أبو هريرة : الراوي الأعظم للحديث النبوي !



مَن هو ابو هريرة؟
هو من قبيلة دَوس في اليمن, ولكن اسمه ونسَبَه مختلفٌ عليه.
قال ابن الأثير " وقد اختلف في اسمه اختلافاً كثيراً لم يختلف في اسم آخر مثله ولا ما يقاربه
فقيل اسمه عمير بن عامر
وقيل عبد الله بن عامر
وقيل بربر بن عشرقة
ويقال سكين بن دومة
وقيل عبد الله بن عبد شمس
وقيل عبد شمس
وقيل عبد غنم
وقيل عبد عمرو بن عبد غنم
وقيل كان اسمه في الجاهلية عبد شمس وفي الإسلام عبد الله أو عبد الرحمن"
وهو معروفٌ بكنيته. وذكر هو سبب هذه الكنية :
" قال : كنتُ أرعى غنمَ أهلي, وكانت لي هريرة صغيرة. فكنت أضعها بالليل في شجرةٍ, فإذا كان النهار ذهبتُ بها معي فلعبتُ بها , فكنّوني أبا هريرة"[1]

وقال عنه ابن حجر العسقلاني " وقد اختلِفَ في اسمه اختلافاً كثيرا.
قال ابن عبد البر : لم يختلف في اسم في الجاهلية والإسلام مثلما اختلف في اسمه. اختلف فيه على عشرين قولاً.
وسرد ابن الجوزي في التلقيح منها ثمانية عشر.
وقال النووي : تبلغ أكثر من ثلاثين قولاً"[2]
 


كمية حديثه ومقارنته مع غيره وتصنيفه بين الصحابة

يتصدّر أبو هريرة بلا منازع قائمة الصحابة الذين رووا أحاديث عن الرسول (ص) . فقد جاء في مقدمة كتاب الإصابة لابن حجر[3]  ذكر الأحاديث الإجمالية التي رويت عن الصحابة, وخاصة المكثرين منهم , كما يلي :
أبو هريرة          :      5364  حديثاً  ( منها 446 في البخاري و 585 في مسلم )
عبد الله بن عمر   :      2630
أنس بن مالك      :     2286
السيدة عائشة      :     2210
عبد الله بن عباس :      1660
جابر بن عبد الله  :      1540
أبو سعيد الخدري :      1170
عبد الله بن مسعود :     848
عبد الله بن عمرو  :     700

والملاحظة العامة على هذه القائمة هي أن معظم الذين تصدروا الرواية عن رسول الله(ص) ليسوا من مسلمي الطبقة الأولى الذين كان لهم احتكاك حقيقيٌ برسول الله(ص). فباستثناء عبد الله بن مسعود, الذي كان من السباقين للإسلام , وباستثناء عائشة التي تزوجها الرسول(ص) في السنة الثانية للهجرة, فإن البقية من الذين رووا آلاف الأحاديث كانوا إما غلماناً يافعين حين توفي الرسول(ص) , أو من ذوي الإسلام المتأخر جداً, ممن كانوا بعيدين كثيراً عن الدائرة المحيطة برسول الله(ص)من المهاجرين والأنصار.
وقد دفعت هذه الحقيقة الشيخ المصري الأزهري محمود أبو رية إلى تأليف كتابٍ خاص عن أبي هريرة أسماه "شيخ المضيرة", وضّح فيه[4] أن أبا هريرة قدِمَ من بلاده (اليمن) على النبي(ص) وهو بخيبر ( بعد فتحها )  سنة 7 هجرية, وأنه أقام مع أهل الصفة في المدينة المنورة من شهر صفر سنة 7  لغاية شهر ذي القعدة سنة 8 ( أي أن إقامته بقرب مسجد الرسول(ص) كانت فقط سنة واحدة وتسعة أشهر فقط ).
 وبعدها كان أبو هريرة من ضمن بعثة العلاء بن الحضرمي التي أرسلها رسول الله(ص) إلى البحرين, وبقي فيها إلى ما بعد وفاة الرسول(ص) بوقتٍ طويل.

ورغم هذه الحقيقة, فإن أبا هريرة روى وحده أربعة أضعاف ما رواه الخلفاء الأربعة مجتمعين! فمجموع ما رُوي عن الخلفاء الأربعة من أحاديث هو كما يلي[5] :
-         أبو بكر : 142 حديثا ( منها 5 في صحيح مسلم )
-         عمر بن الخطاب : 539 حديثا( منها 41 في صحيح مسلم )
-         عثمان بن عفان : 146 حديثا ( منها 16 في صحيح مسلم )
-         علي بن أبي طالب : 586 حديثا ( منها 32 في صحيح مسلم , و19 في صحيح البخاري )

وفيما يلي عرضٌ موجزٌ لما روته مجموعة أخرى من كبار صحابة الرسول (ص) من أحاديث[6] :
-         الزبير بن العوام : له 9 أحاديث في البخاري وحديث في مسلم
-         عبد الرحمن بن عوف : له 9 أحاديث في البخاري
-         أبي بن كعب : له في الكتب الستة نيف وستون حديثا, منها 3 في البخاري و 7 في مسلم
-         سلمان الفارسي : أخرج له البخاري 4 أحاديث ومسلم 5
-         طلحة بن عبيد الله : روى له البخاري 4 أحاديث
-         زيد بن ثابت : له في كتب السنة 92 حديثا, اتفق الشيخان على خمسة منها وانفرد البخاري بثمانية
-         معاذ بن جبل : له في البخاري 6 أحاديث

وأما أبو ذر الغفاري, فله 181 حديثا, اتفق البخاري ومسلم على 12 منها, وانفرد مسلم بتسعة عشر , وانفرد البخاري بحديثين.
وأما فاطمة الزهراء فلها 18 حديثا فقط, منها حديث واحدٌ متفق عليه.[7]

وتلك حقيقةٌ مذهلة بكل المقاييس!

وقد جاء في كتاب شيخ المضيرة[8] أن الصحابة قسّموا إلى 12 درجة وهي :
1-   قدماء الصحابة الذين أسلموا بمكة ( كالخلفاء الأربع)
2-   الذين أسلموا قبل تشاور أهل مكة دار الندوة
3-   مهاجرة الحبشة
4-   أصحاب العقبة الأولى
5-   أصحاب العقبة الثانية
6-   أول المهاجرين الذين وصلوا إلى النبي بقباء قبل أن يدخل المدينة
7-   أهل بدر
8-   المهاجرون بين بدر والحديبية
9-   أهل بيعة الرضوان
10-                       مَن هاجر بين الحديبية وفتح مكة ( كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص)
11-                       مسلمة الفتح ( كمعاوية )
12-                       صبيان وأطفال رأوا النبي يوم الفتح وحجة الوداع
وأضاف الشيخ أبو رية معلقاً على وضعية أبي هريرة من هذه الطبقات : " فما وجدناه في واحدة منها " .

خلفية أبي هريرة وقدومه إلى المدينة وحاله فيها

لقد كان أبو هريرة من أهل الصفة. وهؤلاء هم المساكين الذين كانوا يأتون ليعيشوا في المدينة عالة على رسول الله(ص), الذي كان يجود على أولئك الوافدين بالطعام. ومعظم هؤلاء كانوا أشخاصاً من شتى أنحاء الجزيرة العربية, من الأعراب وقبائل عديدة, علموا بانتصارات النبي(ص) المتتالية وبأن هناك سلطة مركزية بدأت بالتشكل في جزيرة العرب, فقرروا اللحاق بها والانخراط في صفوفها لعلها تنقذهم من  حياة البؤس الشديد التي كانوا يعانون منها في مناطقهم الأصلية.

وقد عرّف الصفة ابنُ سعد كما يلي " كان أهل الصفة ناساً من أصحاب رسول الله(ص) لا منازلَ لهم. فكانوا ينامون على عهد رسول الله(ص) في المسجد ويظلون فيه, ما لهم من مأوى غيره. فكان رسول الله(ص) يدعوهم إليه بالليل إذا تعشّى, فيفرّقهم على أصحابه وتتعشى طائفة منهم مع رسول الله(ص)" [9] .

 وقد وصف أبو هريرة نفسُه حاله عند قدومه المدينة بقوله : " لقد  رأيتني وإني لأخرّ فيما بين منبر رسول الله(ص) الى حجرة عائشة مغشياً عليّ, فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون. وما بي من جنون. ما بي إلاّ الجوع"[10]

 ولا عيبَ أن يكون الإنسان الشريف فقيرَ الحال, ولكنّ العيبَ أن يكون اتّكالياً كارهاً للعمل, تقبل نفسه حياة الاستجداء بلا كرامة. وأبو هريرة نفسه روى عن النبي(ص) أنه قال " والذي نفسي بيده! لأن يأخذ أحدكم حبلة فيحتطب على ظهره خيرٌ له من أن يأتي رجلاً أعطاه الله من فضله, فيسأله , أعطاه أو منعه"[11].

