ص) لبعض الناس :
" ... وليس ذلك لأن ذلك سلاح
العاجز الذي لا يجد حيلة للتعبير عن مشاعره الثائرة إلاّ ذلك, إذ أنه(ص) لم يكن
لينطلق في مواقفه كلها من حالة انفعالية طاغية, ومن اندفاع عاطفي غير مسؤول, بهدف
التنفيس عن حقد دفين, وانسياقاً مع
انفعالات طائشة...
وإنما يريد(ص) أن يلقّن الناس
جميعاً عن طريق الشعور واللاشعور ويؤدبهم
ويعلمهم : أن الاعتداء على الأبرياء , والغدر والخيانة, ونقض المواثيق والذمم, وكذلك جميع أشكال الإنحراف وأنحائه..
إن كل ذلك مرفوضٌ
جملة وتفصيلاً,
ولا بد من تربية الوجدان على الإحساس بقبحه ورذالته ليصبح النفور منه, والابتعاد
عنه بصورة عفوية حالة طبيعية , وواقعية ذات جذور ممتدة في أعماق الإنسان, وفي صميم
ذاته.
ولا بد من الإعلان بإدانة
الإنحراف, انطلاقاً من
المثل والقيم الإلهية, بأسلوب اللعن, الذي هو طلب البعد عن ساحة القدس الإلهي...
فاللعن إذن أسلوب تربوي بناء, وليس موقفا سلبياً عاجزا ولا مهيناً..
ولأجل ذلك نجد القرآن الكريم لا
يزال يؤكد على لزوم التبرّي من
أعداء الله, والتولي لأوليائه, ويعلن الله سبحانه ذلكَ بلعنِ فئاتٍ كثيرة, كالكاذبين والظالمين, والبراءة
منهم..... قال سبحانه – وهو يتحدث عن
الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى : (أولئك يلعنهم الله ويلعنهم
اللاعنون- البقرة 159) .
وبعد ما تقدم, فلا يمكن لنا أن نصدّق أنه(ص) قد لعن
أحداً لا
يستحق اللعن . وإلاّ لكان(ص) ليس فقط لا ينطلق في
تعامله ومواقفه من موقع المسؤولية والإنصاف.. وإنما من موقع العاطفة والطيش
والإنفعال, وحاشاه.. فإن ذلك لو صحّ لوجدنا أنفسنا مضطرين لطرح التساؤلات الجدية
حول عصمته(ص)... لا سيما إذا كان لعناً لأحد المؤمنين, فإن لعنَ المؤمن كقتله, أو لاعنُ المؤمن كقاتله, كما روي عنه(ص)."
التشكيك في أحكام الرسول
ولمزيدٍ
من التشكيك فيما يقوله الرسول (ص) وفي شخصه الكريم, روى البخاري في صحيحه عن
عائشة أن اليهود سحروا رسولَ
الله(ص)
! وهذا النص:
وهذا الحديث يتضمن في طياته منتهى التشكيك في كل ما يصدر عن رسول
الله(ص) .
ورغم أن
ظاهر الحديث لا يذكر شيئاً محدداً وهم فيه رسول الله, إلاّ أنه ربما يكون من
المبرر الاستنتاج أن المقصود حقاً من
هذا الحديث هو توظيفه لأغراض التشكيك بما صدر عن الرسول (ص) من توجيهات تتعلّق بولاية الأمر من بعده ومكانة آل البيت, وليس
حادثة معينة تتعلق باليهود فقط.
ووردت أيضاً
أحاديث تشكك في حُسن حكمه وقضائه
(ص) : " إن رسول الله(ص) قال : إنما أنا بشر . وإنكم تختصمون إليّ. ولعلّ
بعضكم أن يكون ألحَنَ بحجّته من بعض, فأقضي نحو ما أسمع. فمن
قضيتُ له بحق أخيه شيئاً , فلا يأخذه! فإنما أقطع له قطعة من
النار"[14]
مثالٌ
آخر
ومن
المفيد أيضاً ذكر الحديث الذي رواه أنس بن مالك :
"
إن رسول الله(ص) كان يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه. وكانت أم حرام تحت
عبادة بن الصامت.