والمشكلة أن هؤلاء الوافدين كانوا في بعض الأحيان يطالبون الرسولَ(ص) بأطايب الطعام! ولكن من أين يأتي لهم الرسول(ص) بملذات الأكل إذا كان هو نفسه متواضعاً جداً ولا يأكل إلاّ ما تيسّر ؟!
من المفيد التأمل في هذا النص الذي أورده ابن شبة النميري في تاريخ المدينة:
" هذا طلحة بن عمرو النضري قال : كان مَن قدِم المدينة فكان له بها عريفٌ نزل على عريفه, ومَن لم يكن له بها عريف نزل الصفة. فكنت فيمن نزل الصفة , فوافقت رجلين, فكان يجري علينا في كل يوم مدّ من تمر من رسول الله.
 فانصرف النبي فناداه رجلٌ من أهل الصفة : يا رسول الله ! أحرقَ التمر بطوننا ! وتخرقت علينا الخنف! فقام النبي إلى منبره, فحمد الله وأثنى عليه , وذكر ما لقي من قومه, حتى أن كاد ليأتي عليّ وعلى صاحبي بضعة عشر يوماً ما لنا طعام إلاّ البربر.
 فقدمنا على إخواننا من الأنصار – وجلّ طعامهم التمر – فواسونا. فلو أجد لكم الخبز واللحمَ لأطعمتكم" [12]

لقد اضطر الرسول(ص) هنا أن يشرح لهؤلاء الساكنين في الصفة كيف أنه هو شخصياً قاسى وعانى الأمرين من قومه , وواجه الجوع حتى هاجر من بلاده مضطراً. يريد الرسول(ص) هنا أن يؤدّب هؤلاء الذين ليس لهم من عملٍ في الحياة سوى الاستجداء ويلفت نظرهم إلى أن عليهم شكر النعمة, وليس وضع شروط على الصدقة!

وقد أورد الذهبي حادثة تشير إلى مدى البؤس الذي كان يعانيه أهل الصفة , وكذلك إلى الكرم الهاشمي الأصيل الذي كان يميز جعفر بن أبي طالب, وكيف كان يحسن إلى الشحاذين والمساكين فيطعمهم كل ما يوجد في بيته, فإن لم يجد شيئا يُخرج لهم حتى الآنية الفارغة ليلعقوا عنها آثار الطعام بألسنتهم :
" عن أبي هريرة قال : كنا نسمي جعفراً أبا المساكين. كان يذهب بنا إلى بيته, فإن لم يجد لنا شيئا, أخرج إلينا عكة أثرها عسل, فنشقها ونلعقها"[13]





رأي عمر بن الخطاب بأبي هريرة

وبعد وفاة الرسول(ص) لم يكن لأبي هريرة أيّ ذكرٍ بين المسلمين. ولم يكن يجرؤ على الرواية عن الرسول(ص) في عهد الخلفاء الأربعة. والسبب ببساطة هو أنه كان يعرف قدرَ نفسه . فمن سيستمع إلى أبي هريرة مع وجود السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار على قيد الحياة؟!
وقد هدده عمر بالنفي لما علم ببدء محاولاته لإشاعة أحاديث عن النبي(ص) لأنه لم يَرَه أهلاً لذلك :
" لما بلغ عمرَ رضي الله عنه أن أبا هريرة يروي ما لا يعرف قال : لتكفّنّ عن هذا أو لألحقنّك بأرض دوس" [14]

  وقد كان أبو هريرة من ضمن الذين شكّ عمر بن الخطاب في ذمّتهم المالية وقرر أن يصادر نصف أموالهم التي قدّر أنهم اكتسبوها بطرق غير مشروعة أثناء توليهم المنصب الرسمي .
 فقد روى اليعقوبي في ذكر حوادث سنة 23 :
" وشاطرَ عمر جماعة من عمّاله أموالهم , قيل : إن فيهم سعد بن أبي وقاص عامله على الكوفة, وعمرو بن العاص عامله على مصر, وأبا هريرة عامله على البحرين, والنعمان بن عدي بن حرثان عامله على ميسان, ونافع بن عمرو الخزاعي عامله على مكة ويعلي بن منية عامله على اليمن, وامتنع أبو بكرة من المشاطرة وقال : والله لئن كان هذا المال لله فما يحل لك أن تأخذ بعضاً وتترك بعضاً, وإن كان لنا فما لك أخذه"[15]

وقد أورد ابن أبي الحديد المزيد من التفاصيل عن الحوار الذي جرى بين عمر وأبي هريرة عندما عزله :
" وصادر أبا هريرة وأغلظ عليه. وكان عامله على البحرين.
فقال له : ألا تعلم أني استعملتك على البحرين  وأنت حافٍ لا نعلَ في رجلك؟ وقد بلغني أنك بعتَ أفراساً بألفٍ وستمائة دينار!
قال أبو هريرة : كانت لنا أفراسٌ فتناتجت.
فقال : قد حبستُ لك رزقك ومؤنتك. وهذا فضل.
قال أبو هريرة : ليس ذلك لك.
قال : بلى والله! وأوجِعُ ظهرَك! ثم قام إليه بالدرة فضرب ظهره حتى أدماه.
ثم قال : ائتِ بها.
فلما أحضرها قال أبو هريرة : سوف أحتسبها عند الله.
قال عمر: ذاك لو أخذتها من حلّ, وأدّيتها طائعاً! أما والله ما رَجَت فيك أميمة أن تجبي أموال هجرٍ واليمامة وأقصى البحرين لنفسك, لا لله ولا للمسلمين.
ولم ترجُ فيك أكثر من رعية الحمر!
 وعَزَله"[16]  

وجديرة بالملاحظة تلك اللغة القاسية, بل والجارحة, التي يستعملها عمر مع أبي هريرة, التي وصلت إلى حدّ قوله له إنه لا يصلح إلاّ لرعي الحمير!

علاقة أبي هريرة ببني أمية

 وفيما يلي كلمة للشيخ أبي رية حول علاقة أبي هريرة مع بني أمية :

"أنه لما رأى أن بني أمية قد وثبوا على الحكم, وقبضوا على زمامه, بعد مقتل علي رضي الله عنه, وأنهم قد أصبحوا ملوكاً على بلاد المسلمين, بيدهم الأمر والنهي, والحل والعقد, والرفع والخفض, اندفع بسائق من طبيعته إلى انتهاز هذه الفرصة التي سنحت لبغاة المغانم وطلاب الرغائب, ولم يلبث أن رنا إلى غرض وضَعَه نصب عينيه, وآلى على نفسه ليبلغنّه بأية وسيلة حتى يصل إليه : وهذا الغرض أن يتخذ له مكاناً في هذه الدولة الجديدة, يجعل له شأناً بين الناس, بعد أن كان مغموراً في زمن النبي وخلفائه الأربعة, وبذلك يتمكن من أن يشارك في أسلابها ويساهم في مغانمها- وأنى له ذلك وهو يومئذ في الساقة من عامة الصحابة ليس له شأنٌ يذكر ولا عملٌ يؤثر؟ فلم يكن من دهاة السياسة ولا من أبطال الحروب, وليس هو بشاعر ولا خطيب , ممن تحتاج إليهم الدولة إبان نشأتها, وبخاصة مثل دولة بني أمية الباغية التي قامت على أساس غير سليم, وسارت في طريق غير مستقيم.
من أجل ذلك كان عليه هو – بما يعرف من نفسه – أن يطلب لهذا الأمر ويتخذ له السبيل التي تنتهي به إلى مبتغاه. فوجد أن هذه الدولة الناشئة – وإن كانت قد أقامت بناءها على قواعد من الدهاء والمناورة والظلم والبغي – بحاجةٍ شديدةٍ إلى دعم هذا البناء حتى لا ينهار, فيخرج الناس عليهم وينفضّوا من حولها, ويخلعوا أيديهم من طاعتها.
 ولا يكون ذلك إلاّ بأسانيد قوية تحميها من العوادي. وإن أقوى هذه الأسانيد بعد القوة المادية ولا ريب, أن تكون من قبل الشخصية العظمى التي تعنو لها الجباه, وتخضع لها الرقاب. تلك هي شخصية محمد (ص). فيروي لها من أحاديثه ما يؤيدها ويشد أزرها. وقد كان الحديث النبوي يومئذ – وإلى اليوم – أقوى سلاح وأشده في سبيل تأييد الدعوات والادعاءات! سواء للأفراد أو للجماعات في البلاد الإسلامية كافة.
ولما أحكمَ هذا الرأي, وتمثلت له هذه الحقيقة, أخذ على نفسه أن يعدّ هو هذا السلاح لدولة بني أمية, ويكفيهم مؤونته, فيمدّهم بالأحاديث التي تؤيدهم, وتصرف وجوه الناس عن عدوهم – وعدوهم حينئذ كان علياً رضي الله عنه.
وقد أعانه على ذلك أن أحاديث الرسول لم تكن مدونة ومحفوظة كالقرآن الكريم بحيث لا يستطيع أحدٌ أن يزيد فيها أو ينقص منها. وبذلك كان باب (الوضع) مفتوحاً على مصراعيه, يدخل فيه كل من أراد الوضع. ثم ساعده كذلك أن كبار الصحابة الذين يخشاهم , كانوا قد ماتوا في عهد معاوية, وبخاصة عمر الذي منعه من الرواية وأنذره بالنفي إلى بلاده, إذا هو روى, وكان يضربه بدرّته لرواية الحديث, حتى صرّح أبو هريرة نفسه بأنه ما كان يستطيع أن يروي الحديث وعمر حي."[17]