فدخل
عليها رسول الله(ص) يوما فأطعمته. ثم جلست تفلي رأسَه.
فنام رسول الله(ص), ثم استيقظ وهو يضحك.
قالت:
فقلت : ما يضحكك؟ يا رسول الله.
قال
: ناسٌ من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله,
يركبون ثبج هذا البحر, ملوكاً على
الأسرّة, أو مثل الملوك على الأسرّة ( يشكّ أيهما قال ).
قالت
: فقلت : يا رسول الله! ادعُ
الله أن يجعلني منهم.
فدعا
لها.
ثم
وضع رأسه فنام, ثم استيقظ وهو يضحك. قالت : فقلت : ما يضحكك؟ يا رسول الله! قال : ناسٌ من أمتي عرضوا عليّ غزاة في سبيل الله, كما قال في
الأولى. قالت: فقلت : يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم. قال : أنت من
الأولين.
ومن
الصعب جداً التصديق أن رسول الله(ص) كان يدخل على
زوجة عبادة بن الصامت فيضحك معها ويستلقي عندها وهي تفلي رأسه حتى ينام بين يديها!
ولقد
صُمّم هذا الحديث لغايتين : الأولى إظهار
النبي(ص) بمظهر المتبسّط مع النساء بما يتجاوز حدود الحشمة, والثانية اختراع فضيلة
لمعاوية بن أبي سفيان عن طريق نسبِ
مقولةٍ إلى النبي(ص) يمتدح فيها أولئك الذين هم
"ملوكٌ على الأسِرّة
" ويغزون في سبيل الله! فالراوي يعلم أن معاوية حوّلَ
الأمرَ إلى ملكٍ
عَضوض فأرادَ
القولَ أن ذلك لا يضيره لأن رسول الله(ص) تنبّأ
بذلك وسُرّ له.
الآخرون أكثر حكمة وعلماً
من الرسول !
صلاة
رسول الله (ص) على ابن أبيّ
روى البخاري "
لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله (ص)
فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه, فأعطاه. ثم سأله أن يصلّي عليه , فقام رسول
الله (ص) ليصلّي.
فقام
عمر فأخذ بثوب رسول الله (ص) فقال : يا رسول الله ! تصلّي عليه , وقد نهاكَ ربكَ أن تصلّي عليه؟
فقال
رسول الله (ص) : إنما خيّرَني الله فقال : استغفر لهم أو لا تستغفر
لهم. إن تستغفر لهم سبعين مرة . وسأزيده على السبعين.
قال
: إنه منافق!
فصلّى
عليه رسول الله(ص).
ولا
يمكن قبول هذا الحديث, لأنه يتنافى مع العقل. فالنص واضحٌ
وصريح بأن هناك مَن هو أعلم من
النبي(ص) بالأحكام والتعاليم السماوية, وأدرى منه في معرفة فلسفة الأحكام الإلهية
وأسرارها, وأعرف بالمصالح والمفاسد المترتبة على التعاليم الإسلامية. فحسب نص هذا
الحديث, نزلت الآية القرآنية تفنّد عَمَلَ
رسول الله(ص) وتنهاه عنه, بينما تؤيّد فكرة شخصٍ
غيره , وهو عمر, الذي عرف الحقَ
بينما تاه عنه الرسول(ص)!
ويمكن
أيضاً التشكيك في هذا الحديث وردّه عن طريق
النقل والسياق أيضاً. فمعروفٌ أن هذه الآيات من سورة براءة نزلت في
السنة الثامنة للهجرة[17] ,
أثناء خروج النبي(ص) إلى تبوك وقبيل عودته إلى المدينة :
"
استغفر لهم أو لا تستغفر لهم. إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم . ذلك
بأنهم كفروا بالله ورسوله . والله لا يهدي القوم الفاسقين. فرح المخلّفون بمقعدهم
خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا
في الحر. قل نار جهنم أشدّ حراً لو
كانوا يفقهون. فليضحكوا قليلاً
وليبكوا كثيراً جزاءً
بما كانوا يكسبون. فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستئذنوك للخروج فقل لن تخرجوا
معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً. إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع
الخالفين. ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبداً
ولا تقم على قبره. إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون"[18]
ولكن
وفاة عبد الله بن أبيّ كانت في السنة التاسعة للهجرة[19].
وعلى هذا تكون الآية قد نزلت
قبل حوالي سنة من سبب نزولها المزعوم. ولذا يمكن القول أنه ليس لهذه الآية أي
ارتباط أو علاقة بموت عبد الله بن أبيّ , ولا بعمر بن الخطاب أو اقتراحه.
وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن نصّ الحديث
يحمل تناقضاً صارخاً,
مما يرجّح كونه موضوعاً.
فحين يقول عمر للرسول (ص) إن الله قد نهاه عن الصلاة على ابن أبيّ والمنافقين,
فذلك يعني أن الآية (ولا تصلّ على أحد منهم مات أبدا) كانت سابقة لحادثة موت ابن
أبيّ, وهو ما يتعارض مع نص الحديث الذي يشير إلى أن الآية نزلت في أعقاب ذلك
الموقف بين النبي(ص) وعمر. وإلاّ فكيف عرف عمر أن الله نهى عن الصلاة على
المنافقين حتى "يذكّر" النبي(ص) بذلك؟
وهناك
تناقضٌ آخر في نص الحديث : فالرسول(ص) يجيب عمر
بن الخطاب بأن الله قد خيّره بشأن الاستغفار للمنافقين اعتماداً على نص الآية القرآنية. ولكن نص الآية القرآنية جليّ واضحٌ, ومن له إلمامٌ
باللغة العربية يدرك أنها لا تحمل أي دلالة على التخيير (إن تستغفر لهم سبعين مرة
فلن يغفر الله لهم).
نزول
آية الحجاب
"
عن عائشة : أن أزواج النبي(ص) كنّ يخرجن بالليل إذا تبرّزنَ إلى المناصع, وهو صعيد أفيح.
فكان عمر يقول للنبي(ص) : احجب نساءك. فلم يكن رسول
الله(ص) يفعل.
فخرجت
سودة بنت زمعة زوج النبي(ص) ليلة من الليالي عشاء, وكانت امرأة طويلة, فناداها
عمر : ألا قد عرفناكِ يا
سودة! حرصاً أن
ينزل الحجاب. فأنزل الله آية الحجاب"[20]
وهنا
يظهر أن الراوي أراد إعطاء عمر بن الخطاب دوراً
مزعوماً, على حساب النبي(ص) بالذات! فليس عمرُ
أكثرَ غيرة من الرسول(ص), وليس
أعرفَ للصواب من الخطأ منه. ولا يمكن أن يكون الوحي يترقب إشارة
من عمر, أو توجيهاً
منه لمواقع الخطأ في المجتمع, حتى يتنزل على
النبي(ص).
وعلى
فرض صحة الرواية, وهذا مستبعد, فإن فيها مثلبة لعمر! فلماذا ينادي بصوته الجهوري
على زوجة الرسول(ص) وهي خارجة لقضاء حاجتها "قد عرفناكِ يا سودة"؟! هذا تصرفٌ يخلو تماماً
من اللياقة, فحتى لو عرفها, فلماذا يتعمد إحراجها؟
قطع شجر النخيل
روى
الواقدي في حديثه عن غزوة خيبر, أن
الحباب بن المنذر قال : " يا رسول الله إن اليهود ترى النخلَ أحبّ إليهم من أبكار أولادهم. فاقطع
نخلهم.
فأمَرَ رسولُ الله(ص) بقطع النخل. ووقع المسلمون في قطعها حتى
أسرعوا في القطع.
فجاءه
أبو بكر فقال : يا رسول الله إن الله عز وجلّ قد وعدكم خيبر. وهو منجزٌ ما وعدك. فلا تقطع النخل.