علاقة أبي هريرة مع معاوية أيام حربه ضد الإمام عليّ

رضي أبو هريرة لنفسه أن يكون مرسالاً لمعاوية بن أبي سفيان إلى الإمام عليّ قبيل معركة صفين. وفي تلك الفترة كان معاوية حريصاً جدا على أن يطرح نفسه كصاحب مطلبٍ بسيطٍ وشرعيّ وهو القصاص من قتلة عثمان, ولم يكن حينها معاوية قادراً بعد على إعلان نفسه كخليفةٍ منافس لعليّ. وكان معاوية في مرحلة حشد أهل الشام خلفه ودفعهم للقتال معه ولذا كان يريد أن يثبت لهم أن علياً قتل عثمان, والدليل أنه يرفض تسليم قاتليه. وكان معاوية بحاجة إلى شهودٍ له على ذلك, وبالتالي فأن أبا هريرة كان مناسباً للقيام بهذا الدور لأن معاوية سيقول لعموم جماعته : هذا أحد أصحاب رسول الله يشهد على عليّ! ولست أنا وابن العاص فقط مَن يقول بذلك.
 قال معاوية لأبي هريرة وأبي الدرداء لما قدما عليه:
 " لستُ أزعم أني أولى بهذا الأمر من عليّ . ولكني أقاتله حتى يدفع إليّ قتلة عثمان .
فقالا : إذا دفعهم إليك ماذا يكون؟
قال : أكون رجلاً من المسلمين. فأتيا علياً فإن دفع إليكما قتلة عثمان جعلتها شورى "
وطبعاً كان معاوية يعرف جوابَ عليّ الأكيد على هذا المطلب.
وهكذا إذن ذهب أبو هريرة إلى الإمام عليّ يطالبه ليس فقط بتسليم "قتلة عثمان" ولكن أيضا بالتنحّي عن الحكم وجعلها شورى (شورى قريش بالتأكيد )!
ولمّا رفض الإمام عليّ طبعاً, عاد أبو هريرة إلى الشام بالأخبار التي يمكن لمعاوية أن يستغلّها على أحسن وجه في دعايته الموجهة لعامة أهل الشام.
 وقد أثار هذا الدور الذي لعبه أبو هريرة استياء الكثيرين من أصحاب الضمير الحي , حتى من أهل الشام أنفسهم! فيروي صاحب الإمامة والسياسة :
" وإن أبا هريرة وأبا الدرداء انصرفا إلى منزلهما بحمص. فلما قدما حمص لقيهما عبد الرحمن بن عثمان (الأشعري ) فسألهما عن مسيرهما فقصّا عليه القصة.
 فقال : العجب منكما أنكما من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما والله لئن كففتما أيديكما فما كففتما ألسنتكما. أتأتيان علياً وتطلبان إليه قتلة عثمان وقد علمتما أن المهاجرين والأنصار لو حرّموا دم عثمان نصروه, وبايعوا علياً على قتلته, فهل فعلوا ؟ وأعجب من ذلك رغبتكما عمّا صنعوا, وقولكما لعليّ : اجعلها شورى واخلعها من عنقك! وإنكما لتعلمان أن مَن رضي بعليّ خيرٌ ممن كرهه, وأنّ مَن بايعه خيرٌ ممن لم يبايعه. ثم صرتما رسولي رجل من الطلقاء لا تحلّ له الخلافة"[18] 

*****

ورغم أن أبا هريرة لم يشترك في معركة صفين مباشرة, إلاّ أن ابنه قام بالمهمة على أكمل وجه! فكان بلال بن أبي هريرة من ضمن قوات معاوية. ويبدو أنه كان فعّالاً ومخلصاً فعيّنه معاوية قائداً لرجّالة الميسرة.[19]

*****
ورغم أن العلاقة التنظيمية بين معاوية وأبي هريرة قد تبلورت ورسخت بعدما انفرد بمقاليد الحكم, إلاّ أنها في الواقع قد بدأت حتى أيام كان عليّ لا زال على قيد الحياة.
فقد ذكر ابن أبي الحديد[20] أن بسر ابن أرطأة القرشيّ  - المبعوث من قبل معاوية - في نهاية غزوته الوحشية على المدينة المنورة ولّى أبا هريرة على المدينة حين انصرف عنها, وأمرَ أهلها بطاعته وحذرهم من عصيانه , فكان يصلّي بهم .
وذكر الطبري[21] أنه لما جاءهم جارية ابن قدامة  من قبل أمير المؤمنين عليّ في ألفي فارس, وأبو هريرة يصلّي في الناس , هربَ من وجهه.  فقال جارية: " لو أخذتُ أبا سنور لضربتُ عنقه".
 وبلغ جارية وهو في الحجاز استشهاد أمير المؤمنين عليّ في الكوفة , فأخذ البيعة من أهل المدينة للحسن بن عليّ ثم عاد إلى الكوفة, فرجع أبو هريرة يصلّي بالناس.


المنصب الرسمي لأبي هريرة

ولما تمّت سيطرة معاوية على مقاليد الحكم , اعتمَدَهُ كراويةٍ رسميّ للحديث النبوي في دولته الأموية, وكان يجمع الناسَ ليسمعوا له طوال الليل!
" تواعدَ الناس ليلةً من الليالي قبّةً من قبابِ معاوية, فاجتمعوا فيها. فقام أبو هريرة يحدّثهم عن رسول الله(ص) حتى أصبحَ "[22]

وقد وصفَ أحدهم حالَ أبي هريرة, مستمتعاً بمنصبه, وهو يؤدّي دوره الرسمي كمحدّثِ عن رسول الله(ص):
" ... وهو على سريرٍ له, وأسفل منه جاريةٌ له سوداء, ومعه كيسٌ فيه حصى أو نوى يقول سبحان الله سبحان الله, حتى إذا أنفذ ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته فجعلته في الكيس ثم دفعته إليه. فقال لي ألا أحدّثكم عني وعن رسول الله(ص) ؟ ..."[23]

وحرص الأمويون على دعم محدّثهم الرسمي أبي هريرة. فأشاعوا عنه أن أحاديثه صحيحة ودقيقة, وأنه كان يتمتع بذاكرةٍ فريدةٍ من نوعها تجعله مؤهلاً ليروي ذلك الكمّ الضخم من الأحاديث عن النبي(ص) , وهو الذي لم يخالطه سوى فترة قصيرة.
فقد روى ابن عساكر عن كاتب مروان بن الحكم " إن مروان أرسلَ إلى أبي هريرة. فجعلَ يسأله.
وأجلسَني وراء الستر , أكتبُ عنه.
حتى إذا كان في رأس الحول, أرسلَ إليه فسأله, وأمرَني أن أنظر.
فما غيّر حرفاً عن حرف"[24]
وهكذا يريد مروان بن الحكم أن يقول للرعية إن أبا هريرة ثقة وحافظ, إلى درجة أنه لما سجّل أحاديثه وراجعه بها بعد سنةٍ كاملة, لم يغيّر منها حرفاً




مناصب إدارية لأبي هريرة

ولم يكتفِ معاوية بذلك المنصب الإعلاميّ الرفيع الذي منحه لأبي هريرة, بل كان يتجاوز ذلك إلى تعيينه في مناصب إدارية عليا في دولته. وقد بلغ من علوّ شأنه عند معاوية أنه كان يُداول منصبَ والي المدينة بينه وبين ابن عمه مروان بن الحكم[25]! ومروان شخصيةٌ مركزيّةٌ في دولة بني أمية في عهد معاوية , وما بعد معاوية, وكون معاوية داوَلَ منصبَ ولاية المدينة بينه وبين أبي هريرة يشير إلى مدى الثقة التي كان معاوية يضعها في راويته أبي هريرة! وحتى عندما يكون مروان والياً فإن أبا هريرة هو نائبه[26].
وقد روى اليعقوبي أن أبا هريرة هو الذي صلى على عائشة لما توفيت عام 58 للهجرة, بحكم منصبه يومذاك "وكان خليفةً على المدينة "[27]

وجديرٌ بالذكر أن الداهيتين , معاوية ومروان, كانا يجيدان التعامل مع أبي هريرة , ويدركان أهمية إعطائه من النّعم والأموال حتى يستمر في أداء دوره المطلوب. وكان أبو هريرة بدوره يدرك مدى أهميته لديهما, ولا يتوانى عن تذكيرهما بأنه يملك سلاحاً مهماً , سلاح الرواية عن رسول الله(ص), إذا ما بدر منهما تقصيرٌ بشأنه![28] , والأحاديث التي يرويها عن النبي(ص) كانت احيانا مرتبطة بحالة أبي هريرة النفسية ودرجة رضاه في تلك اللحظة عن الحاكمين!  
فمثلاً جاء في صحيح البخاري عن عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي عن جده " كنت مع مروان وأبي هريرة فسمعت أبا هريرة يقول : سمعت الصادق المصدوق يقول : هلاك أمتي على يدي غلمةٍ من قريش.
فقال مروان : غلمة؟
 قال أبو هريرة : إن شئتُ أن أسمّيهم بني فلان وبني فلان"[29]
وهنا لا بدّ من ملاحظة : أن أبا هريرة قد تصرّفَ بالحديث النبوي , الذي قال أنه سمعه من النبي(ص). فالأمانة كانت تقتضي أن ينقله كما قاله الرسول(ص) دون أن يخفي الأسماء التي ذكرها. وليس من حقه استعمال تعبير "بني فلان وفلان" , لأنه يُخرج كلام النبي(ص) من سياقه ويفرغه من مضمونه.
ولكن يبدو أن أبا هريرة كان غاضباً في ذلك الموقف , فأراد أن يذكّر مروان " بحقوقه" عليه! وبأنه يمكنه أن يُعلن مَن هم " بني فلان وبني فلان" الذين حذر منهم الرسول(ص), إلاّ إذا دفع مروان ثمن ذلك السكوت.[30]

انقلاب أحوال أبي هريرة والفوائد التي جناها من علاقته بالأمويين

جاء في الإصابة لابن حجر " وأخرج ابن سعد عن طريق قرة بن خالد قلت لمحمد بن سيرين : أكانَ أبو هريرة مخشوشناً ؟
قال : لا . كان ليناً.
 قلت : فما كان لونه ؟
قال : أبيض وكان يخضب وكان يلبس ثوبين ممشقين . وتمخّط يوماً فقال : بخ بخ أبو هريرة يتمخّط في الكتان"[31]

وروى البخاري " كنا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشقان من كتان. فتمخط فقال : بخ بخ أبو هريرة يتمخط في الكتان. لقد رأيتني وإني لأخرّ فيما بين منبر رسول الله(ص) إلى حجرة عائشة مغشيّا عليّ فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون وما بي من جنون. ما بي إلاّ الجوع"[32]

وقال الذهبي عن أبي هريرة أنه كان يقول وهو أميرٌ للمدينة:
" نشأتُ يتيماً, وهاجرتُ مسكيناً, وكنت أجيراً لابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي. أحدوا بهم إذا ركبوا وأحتطب إذا نزلوا. فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً,  وأبا هريرة إماماً " [33]

وقد لازمته عقدة النقص تلك. ولذلك كان عندما ولاّه الأمويون إمرة المدينة المنورة:
 " كان يمر في السوق يحمل الحزمة وهو يقول : أوسعوا الطريق للأمير! وكان فيه دعابة رحمه الله "[34]
 إذن لم يكن أبو هريرة يصدّق نفسه, من جرّاء تلك النعم التي تنهال عليه من طغاة بني أمية. ولذلك كان يريد أن يذكّر الناس – وربما ليذكّر نفسه قبلهم – بأنه أصبح "أميراً"!

أبو هريرة يرد الجميل لبني أمية

 كان لا بد لأبي هريرة أن يرد الجميل لبني أمية. ومن ذلك أنه روى الحديث التالي عن النبي(ص), والوارد في صحيح البخاري :
" تجدون الناس معادن: خيارهم في الجاهلية, خيارهم في الإسلام إذا فقهوا. وتجدون خيرَ الناس في هذا الشأن أشدّهم له كراهيةً... "[35]
ومن المؤكد أنه لا يمكن لشيءٍ أن يسعدَ معاوية وابن العاص ومروان وبقية الطلقاء أكثرَ من هكذا قولٍ ينسبه أبو هريرة إلى النبي(ص), ويحوّل فيه فجأةً ألعنَ أعدائه إلى " خير الناس " في ذلك الزمان!

*****
ولكي يجد أبو هريرة مخرجاً لبني أمية من وزر الدماء التي سالت , وعشرات الألوف من المسلمين الذين قتلوا بسبب بغي معاوية وحلفائه, روى حديثاً من شأنه تسفيه عملية القتل بحد ذاتها, والتهوين من شأنها, ووضعها في إطارٍ كوميدي, بحيث يكون قتل المسلم للمسلم أمراً "بسيطاً" يمكن أن يثير "ضحك" الله, ويمكن أن يذهب بعده القاتل إلى الجنة!
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله(ص) قال : " يضحك الله لرجلين, يقتل أحدهما الآخر . كلاهما يدخل الجنة!
فقالوا : كيف ؟ يا رسول الله!
قال : يقتل هذا فيلج الجنة. ثم يتوب الله على الآخر فيهديه إلى الإسلام. ثم يجاهد في سبيل الله فيستشهد"[36]

*****
وكذلك روى أبو هريرة " نبوءات " نبوية حول ظهور معاوية وأهل الشام, من أجل ترسيخ فكرة أن تلك هي "الإرادة الإلهية " :
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله(ص) :" الخلافة بالمدينة والملك بالشام"[37]
فيريد أبو هريرة أن يقول لسامعيه من المسلمين إن النبي(ص) ذاته قد قال إن الملك بالشام, وبالتالي فإن ملك معاوية أمرٌ طبيعيٌ ولا بأسَ به إذن !

*****
وعن معمر " قال لي الزهري : ألا أحدثك بحديثين عجيبين؟ قال الزهري : أخبرني حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي(ص) قال :
أسرفَ رجلٌ على نفسِه, فلما حضَرَه الموت أوصى بنيه فقال : إذا أنا مِتّ فأحرقوني , ثم اسحقوني , ثم اذروني في الريح في البحر!
فوالله لئن قدر عليّ ربّي ليعذّبني عذاباً ما عذّب به أحداً.
قال : ففعلوا ذلك به.
فقال للأرض: أدّي ما أخذتِ. فإذا هو قائمٌ.
فقال له : ما حملك على ما صنعتَ؟
فقال : خشيتكَ يا ربّ – أو قال مخافتك .
فغفرَ له بذلك "[38]
وفي هذا الحديث , يظهر ذلك المسرف وقد مات مصراً على تمرّده, يائساً من روح الله, فارّا من سلطانه إلى حيث لا تناله, كما يظن, قدرة الله. ومع ذلك فهو ينال المغفرة.
وهذا الحديث مصمّمٌ ليهوّن على الطغاة جرائمهم , وليعزّيهم عن موبقاتهم.
وهو ينسجم مع حديث آخر رواه أبو هريرة , وفيه يقول الله لإنسان مذنبٍ " اعمل ما شئتَ فقد غفرتُ لك".

*****

وأبو هريرة كان حريصاً جداً , على ما يبدو , على مراعاة "مشاعر" معاوية وسمعته! ولذا لجأ إلى التكنية ب "فلان" مكان اسم أبي سفيان .  وهذا ظاهرٌ من الحديث في صحيح البخاري عن أبي هريرة :
" بعثنا رسول الله(ص) في بعثٍ. وقال لنا : إن لقيتم فلاناً وفلاناً, لرجلين من قريش سمّاهما , فحرّقوهما بالنار.
قال : ثم أتيناه نودّعه حين أردنا الخروج.
 فقال : إني كنت أمرتكم أن تحرّقوا فلاناً وفلاناً بالنار, وإن النار لا يعذّب بها إلاّ الله. فإن أخذتموهما فاقتلوهما"[39]

وأخذاً بعين الإعتبار أن أبا هريرة أسلم في السنة السابعة للهجرة , فإن أبا سفيان يكون بعدها أهمّ شخصٍ له وزنٌ من قريش قد بقي ويستحقّ أن يخطط الرسول(ص) لقتله . ولكنّ أبا هريرة قرر إبقاء الإسمين طيّ الكتمان.

*****
وقدّرَ معاوية خدماته كثيراً وأمَرَ بإكرام ورثته عندما مات عام 58 للهجرة . فقد جاء في  الإصابة لابن حجر: "وكتبَ الوليد بن عتبة بن أبي سفيان إلى معاوية يخبره بموته. فكتبَ إليه : انظر من تركَ فادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم وأحسِن جوارهم فإنه كان ممن نصرَ عثمانَ يوم الدار
 ... وكانت وفاته بقصره في العقيق ,فحُمل إلى المدينة"[40]
ومن الجدير بالملاحظة أنه كان له قصرٌ في العقيق!


اتهام الناس له

جاء في صحيح البخاري أن أبا هريرة قال:
 " إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديثَ على رسول الله(ص). والله الموعد.
إني كنتُ امرءً مسكيناً ألزم رسولَ الله(ص) على ملئ بطني, وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق. وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم.
فشهدتُ من رسول الله(ص) ذات يوم وقال : مَن يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي هذه ثم يقبضه,  فلن ينسى شيئاً سمعه مني؟
 فبسطتُ بردةً كانت عليّ .
فوالذي بعثه بالحق, ما نسيت شيئاً سمعته منه "[41]

وفي رواية أخرى أنه أضاف عن المهاجرين والأنصار "فأحضر حين يغيبون وأعي حين ينسون".

وهكذا فإن أبا هريرة, وهو شخصٌ لا يذكر البتة في المعايير الإسلامية, حيث لا فضلَ ولا سابقة ولا جهاد, يسمح لنفسه أن يقول عن المهاجرين الأولين والأنصار السابقين أنهم كانوا مشغولين بالأموال والأسواق , بينما هو يحضر حيث يغيبون, ويعي حين ينسون!
إن أبا هريرة يتجاوز حدّه  في هذا القول , الذي أعلنه في زمن معاوية .

*****
ولم يكتفِ الناس في ذلك العصر بإعلان اندهاشهم واستنكارهم لإفراط أبي هريرة في الحديث عن رسول الله(ص), بل ذهب الكثيرون إلى حد اتهامه بالكذب الصريح , ويظهر ذلك من قول أبي رزين :
" خرج إلينا أبو هريرة فضرب بيده على جبهته فقال : ألا إنكم تحدثون أني أكذب على رسول الله(ص), لتهتدوا وأضلّ. ألا وإني أشهد لسمعت رسول الله(ص) يقول : إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمشي في الأخرى حتى يصلحها"[42]
واضحٌ تماماً أن أبا هريرة يحاول جاهداً دفعَ التهمة التي كانت شائعة بين الناس, وتبرئة نفسهِ من كبيرة الكذب على لسان النبي(ص).