فأمر
منادي رسول الله(ص) فنهى عن قطع النخل"[21]
وهذه
الرواية تظهر أبا بكر أكثرَ
حكمة من رسول الله(ص), وأكثرَ
علماً منه بالحكم الشرعيّ الذي يمنع الإفساد
في الأرض, بما فيه قطع الشجر. وأبو بكر هنا يبدو أكثر اطّلاعاً من رسول الله(ص) على الوعد الإلهي
بالنصر, حتى انه يذكّر الرسول(ص) به!
نحرُ
إبلِ الجَيش
روى الإمام مسلم في
صحيحه:
" قال : لما كان غزوة تبوك, أصابَ الناسَ مجاعة.
قالوا : يا رسول الله ! لو أذنتَ لنا فنحرنا نواضِحنا,
فأكلنا وادّهنا.
فقال رسول الله(ص): افعلوا.
فجاء عمر, فقال يا رسول
الله, إن فعلتَ قلّ الظهرُ! ولكن ادعُهم بفضل أزوادهم ثم ادعُ الله لهم عليها
بالبركة, لعل الله أن يجعل في ذلك؟
فقال رسول الله(ص) : نعم.
فدعا بنطع فبَسَطه ثم دعا بفضل أزوادهم .
قال فجعل الرجل يجيئ بكف ذرة , قال ويجيئ الآخر بكف تمر
. قال ويجيئ الآخر بكِسرة.
حتى اجتمع على النطع من ذلك شيئ يسير.
فدعا رسول الله(ص) عليه بالبركة. ثم قال : خذوا في
أوعيتكم.
فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاءً إلاّ
ملأوه .
قال : فأكلوا حتى شبعوا , وفضلت فضلة.
فقال رسول
الله(ص): أشهد أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله. لا يلقى الله بهما عبدٌ , غير
شاكّ فيهما, إلاّ دخل الجنة"[22]
وحسب هذه الرواية فإن رسول الله(ص) قد سمَح لأفراد الجيش
بذبح إبلهم لأكلها. ولم يعرف رسول الله(ص) أن التهام إبل الجيش لن يمكنه من أداء
مهامه في الحركة والنقل والقتال. ولكن عمر بن الخطاب فطِن لذلك وأدرك عواقبَ هذا
القرار الخاطئ, فتدخلَ, وأبلغ الرسولَ(ص) بأن القرار مُضِرّ . وعند ذلك أدرك
الرسول(ص) أنه أخطأ في حين أصابَ عمر. ولم يكتفِ عمر بذلك, بل قدّم للرسول(ص)
اقتراحاً لما عليه ان يفعله. وطبّق الرسول(ص) ما قاله له عمر, فحصلت عند ذلك معجزة
إلهية حين بارك رسولُ الله(ص) الطعامَ القليل الذي كان متوافراً , فشبعَ منه كل
الناس!
وليس هناك حاجة إلى الكثير من الكلام حول هذه الرواية الغريبة التي يبدو
أنها مصممة لإثبات تفوّق عمر بن الخطاب على الرسول(ص) في حُسن التصرف والتقدير.
فرسول الله(ص) كان يملك من الذكاء والعبقرية والحكمة والخبرة, عدا عن الرعاية
والتسديد الإلهي, ما يجعله يعلم أن الجيش لا يجوز له أن يلتهم الوسيلة التي بها
يتنقل ويحمل متاعه, دون الحاجة إلى إرشادات عمر . فالأمر بسيط وبديهي.
وما الذي جعل المعجزة الإلهية تحدث بعد تدخل عمر؟ ولماذا لم يبرّك الرسول
(ص) على طعام الناس من البداية, حين جاؤوه ليستأذنوا بذبح إبلهم؟
أخشى أن يتكل الناسُ عليها!
روى الإمام مسلم في صحيحه عن
أبي هريرة:
" كنا قعوداً حول رسول الله(ص), معنا أبو بكر وعمر, في نفر.
فقام رسول الله(ص) من بين أظهرنا , فأبطأ علينا, وخشينا أن يقتطع دوننا,
وفزعنا فقمنا.