ويبدو أنه قد شاع كثيراً بين الناس تكذيب أبي هريرة والتهكم به والسخرية منه! فمثلاً روى ابن عساكر :
" أن رجلاً من قريش أتى أبا هريرة في حلةٍ يتبختر فيها. فقال : يا أبا هريرة! إنك تكثر الحديث عن رسول الله(ص), فهل سمعته يقول في حلتي هذه شيئا؟!
قال : والله إنكم لتؤذوننا, ولولا ما أخذ الله على أهل الكتاب ( ليبينّنه للناس ولا يكتمونه) ما حدّثتكم بشيئ.
 سمعنا أبا القاسم  يقول : إن رجلاً ممن كان قبلكم بينما هو يتبختر في حلةٍ, إذ خسف به الأرض, فهو يتجلجل فيها حتى تقوم الساعة !
 فوالله ما أدري لعله كان من قومكَ"[43]
وهذا الرجل – كما يبدو من سؤاله – لم يكن مستفهماً, وإنما كان مستهزئا متهكماً. وردّة فعل أبي هريرة , العصبية والحادة , تدلّ على ذلك.




أبو هريرة يستفزّ الصحابة

وصار الدور الذي يلعبه أبو هريرة, كأكبر راويةٍ لأحاديث الرسول(ص), اعتمدته الدولة كمحدّثٍ رسميّ لها, مثارَ استنكارٍ لعددٍ من الصحابة الذين طالَ بهم العمر  ليشهدوا تصدّرَ أبي هريرة لهذا الأمر الحساس.

وكان غضب هؤلاء الصحابة لسببين: الأول هو الحرص على صحّة حديث النبي(ص), والشعور بأن أبا هريرة كان يحدّث بما قاله وما لم يقله النبي(ص). والثاني هو الشعور بأن أبا هريرة يحاول أن يرقى بنفسه إلى مستوى ليس هو بأهلٍ له , لأنه لم تكن له صحبةٌ حقيقية للنبي(ص). وأبو هريرة بنظرهم يسعى لنزع تميّزهم بين الناس, فينافسهم في الحديث عن النبي(ص) , بل ويزيد عليهم جميعاً, ليجعلَ نفسَه مرجعاً للعامة.

فسعد بن أبي وقاص لم يُطِق ما يحدّث به أبو هريرة , إلى درجةٍ دفعته إلى الاشتباك معه !
" حدّث أبو هريرة, فردّ عليه سعد.
فتواثبا حتى قامت الحجزة وارتجّت الأبواب بينهما"
وأما أم المؤمنين عائشة, فقد كانت أكثرت من إنكارها على أبي هريرة ما يرويه, وتدخّلت في كثير من الأحيان لنفي ما يرويه أبو هريرة عن النبي(ص), أو تصحيحه. فمثلاً :
" عن أبي هريرة أن رسول الله(ص) قال : لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ودماً خيرٌ له من أن يمتلئ شعراً.
قالت عائشة : لم يحفظ الحديث! إنما قال رسول الله(ص) : لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ودماً خيرٌ من أن يمتلئ شعراً هُجيتُ به"
وأيضاً:
" إن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا لها إن أبا هريرة يحدّث عن رسول الله(ص) أن الطيرة في الدار والمرأة والفرس.
فغضبت من ذلك غضبا شديداً وطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض.
فقالت : كذبَ والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم(ص) ما قاله. إنما قال : كان أهل الجاهلية يتطيّرون من ذلك
وأيضا :
" كنا عند عائشة. فدخل أبو هريرة.
فقالت : أنت الذي تحدّث أن امرأة عذبت في هرةِ لها, ربطتها فلم تطعمها ولم تسقها؟!
فقال : سمعته من النبي(ص).
فقالت : هل تدري ما كانت المرأة؟ إن المرأة مع ذلك كانت كافرة. وإن المؤمن أكرم على الله من أن يعذبه في هرة.
فإذا حدثتَ عن رسول الله(ص), فانظر كيف تحدّث"
ولكن أبا هريرة كان واثقاً من دعم السلطات له, ورغبتها بحديثه, ولذلك لم يتردد في الرد على عائشة حين قالت له إنه أكثرَ من الحديث عن النبي(ص):
" إني والله لم تشغلني عنه المكحلة ولا المرآة ولا الخضاب! "

وانضم عبد الله بن عمر بن الخطاب إلى المستنكرين لأبي هريرة, فاتهمه بأنه يحرّف في كلام الرسول(ص) بما يتناسب مع مصلحته هو:
" عن ابن عمر أن رسول الله(ص) أمر بقتل الكلاب, إلاّ كلب ماشيةٍ أو صيد.
قيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول : أو كلب زرع!
فقال : إنّ لأبي هريرة زرعاً "[44]
فابن عمر يعلن أن أبا هريرة أضافَ , من عنده هو, استثناءَ كلابِ الزرع من تلك التي أمَرَ النبي(ص) بقتلها لأنه كانت له مزارع ويحتاج فيها لذلك النوع من الكلاب!

وذكر السرخسي " وروي أن عائشة قالت لابن أخيها : ألا تعجب من كثرة رواية هذا الرجل, ورسول الله(ص) حدث بأحاديث لو عدّها عادٌ لأحصاها"[45]

دفاعُه عن نفسه ودفاعُ الآخرين عنه

ولكي يواجه مشاعر العجب التي يبديها عموم المسلمين تجاه كثرة رواياته , بينما لا يروي مثله الصحابة الأولون من المهاجرين والأنصار, قدّم أبو هريرة تفسيراً عجيباً لهذه الذاكرة الواسعة التي كانت لديه:
 وفيما يلي النص من صحيح البخاري :
" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله : إني سمعت منك حديثاً كثيراً فأنساه. قال : ابسط رداءك. فبسطت. فغرف بيده فيه ثم قال : ضمّه. فضممته. فما نسيتُ حديثاً بعد"[46]
فالسرّ إذن هو في ثوب أبي هريرة! فهو يتكلم عن ردائه الذي بَسَطه وضمّه فلم يعد ينسى.

وقد ورد أيضاً في مقدمة كتاب الإصابة لابن حجر دفاعٌ شديدٌ عن أبي هريرة :
 " إن أبا هريرة بحكم تأخر إسلامه إلى سنة سبعٍ من الهجرة, قد فاته الكثير من أحاديث رسول الله(ص), فكان عليه لكي يستكمل علمه بالحديث أن يأخذه من الصحابة الذين سمعوه من النبي(ص) , شأنه في ذلك شأن سائر الصحابة الذين لم يحضروا مجالسه صلى الله عليه وسلم, إما لاشتغالهم ببعض أمور الدنيا, وإما لحداثة سنهم وإما لتأخر إسلامهم أو لغير ذلك .
يؤيد ذلك ما ثبتَ عن حميد أنه قال : كنا مع أنس بن مالك فقال : والله ما كلّ ما نحدّثكم عن رسول الله سمعناه منه. ولكن لم يكن يكذّب بعضنا بعضاً............
 ولا ينبغي أن يعدّ حذف الصحابيّ الذي سمعَ الحديثَ ولقنهم إياه من قبيل التدليس, إذ الصحابة كلهم عدول ......
 يقول ابن الصلاح في مقدمته : مرسل الصحابيّ مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله ولم يسمعوه منه في حكم الموصول المسند , لأن روايته من الصحابة, والجهالة بالصحابي غير قادحة, لأن الصحابة كلهم عدول"[47]

والحاصل أن هذا الدفاع قد اعترف صراحة, وأثبتَ, بتهمة التدليس على أبي هريرة. وعند المحدّثين يعتبر التدليس مذموماً , وسبباً لتضعيف الرواية , إن لم يكن تركها جُملة, ومدعاة للجرح في الراوي. والتدليس هو, باختصار , أن ينسِبَ راوٍ كلاماً إلى شخصٍ لم يسمعه مباشرة منه بل سمعه من غيره, وبشكلٍ يوحي ظاهراً بأنه سمعه منه. فالتدليس إذن هو نوعٌ من الكذب الضمني.
جاء في مقدمة ابن الصلاح عن التدليس " مكروهٌ جداً. ذمّهُ أكثر العلماء. وكان شعبة من أشدهم ذمّاً له. فروينا عن الشافعي الإمام رضي الله عنه انه قال : التدليس أخو الكذب. وروينا عنه انه قال : لأن أزني أحبّ إليّ من أن أدلس! وهذا من شعبة إفراطٌ محمولٌ على المبالغة في الزجر عنه والتنفير"[48]

وأما بشأن الصلة الوثيقة بين أبي هريرة والحكام الأمويين, فقد أقرّ بها حتى أشد المدافعين عن أبي هريرة والمعجبين به. فمثلاً يقول عبد المنعم العزي, وهو الذي تخصّصَ في المنافحة عن أبي هريرة والهجوم على كل منتقديه , يقول عن علاقة أبي هريرة بمروان بن الحكم:
" ... فإن مروان بدافع من قرابته لعثمان رضي الله عنه, وتثميناً لموقف أبي هريرة , قد وطّد علاقته بأبي هريرة ووثقها, حتى إن بعض تربية أولاده كانت على يد أبي هريرة فيما يبدو...
ونرى أن هذه الصلة القوية كان من نتائجها استخلاف مروان لأبي هريرة مرتين على المدينة حين كان يخرج حاجّا ...
 أخرج مسلم بسنده إلى كاتب الإمام علي, عبيد الله بن أبي رافع قال : ( استخلف مروان أبا هريرة على المدينة وخرج إلى مكة, فصلى لنا أبو هريرة الجمعة).
وكان أبو هريرة مدة ولايته على المدينة يقضي بين الناس ويقيم الحدود, وأخبار قضائه ذكرها وكيع والدولابي"[49]
ورغم أن العزي يحاول أن يقدم تأويلاتٍ وتبريراتٍ كثيرة للدفاع عن موقف أبي هريرة, إلاّ أنه أثبتَ له, دون قصد, مثلبة جديدة : تربية أبناء مروان بن الحكم! فلا شك أن سيرة عبد الملك بن مروان لا تشرّف أحداً ممن يعشقون الحق والخير, وبالتالي يمكن القدح في مربّي عبد الملك هذا . والعزي على أي حال , يصف عبد الملك ب " الخليفة الفقيه " !





الوعاء الثاني لأبي هريرة

جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة قال:
 " حفظتُ من رسول الله(ص) وعاءين. فأمّا أحدهما فبثثته, وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم"[50]

فإذا كانت آلاف الأحاديث التي رواها عن الرسول(ص) هي مجرّد أحد وعائين بثّهما للناس كما يقول, فإذن هو يحاول أن يوحي للناس بأن علاقته مع النبي(ص) كانت أعمقَ وأوثقَ مما يتخيّلون, بدليل ذلك الوعاء الثاني الذي أبقاه سرياً ولم يبثه. وليس معروفاً ماذا يحتوي ذلك الوعاء الثاني.
 ومن حق الباحث أن يتساءل: إذا كان أبو هريرة حريصاً فعلاً على إبلاغ المسلمين بأحاديث الرسول(ص), فلماذا إذن لم يبثّ الوعاء الثاني وقرر إخفاءه؟ وهل هو ينتقي مثلاً من أحاديث الرسول(ص) ما يشاء ؟ وذلك الوعاء الثاني يحتوي أمورا خطيرة بلا شك, لأنه سيؤدّي إلى قتله لو أعلنها كما يشير, فهل قرر إيثار السلامة وكتمان حديث الرسول(ص) ؟

والحقيقة في هذا الأمر أن أبا هريرة يحاول هنا إضفاء نوعٍ من الأهمية على شخصِه, ولكنه جانَبَه التوفيق هذه المرة, لأنه من المستحيل على العاقل تصديق أن الرسول (ص) يختصّه هو , دوناً عن غيره من كبار الصحابة بأمرٍ على هذا القدر من الأهمية.

ويقول الشيخ أبو رية[51]  تعليقاً على ادّعاء أبي هريرة:
" ومَن هو أبو هريرة حتى يؤثره النبي بشيء يخصّه به ويكتمه ويخفيه عن أصفيائه وأوليائه وأقرب الناس إليه؟ إنه لم يكن له أية ميزةٍ من فضلٍ يدنو بها إلى النبي, ولا عدّ بعد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى من أية طبقةٍ من طبقات الصحابة, فلا هو من السابقين الأولين , ولا من المهاجرين, ولا من الأنصار , ولا من أهل العقبة الأولى ولا الثانية, ولا من العرفاء , ولا من الكملة في الجاهلية وأول الإسلام, ولا من شعراء النبي الذين نافحوا عنه, ولا من المفتين على عهد رسول الله ولا على عهد أبي بكر وعمر وعثمان, ولم يظهر إلاّ بعد الفتنة الكبرى. ولم يكن من القرّاء الذين حفظوا القرآن, ولا جاء في فضله حديثٌ عن رسول الله. وكل ما عرف عنه أنه كان من أهل الصفة, لا أكثر ولا أقل"

ولكن أبا هريرة وجدَ مَن يدافع عنه ! ففيما يلي نصّ ما وردَ في  مقدمة كتاب الإصابة لابن حجر من دفاعٍ عن أبي هريرة فيما يختص بالحديث المذكور أعلاه , وهو كما يلي :
 " ليسَ في الحديث ما يفيد أن رسول الله قد اختصّه بهذا الوعاء دون غيره من الصحابة.
وعلى تقدير أنه قد اختصّه بهذا الوعاء دون غيره من الصحابة, فليس فيه شيء من كتمان الوحي الذي أمر الله رسوله أن يبلغه الناس.
 قال ابن كثير : هذا الوعاء الذي كان لا يتظاهر به هو الحروب والفتن والملاحم وما وقع بين الناس من الحروب والقتال, وما سيقع.
فالإخبار عن بعض الحروب والملاحم التي ستقع ليس مما يتوقف عليه شيء من أصول الدين أو فروعه. فيجوز للنبي أن يخصّ مثل هذا النوع من الوحي شخصاً دون الآخر أو فريقاً دون فريق"[52]

كيس أبي هريرة

روى البخاري عن أبي هريرة " قال النبي(ص) : أفضل الصدقة ما تركَ غنىً , واليد العليا خيرٌ من اليد السفلى, وابدأ بمن تعول. تقول المرأة : إمّا أن تطعمني وإمّا أن تطلقني. ويقول العبد : أطعمني واستعملني. ويقول الإبن : أطعمني إلى مَن تدعني.
فقالوا : يا أبا هريرة ! سمعتَ هذا من رسول الله(ص) ؟
قال : لا ! هذا من كيس أبي هريرة ."[53] 

وقدحَ شارحُ صحيح البخاري زنادَ فكرهِ لكي يخرجَ بتأويلٍ يحفظ ماء الوجه لأبي هريرة. فعندما شرحَ ابن حجر العسقلاني هذا الحديث, قال إن هناك احتمالين للكيس : الأول , وهو الأرجح, بكسر الكاف. ويكون المعنى في تلك الحالة  "... إشارةٌ إلى أنه من استنباطِه مما فهمَه من الحديث ..."
والثاني بفتح الكاف. ويكون المقصود في تلك الحالة " ...أي من فِطنته..."[54]

والغريب أن ابن حجر قد تجاهلَ حقيقة قول أبي هريرة " قال النبيّ..." وهذا تصريحٌ لا لبسَ فيه منه بأن الكلام هو كلام النبي(ص). وحتى لو كان ابنُ حجر حَسَنَ الظن جداً بأبي هريرة إلى الحد الذي يجعله متأكداً من أن استنباطات أبي هريرة أو فطنته , كما يقول, لا تتعارض مع حقيقة قول النبي(ص) ومقصده, إلاّ أنه كان عليه أن يشير إلى احتمال الخطل والزلل في كلام أبي هريرة . ولكن لا يوجد في كلام ابن حجر أيّ استنكارٍ لمزج أبي هريرة بين كلامه هو شخصياً, الذي يخرجه من كيسه, وبين حقيقة كلام النبي(ص).

والأكيد أن أبا هريرة كان يبيح لنفسه أن ينسبَ للنبي(ص) أقوالاً وأحاديثَ لم يسمعها منه , بل ربما سمعها من غيره من الناس, أو ربما كانت مزيجاً من تأويلاته واعتقاداته هو أو غيره ممن هو ثقة عنده. والمشكلة أنه كان يفعل ذلك بطريقةٍ قاطعةٍ توحي للسامع أنه سمعَ القولَ من النبي(ص) فعلاً بدون أدنى شك! 

دور أبي هريرة في إشاعة أحاديث الخرافات

 كان لأبي هريرة دورٌ بارزٌ في إدخال الاسرائيليات إلى الحديث النبوي, عن طريق علاقته الوثيقة بالحاخام اليهودي الذي أسلمَ : كعب الأحبار. فكان يأخذ عنه ويمزج ما يحدثه به من أخبار التوراة بحديث الرسول(ص).
روى ابن عساكر والذهبي وابن حجر[55]:
" عن أبي هريرة أنه لقي كعباً فجعلَ يحدّثه ويسائله.
فقال كعب: ما رأيتُ أحداً لم يقرأ التوراة, أعلمَ بما في التوراة من أبي هريرة"
وهكذا يبدو أن أبا هريرة كان وثيقَ الصلة بالحبر اليهودي الذي أسلم, فيسأله ويأخذ منه "العلم" وما ورد في توراة اليهود , إلى درجة أنه استحقّ تلك الشهادة من كعب! فلم يكن لأبي هريرة من طريقٍ ليتعمّق بما في التوراة سوى كعب, فلجأ إليه.