فكنتُ أول مَن فزع. فخرجتُ أبتغي رسول الله(ص) , حتى أتيتُ حائطاً للأنصار
لبني النجار. فدرتُ به , هل أجدُ له باباً فلم أجد. فإذا ربيعٌ يدخل في جوف حائط
من بئر خارجة(والربيعُ الجدولُ) فاحتفزتُ كما يحتفز الثعلب.
فدخلتُ على رسول الله(ص) فقال : أبو هريرة؟
فقلتُ : نعم, يا رسول الله.
قال : ما شأنك؟
قلتُ: كنتَ بين أظهرنا, فقمتَ فأبطاتَ علينا. فخشينا أن تقتطع دوننا,
ففزعنا, فكنتُ أول مَن فزع, فأتيتُ هذا الحائط, فاحتفزتُ كما يحتفز الثعلبُ وهؤلاء
الناس ورائي.
فقال : يا أبا هريرة ( وأعطاني نعليه ) قال : إذهب بنعليّ هاتين, فمَن
لقيتَ من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلاّ الله , مستيقناً بها قلبه, فبشّره
بالجنة.
فكان أولَ مَن لقيتُ عمرَ. فقال : ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟
فقلتُ : هاتان نعلا رسول الله(ص) , بعثني بهما. مَن لقيتُ يشهد أن لا إله
إلاّ الله مستيقناً بها قلبه, بشّرته بالجنة.
فضَرَبَ عمرُ بيده بين ثديَيّ , فخَررتُ لإستي. فقال : إرجع يا أبا هريرة.
فرجعتُ إلى رسول الله(ص), فأجهشتُ بكاءً. وركبني عمرُ, فإذا هو على اثري.
فقال لي رسول الله(ص): مالك يا أبا هريرة؟
قلتُ : لقيتُ عمرَ فأخبرته بالذي بعثتني به, فضرب بين ثدييّ ضربة ,
خررتُ لإستي. قال : إرجع.
فقال له رسول الله(ص): يا عمر ما حَمَلك على ما فعلتَ؟
قال : يا رسول الله بأبي أنتَ وأمي, أبعثتَ أبا هريرة بنعليك, مَن لقي
يشهدُ أن لا إله إلاّ الله مستيقناً بها قلبه, بشّرَه بالجنة؟
قال : نعم.
قال : فلا تفعل. فإني أخشى أن يتكل الناسُ عليها. فخلهم يعملون.
قال رسول الله(ص) : فخلهم."[23]
وهذه الرواية تظهر عمر بأنه أكثر اهتماماً بشؤون المسلمين, وحرصاً عليهم من
رسول الله(ص). فعمرُ أدرك أن الناس ربما يصيبهم الاتكال ويتركوا العملَ إذا عرفوا
بشارة النبي(ص) التي ينقلها أبو هريرة, فقرر منع أبي هريرة من القيام بمهمته التي
كلفه الرسول (ص) بها. ومن ثم شَرَحَ عمرُ للنبي(ص) مخاطر نشر بشارته تلك بين الناس
وطلب منه الكف عنها, فوافق الرسول(ص) على ذلك لأنه عرف مدى حكمة عمر.
وهي رواية عجيبة وفيها انتقاصٌ صريحٌ من شخص رسول الله (ص) لصالح عمر, الذي
لديه كل الحق في رفض ومقاومة تنفيذ أوامر النبي(ص) لأنه أفضل منه رأياً. وينصاعُ
النبي(ص) لعمر بعد أن يدرك خطأه!
وأما الحقيقة فهي أن الرواية مصممة لإعطاء الحق للخليفة عمر بن الخطاب
بالذات, وغيره من الخلفاء بشكل عام, لمخالفة بعض تعليمات النبي(ص) متى ما شاء, على
أساس المنفعة والمصلحة. الرواية تؤسس لهذا المنهج.
وفي سبيل ذلك الهدف, لم يرَ الرواة بأساً في تقويل رسول الله(ص) قولَ
المُعَطِلة ( الإيمان في القلب يكفي, ولا داعي للعمل) , ولا في إظهاره بمظهر
التابع لعمر.
وليس مفهوماً ما علاقة نعليّ رسول الله(ص), الذين أعطاهما لأبي هريرة, بالموضوع
كله.
أخلاق
النبي قبل البعثة
هناك اتجاهٌ , أمويُ المنشأ , لتصوير رسول الله(ص) قبل
بعثته وكأنه كان رجلاً عادياً كغيره من العرب, سادراً في غيّه وضلالِه , مشاركاً
قومَه في أخلاقهم وعاداتهم, واستمر على ذلك إلى أن أرسل الله إليه الملاك جبريل
بالوحي, فتغيّرَ وأصبح بعد ذلك يتصف بخلُق النبوة!
ومن الأمثلة على ذلك الاتجاه, ما رواه ابن سعد في
الطبقات الكبرى بشأن زيد بن عمرو بن نفيل . فقد ذكر أن زيداً في الجاهلية كان يتبع
دينَ ابراهيم ويوحّد الله ويتنزه عن ما تمارسه قريشٌ من طقوس وثنية, فيرفض أن يأكل
مما ذبح باسم الأصنام . ثم ذكر ابن سعد حادثة حصلت بين زيد ومحمد(ص). فقد روى عن عبد الله
بن عمر أن الرسول(ص) " لقي زيدَ بن عمرو بن نفيل بأسفل بلد, وذلك قبل أن
ينزل على رسول الله الوحي.
فقدّم إليه رسولُ الله سفرة فيها لحم.
فأبى أن يأكل منها.
ثم قال : إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم. ولا آكل
مما لم يذكر اسم الله عليه"[24]
وحتى الإمام النسائي انطلت عليه هذه الرواية. بل إنه تمادى فزاد عليها
تصريحاً جلياً بأن رسول الله(ص) كان بالفعل يضحي ويذبحُ للأصنام! وقد جاء في روايته على لسان زيد بن
حارثة " خرجَ رسول الله(ص) وهو مُردِفي إلى نُصُبٍ من الأنصاب , فذبحنا له
شاة, ثم صنعناها له حتى إذا نضجت جعلناها في سُفرتنا..."[25]
ثم يذكر كلام زيد له.
وتهدف هذه الرواية إلى تصوير رسول الله(ص) بأنه كان,
كغيره من الناس, لا يأنف أن يأكل مما ذبح باسم الأصنام! وأن زيد بن عمرو بن نفيل
كان لديه من فطرة نبذ الشرك بالله ما يفوق محمد(ص).
الذين " يتنزهون " عن فِعل النبي !
يبدو أن رسول الله(ص) كان يلاحظ أولئك النفر من أصحابه
الذين وصل بهم الاعتداد بأنفسهم وآرائهم إلى حد تجاوز فتاوى الرسول(ص) حتى في
شؤون العبادات! فكانوا يترفّعونَ عن التأسّي به والأخذِ برُخَصِه , حتى طفحَ
به الكيل فاضطرّ أن يذكرهم بأنه نبيٌ مرسلٌ من الله !
روى البخاري
" قالت عائشة : صَنعَ النبيّ (ص) شيئاً فترَخّصَ فيه.
فتنزه عنه قومٌ.
فبلغَ ذلكَ النبي(ص) , فخطبَ فحمد الله ثم قال : ما
بال أقوامٍ يتنزهونَ عن الشيئ أصنعه؟! فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدّهم له
خشية "[26]
وقال ابن حجر العسقلاني[27]
في معرض شرحه لهذا الحديث أنه لم يعرف أسماء هؤلاء الأشخاص الذين قرروا أن فِعلَ
الرسول(ص) وسنته لا يليق بهم, لأنهم أحرص منه وأكثر فهماً لما هو صائبٌ من
العبادات! وقال ابن حجر إن الحافز وراء قول الرسول(ص) هذا, أن البعض من الصحابة
رأوا أنه لا يجوز للمرء الصيام إذا أصبحَ جُنباً إلاّ بعد أن يغتسل, رغم علمهم بأن
الرسول(ص) قد رخّصَ في ذلكَ وأباحَه! مما اضطرّه إلى تذكيرهم بأنه هو, لا هم, مَن
يعلم أحكامَ الله أكثرَ من غيره.