ويمكن ملاحظة الأثر الذي تركه كعب الأحبار في بعض الأحاديث التي رواها أبو هريرة وفيها تعظيمٌ شديد للنبي موسى بالذات, حتى على حساب الرسول(ص) نفسه! فمثلاً روى البخاري أن النبي(ص) قال " لا تخيّروني على موسى. فإنّ الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول مَن يفيق, فإذا موسى باطشٌ بجانب العرش, فلا أدري أكانَ فيمن صعق فأفاقَ قبلي أو كان ممن استثنى الله"[56]

ولا شك أن هذه العلاقة بينهما كانت هي المدخل الذي تسرّبت بواسطته خرافات توراة اليهود إلى الإسلام. فقد كان الراوية أبو هريرة يخلط ما يحدّثه عن الرسول(ص) بما سمعه من كعب, على اعتبار أن كعباً ثقة عنده, ولن يكذب على الرسول(ص). وفي أحيانِ أخرى كان هذا الخلط يحصل من جمهور مستمعي أبي هريرة :
فقد روى ابن عساكر أيضاً عن بسر بن سعيد قال:
 " كان يقوم فينا أبو هريرة فيقول : سمعت النبي(ص) يقول كذا كذا, سمعت كعباً يقول كذا كذا.
فعمدَ الناس إلى بعض ما روى عن كعبٍ فجعلوه عن النبي(ص), وبعض ما روى عن النبي(ص) فجعلوه عن كعب"[57]

ولعب أبو هريرة الدور الأبرز في ترويج ونشر مقولات التجسيم والتشبيه بحق الله عز وجل.
فهو روى ما يفيد بأن الله يشبه الإنسان في شكله !
" عن النبي(ص) قال : خلق الله آدم على صورته. طوله ستون ذراعاً. فلما خلقه قال : إذهب فسلّم على أولئك النفر الجلوس من الملائكة ... "[58]
وروى أيضا ما يفيد بأن الله "يتحرك" من مكان لآخر, صعوداً ونزولاً !
" ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر . يقول : من يدعوني فأستجيب له ... " [59]

وروى أيضا أن لله أقداماً يستعملها !
" عن النبي(ص) قال : اختصمت الجنة والنار إلى ربهما . فقالت الجنة : يا رب مالها لا يدخلها إلاّ ضعفاء الناس وسقطهم. وقالت النار : يعني أوثرت بالمتكبرين. فقال الله تعالى للجنة : أنتِ رحمتي. وقال للنار : أنتِ عذابي أصيب بكِ مَن أشاء. ولكلّ واحدة منكما ملؤها. قال : فأما الجنة فإن الله لا يظلم من خلقه أحدا. وإنه ينشئ للنار من يشاء فيلقون فيها فتقول هل من مزيد؟ ثلاثاً حتى يضعَ فيها قدمه فتمتلئ. ويرد بعضها إلى بعض وتقول قط قط قط"[60]

وهو روى أن الإنسان يمكن أن يرى الله, مباشرة وبلا أي تأويل :
عن أبي هريرة " أن أناساً قالوا لرسول الله(ص) : يا رسول الله ! هل نرى ربنا يوم القيامة ؟
فقال رسول الله(ص) : هل تضارّون في رؤية القمر ليلة البدر؟
قالوا :  لا , يا رسول الله.
قال : هل تضارّون في الشمس ليس دونها سحاب؟
قالوا : لا , يا رسول الله.
قال : فإنكم ترونه كذلك....."[61]

وهو قد روى حديثا طويلا حول الرؤية أشار فيه بوضوح إلى موضوع "ضحك" الله !
" .... فيقول : يا رب لا تجعلني أشقى خلقك! فيضحك الله عز وجل فيه , ثم يأذن له في دخول الجنة  ..."[62]

وقد ساهمت أحاديث أبي هريرة هذه , وأمثالها, في شيوع أفكار التجسيد والتشبيه بحق الذات الإلهية لدى قطاع واسع من المسلمين. فمثلاً قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين[63] " ... ونؤمن بأن لله تعالى يدين كريمتين عظيمتين ... ونؤمن بأن لله تعالى عينين اثنتين حقيقيتين... ونؤمن بأن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة.. "

ولا يمكن للباحث أن يتجنبَ إجراء مقارنةٍ بين تلك الأحاديث التي رواها أبو هريرة عن الذات الإلهية وبين مفهوم الإمام عليّ :
" ومن كلام له عليه السلام وقد سأله ذعلب اليماني فقال : هل رأيتَ ربك يا أمير المؤمنين؟
فقال عليه السلام : أفأعبدُ ما لا أرى؟
فقال : فكيف تراه؟
قال : لا تدركه العيون بمشاهدة العيان, ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان.
قريبٌ من الأشياء غيرُ ملامس, بعيدٌ منها غيرُ مباين.
متكلمٌ بلا روية, مريدٌ بلا همة, صانعٌ بلا جارحة.
لطيفٌ لا يوصف بالخفاء, كبيرٌ لا يوصف بالجفاء.
بصيرٌ لا يوصف بالحاسّة, رحيمٌ لا يوصفُ بالرّقة.
تعنو الوجوه لعظمته, وتجب القلوبُ من مخافته"[64] 

*****
وروى أبو هريرة أخباراً لا تليق أبداً بمقام الأنبياء, منها مثلاً أن النبي سليمان ضاجع 99 امرأة في ليلةٍ واحدة !
 " عن رسول الله (ص) قال : قال سليمان بن داود عليهما السلام :  قال : لأطوفنّ الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين, كلّهن يأتي بفارسٍ يجاهد في سبيل الله. فقال له صاحبه: إن شاء الله. فلم يقل إن شاء الله. فلم يحمل منهن إلاّ امرأة واحدة جاءت بشقّ رِجل..."[65]

وذكر أبو هريرة أن النبيّ موسى كان لا يريد الموتَ , فخاضَ صراعاً جسدياً مع عزرائيل وصَفعَه فقلعَ عينه!
فقد ورد في صحيح البخاري أن رسول الله(ص) قال " أرسِلَ مَلك الموت إلى موسى عليهما السلام. فلما جاءَه صَكّه فرجعَ إلى ربّهِ  فقال : أرسلتني إلى عبدٍ لا يريد الموتَ! فردّ الله عليه عينه...."[66]

وأيضا روى أن حَجراً اختطفَ ثيابَ النبي موسى , فلحقه ينادي : يا حجر !
عن أبي هريرة عن النبي(ص) قال:  " كانت بنو اسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض, وكان موسى يغتسل وحده. فقالوا : والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلاّ أنه آدر.
فذهبَ مرّة يغتسل فوضعَ ثوبَه على حجرٍ, ففرّ الحجر بثوبه!
فخرجَ موسى في إثره يقول : ثوبي يا حجر!
حتى نظرت بنو اسرائيل إلى موسى فقالوا : والله ما بموسى من بأس.
وأخذ ثوبَه فطفقَ بالحجر ضرباً !
فقال أبو هريرة : والله إنه لندبَ بالحجر ستة أو سبعة ضرباً بالحجر"[67]

ولا حاجة للتعليق كثيراً على مضمون هذه "الأحاديث" . ولكن يمكن القول أنها, وغيرها الكثير مثلها, تقدّم الدليل الواضح لكل من يريد أن يتهم الإسلام أنه دين خرافات .
*****
وأبو هريرة هو صاحب الحديث الذي يوصي بغمس كلّ الذبابة في الطعام , إذا سقطت في الطبق, ثم التهامه, لأن جناح الذبابة يحمل الشفاء !
" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله(ص) قال : إذا وقعَ الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله , ثم ليطرحه, فإنّ في أحدِ جناحيه شفاء وفي الآخر داء"[68]



مشكلة الرواية عن النبي قديمة جداً

وقد أبدع الإمام عليّ في تحليله لأنواع الرواة عن رسول الله(ص) :
" ومن كلامٍ له عليه السلام, وقد سأله سائلٌ عن أحاديث البدع وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر , فقال عليه السلام :
إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً, وصدقاً وكذباً, وناسخاً ومنسوخاً, وعاماً وخاصاً, ومحكماً ومتشابهاً, وحفظاً ووهماً.
وقد كذبَ على رسول الله(ص) على عهده , حتى قام خطيباً فقال : ( مَن كذبَ عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار).
وإنما أتاكَ بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس:

رجلٌ منافق, مظهرٌ للإيمان, مصنع بالإسلام, لا يتأثم ولا يتحرج, يكذب على رسول الله(ص) متعمداً. فلو علمَ الناسُ أنه منافق كاذبٌ لم يقبلوا منه ولم يصدقوا قوله. ولكنهم قالوا: صاحب رسول الله(ص), رآه وسمع منه ولقفَ عنه, فيأخذون بقوله. وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ووصفهم بما وصفهم به لك. ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والبهتان, فولّوهم الأعمالَ وجعلوهم حكاماً على رقاب الناس, فأكلوا بهم الدنيا. وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلاّ من عصمَ الله. فهذا أحد الأربعة.  

ورجلٌ سمعَ من رسول الله شيئا لم يحفظه على وجهه فوهِمَ فيه, ولم يتعمّد كذباً. فهو في يديه ويرويه ويعمل به ويقول أنا سمعته من رسول الله(ص). فلو علم المسلمون أنه وهِمَ فيه لم يقبلوه منه , ولو علم هو أنه كذلك لرفضه.

ورجلٌ ثالث سمعَ من رسول الله(ص) شيئاً يأمر به ثم إنه نهى عنه , وهو لا يعلم. أو سمعه ينهى عن شيء ثم أمرَ به , وهو لا يعلم. فحفظ المنسوخَ , ولم يحفظ الناسخ. فلو علم أنه منسوخٌ لرفضه. ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.

ورجلٌ رابعٌ لم يكذب على الله ولا على رسوله. مبغضٌ للكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسول الله(ص). ولم يَهِم بل حفِظ ما سمعَ على وجهه, فجاء به على سمعه, لم يزد فيه ولم ينقص منه. فهو حفظَ الناسخ فعمل به, وحفظ المنسوخ فجنب عنه. وعرف الخاصَ والعامَ والمحكمَ والمتشابه, فوضعَ كل شيءٍ موضعه.