والغريب أن ابن حجر قد جعل من ذلك الفعل من الصحابة فضيلة لهم ! فقال
إن ذلك الموقف يشير إلى" شدة رغبة الصحابة في العبادة وطلبهم الازدياد من
الخير", بحيث أنهم لا يريدون رخصة النبي(ص).
أكذوبة الغرانيق
العُلى
وملخص هذه القصة هو أن رسول الله(ص) جلسَ مع كبار المشركين في مكة, وكان حينذاك يتمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقرّب بينه وبين قومه لأنه
شقّ عليه رفضهم لدينه, فأنزل الله عليه سورة النجم, فقرأها,
حتى إذا بلغ قوله تعالى ( أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ) وسوَسَ
إليه الشيطانُ فألقى على لسانه جملتين مما كان يحدّث به نفسه , فقرأهما ظاناً أنهما من جملة الوحي ,
وهما ( تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهنّ لترتجى )!
ففرحَ
بذلك المشركون كثيراً وقالوا إن محمدا(ص) قد ذكرَ
آلهتهم بخير. ثم مضى الرسول(ص) في قراءة السورة حتى إذا بلغَ السجدة, فسَجدَ, وسجَدَ معه المسلمون والمشركون أيضاً, إلى درجة
أن الوليد بن المغيرة– الذي كان طاعناً
في السن – لم يتمكن من السجود فرفع تراباً إلى جبهته وسَجدَ
عليه!
فشاعَ خبر
المصالحة بين محمد(ص) وقومه في مكة وما حولها حتى وصلَ
إلى المسلمين الذين كانوا قد هاجروا إلى الحبشة!
ولكن جبريل جاءه بعد ذلك وأخبره إن تلك الفقرتين ليستا من وحي الله , وقال له " يا محمد ماذا صنعتَ؟ لقد تلوتَ على
الناس ما لم آتكَ به عن الله عز وجل! وقلتَ ما لم يقل لك! "
ولما حزن
الرسول(ص) كثيراً لهذا الذي حصل, أنزل الله أخيراً نسخاً لتلك الجملتين التين ألقاهما
الشيطان على لسانه, فصحّحَ الرسول (ص) سورة النجم بقوله ( ألكم الذكر وله الأنثى؟
تلك إذاً قسمة ضيزى. إن هي إلاّ أسماءٌ سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من
سلطان. إن يتبعون إلاّ الظن وما تهوى الأنفس....)
" فسمعَ
مَن كان بأرض الحبشة من المهاجرين أن أهل مكة قد أسلموا كلهم فرجعوا إلى عشائرهم
وقالوا هم أحبّ إلينا فوجدوا القومَ قد ارتكسوا حين نسخَ الله ما ألقى الشيطان"[28]
وقد أخرج الكثير من المفسرين هذه القصة
في معرض شرحهم لآية سورة الحج ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلاّ إذا تمنى ألقى
الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته...), ومنهم
مثلاً الإمام السيوطي[29]
في الدر المنثور الذي استفاض فيها برواياتٍ
كثيرة جداً وبأسانيد عديدة.
وليس هناك أكثر
قبحاً من هذه الرواية. لأنها ببساطة تظهر أن محمداً (ص) هو الذي يخترع الوحي من
عنده, فيروي للناس ما يشاء ثم يغيّر ما يشاء وينسب ذلك تارةً للشيطان وتارةً لله!
وما هو معلومٌ
بالضرورة من سيرة النبي(ص), وما هو ثابتٌ ومؤكد, أن رسول الله(ص) كان ثابتاً في
منهاجه, صلباً لا يلين , وخاصة فيما يتعلق بأسس عقيدة التوحيد ونبذ الأصنام.
[1] سنن أبي داود (ج2 ص176). وكذلك
مسند الإمام أحمد (ج2 ص162). ولم يصرّح عبد الله بن عمرو بأسماء
الأشخاص من قريش الذين نهوه عن رواية حديث النبي(ص). ولكن يمكن التخمين أن عمر بن
الخطاب كان هو الذي نهاه, اعتماداً على مواقفه وسيرته.
[3] صحيح مسلم كتاب
الفضائل باب وجوب امتثال ما قاله شرعا (ص897)
[4] صحيح مسلم كتاب
الفضائل باب وجوب امتثال ما قاله شرعا (ص896)
[7] هذا الحديث والذي قبله من صحيح مسلم,
باب من لعنه النبي(ص) أو سبّه أو دعا عليه, وليس هو أهلا لذلك كان له زكاة وأجرا
ورحمة ( ص977)
[10] فمثلا ذكر الإمام البخاري
في التاريخ الصغير ج1 ص125 أن معاوية بن أبي سفيان أجاب مرة مَن استنكر
عليه إعلاءَ منصب أبي الأعور السلمي في دولة معاوية وهو الذي لعنه الرسول(ص) يوم
غزوة الأحزاب بقوله " أنا أشهد سمعت رسول الله(ص) يقول : أيما أحد لعنته في
الجاهلية ثم دخل في الإسلام, فإن لعنتي عليه صلاة وهي له زكاة"
[11] وعلى سبيل المثال أورد ابن
الأثير في أسد الغابة ج2 ص34 خبر لعن الحكم بن أبي العاص – جد الخلفاء الأمويين -
على لسان أم المؤمنين عائشة, حين غضبت يوما على مروان بن الحكم فقالت له " أما أنت يا
مروان فأشهد أن رسول الله(ص) لعن أباك وأنت في صلبه". وكذلك روى السيوطي في تاريخ الخلفاء ص246.
وأورد الإمام أحمد في مسنده ج2 ص163 وصفَ الحكم على لسان رسول الله(ص) بأنه لعين.
[13] صحيح البخاري باب هل
يعفى الذمي إذا سحر (ج4 ص123)
[15] صحيح مسلم باب فضل
الغزو في البحر( ص739)
[16] صحيح البخاري , كتاب التفسير , سورة براءة (ج6 ص85) . وكذلك ورد الحديث في باب الكفن في القميص الذي
يكفّ أو لا يكفّ ومن كفّن بغير قميص (ج2 ص97 )مع اختلاف يسير في الألفاظ , ومنها
قول عمر " أليس الله نهاك أن تصلّي على المنافقين؟" وأن عمر
"جذبه". وأيضا ورد نفس الحديث في سيرة ابن هشام (ج4 ص168).
[20] صحيح البخاري باب خروج
النساء إلى البراز, كتاب الوضوء ج1 ص46
[22] صحيح مسلم كتاب الايمان ص38. وقد ورد الحديث في صحيح البخاري ج4 ص67 كتاب
فضل الجهاد والسير , باب حمل الزاد في الغزو, وفيه أن عمر قال للرسول(ص) ما بقاؤهم
بعد إبلهم؟
[23] صحيح مسلم (كتاب الايمان ص40). ويقتطع دوننا : يصيبه
مكروه من العدو. والحائط: البستان المسوّر. وركبني عمر : لحقني.
[25] " فضائل الصحابة "
للإمام النسائي (ص26). وهذه الرواية
ذكرها أيضاً الذهبي في سير أعلام
النبلاء (ج1 ص134).
[26] صحيح البخاري (ج8 ص31 ) باب مَن لم يواجه الناس
بالعتاب. وفي رواية اخرى للبخاري في كتاب
الايمان (ج1 ص11 )باب قول النبي(ص) أنا أعلمكم بالله , أن رسول الله غضبَ من
هؤلاء حتى عرف الغضب في وجهه.
[29] تفسير الدر المنثور للسيوطي (ج4 ص367-368). وقد ذكرَ
الإمام البخاري في صحيحه باب سورة
النجم (ج6 ص177 )أصلَ
القصة وروى سجودَ
المشركين وراء النبي(ص) ولكن دون أن يذكر الغرانيق العلى ولا وسوسة الشيطان