وقد كان يكون من رسول الله(ص) الكلام له وجهان : فكلامٌ خاص وكلامٌ عام. فيسمعه مَن لا يعرف ما عنى الله سبحانه به, ولا ما عنى رسول الله(ص). فيحمله السامع ويوجهه على غير معرفةٍ بمعناه وما قصد به, وما خرج من أجله. وليس كل أصحاب رسول الله(ص) مَن كان يسأله ويستفهمه, حتى إن كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي والطارئ فيسأله عليه السلام حتى يسمعوا. وكان لا يمر بي من ذلك شيئ إلاّ سألته عنه وحفظته.
فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم وعللهم في رواياتهم"[69]

بعض آراء في أبي هريرة

وفيما يلي رأي الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان بأبي هريرة :
 " روى محمد بن الحسن ( صاحب أبي حنيفة) عن أبي حنيفة أنه قال : أقلّد من كان من القضاة المفتين من الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والعبادلة الثلاثة ولا أستجيز خلافهم برأيي, إلا ثلاثة نفر , وفي رواية : أقلد جميع الصحابة ولا استجيز خلافهم برأيي إلاّ ثلاثة نفر : أنس بن مالك وأبو هريرة وسمرة. فقيل له في ذلك فقال : أما أنس فاختلط في آخر عمره, وكان يستفتى فيفتي من عقله. وانا لا أقلد عقله. وأما أبو هريرة, فكان يروي كل ما سمع من غير أن يتأمل في المعنى ومن غير أن يعرف الناسخ من المنسوخ"[70] 

وفي رواية ابن أبي الحديد أن أبا يوسف سأل أبا حنيفة " الخبر يجيئ عن رسول الله(ص) يخالف قياسنا, ما تصنع به؟ قال : إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا الرأي. فقلت: ما تقول في رواية أبي بكر وعمر؟ فقال : ناهيك بهما. فقلت: علي وعثمان؟ قال : كذلك. فلما رآني أعد الصحابة قال : والصحابة كلهم عدول ما عدا رجالا. ثم عدّ منهم أبا هريرة وأنس بن مالك"[71]

وقد اعترفَ المتخصّصُ في الدفاع عن أبي هريرة, عبد المنعم العزي, بأن الإمام أبا حنيفة, ومن قبله الفقيه الكبير ابراهيم النخعي, كان لا يأخذ بأحاديث أبي هريرة[72]. وقال " كانوا يرون في أحاديث أبي هريرة شيئاً" وبالتالي كانوا لا يأخذون من حديث أبي هريرة إلاّ ما فيه صفة جنة أونار, أو حثّ على عمل صالح, أو نهي عن شرٍّ جاء القرآن به ! ولم تكن أحاديث أبي هريرة حجة عنده, إلاّ إذا وافقت القياس الصحيح شرعاً لديه.

وأورد ابن حزم مثالاً على عدم اعتداد " أصحاب أبي حنيفة " بروايات أبي هريرة عند تطرقه لموضوع غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب, وذكر أنهم تركوا قول أبي هريرة وحديثه.[73]

وأما رأي المستشرق الكبير جولدتسيهر في أبي هريرة كما ورد في دائرة المعارف الإسلامية:
" طعن جولدتسيهر في أبي هريرة طعوناً عدة , لكنها كلها تدور حول عدم أمانته في نقل الحديث. فقد ذكر بأنه مختلق, ومسرفٌ في الاختلاق. وأنه كان يفعل ذلك بداعي الورع, وأن الذين أخذوا عنه مباشرة قد شكّوا فيما ينقل, وعبروا عن هذا الشك بأسلوب ساخر. وأنه كان يضمّن أحاديثه أتفه الأشياء بأسلوب مؤثر, وذلك يدل على روح المزاح التي كانت فيه والتي كانت سبباً في ظهور الكثير من القصص"[74]

كلمة أخيرة
ولا يعني ما تقدم أن كل ما رواه أبو هريرة عن النبي(ص) من أحاديث كذبٌ واختلاق. فلا شك أن هناك الكثير من الأحاديث الصحيحة قالها رسول الله(ص) وسمعها منه أبو هريرة ورواها كما هي.
 ولكن ينبغي الحذر والتوقف عند الأحاديث التي فيها رائحة سياسية مما يرويه أبو هريرة, كأحاديث طاعة الحكام والفتن ومناقب بعض الأشخاص وغيرها مما يمكن أن يكون وراءها مصالح ودوافع خاصة.

والحذر في قبول روايات أبي هريرة, وضرورة عدم التسليم المطلق بما رواه, أمرٌ منطقي وطبيعي, وليس بدعة حديثة, وقد كان لهذا الرأي دعاة كبار, قبل أن ينجح التيار الأموي في فرض رأيه . قال السرخسي " وقال ابراهيم النخعي رضي الله عنه : كانوا يأخذون من حديث أبي هريرة ويَدَعون"[75]
















[1] أسد الغابة لابن الأثير (ج5 ص316). وكذلك ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق (ج67 ) روايات عديدة عن الأسماء المختلف فيها لأبي هريرة.
[2] فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني (ج1 ص49). وأما الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين (ج3 ص507 ) فقد استعرض تسعة أسماء مختلفة لأبي هريرة.
[3] من مقدمة كتاب الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني (ص88)
[4] "شيخ المضيرة", لمحمود أبو رية ( ص74)
[5] تاريخ الخلفاء للسيوطي ( ص103, 129, 178, 202)
[6] عن " شيخ المضيرة" لمحمود أبو رية (ص 141-142)
[7] سير أعلام النبلاء للذهبي (ج2 ص 75 وص134)
[8] شيخ المضيرة , لمحمود أبو رية, نقلا عن ص69 ج1 من الروض الباسم للوزير اليماني.
وكذلك نفس هذا التصنيف جاء في مقدمة كتاب الإصابة لابن حجر (ص83).
[9] الطبقات الكبرى لابن سعد (ج1 ص 255)
[10] صحيح البخاري (ج9 ص128 باب ما ذكر النبي(ص) وحض على اتفاق أهل العلم)
[11] كتاب الموطّأ للإمام مالك (ج2 ص998).
[12]  تاريخ المدينة لابن شبة النميري (ج 2 ص 486)
[13] سير اعلام البنلاء للذهبي (ج1 ص217)
[14] أصول السرخسي (ج1 ص341)
[15] تاريخ اليعقوبي (ج2 ص 157).
وذكر الشيخ أبو رية نقلا عن فتوح البلدان للبلاذري أن عمر بن الخطاب كتب إلى العلاء , وهو عامله على البحرين , يأمره بالقدوم عليه. وولّى عثمان بن العاص الثقفي البحرين وعمان. فلما قدم العلاء المدينة ولاّه البصرة مكان عتبة بن غزوان, فلم يصل إليها حتى مات وذلك في سنة 14 أو 15 للهجرة. ثم إن عمر ولّى قدامة بن مظعون الجمحي جباية البحرين ثم عزله وحدّه على شرب الخمر, وولّى أبا هريرة مكانه ثم عزله وقاسمه ماله . ثم ولّى عثمان بن أبي العاص البحرين وعمان.
[16] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج12 ص42)
[17] "شيخ المضيرة" لمحمود أبو رية (ص225-226 )
[18] هذا الخبر عن أبي هريرة وأبي الدرداء وذهابهما حاملين رسالة معاوية لعليّ ولوم عبد الرحمن لهما من الإمامة والسياسة لابن قتيبة (ج1 ص128- 129)
[19] تاريخ خليفة بن خياط ( ص147)
[20] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج2 ص11). وأيضا ترجمة علي بن أبي طالب من أنساب الأشراف للبلاذري (ص454)
[21] تاريخ الطبري (ج4 ص107). والسنور هو الهر. وقريبٌ من ذلك ورد في تاريخ اليعقوبي (ج2 ص199)
[22] تاريخ دمشق لابن عساكر (ج67 ص341)
[23] تاريخ دمشق لابن عساكر (ج67 ص327)
[24] تاريخ دمشق لابن عساكر (ج67 ص341). وكذلك روى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين (ج3 ص510)
[25] تاريخ دمشق لابن عساكر (ج67 ص372). وذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ ( ج1 ص34) أن أبا هريرة " وليَ إمرة المدينة, ونابَ أيضاً عن مروان في إمرتها ".وذكر في موضع آخر ص36 " كان معاوية يبعث أبا هريرة على المدينة, فإذا غضبَ عليه بعثَ مروانَ وعزله, فلم يلبث أن بعث أبا هريرة ونزعَ مروان"
[26] الطبقات الكبرى لابن سعد (ج4 ص336)
[27] تاريخ اليعقوبي ( ج2 ص238)
[28] وقد روى ابن عساكر في تاريخ دمشق (ج67 ص373-374 ) عن سعيد بن المسيّب " كان أبو هريرة إذا أعطاه معاوية سكتَ وإذا أمسكَ عنه تكلم" وأيضا " كان أبو هريرة يسبّ مروان, فإذا أعطاه سكتَ". وذلك يلقي بعض الضوء على الطابع المالي للعلاقة بين الحاكمين وبين أبي هريرة.
[29] صحيح البخاري (باب علامات النبوة ج4 ص 242)
[30]  ومن غرائب الأمور أنه ورد في مقدمة كتاب الإصابة لابن حجر العسقلاني (ص76 ) رأيٌ حول هذا الحديث المذكور أعلاه. وهذا الرأي يقلب النقيصة إلى فضيلة! فبدلا من التساؤل عن السبب الذي جعل أبا هريرة يخفي الأسماء التي ذكرها الرسول(ص) , ويكنّي بدلا منها , ينال أبو هريرة المديح لأنه تلطّف وأذاع الحديث (المعدّل) الذي فسّر على أنه " وفي ذاك تعريضٌ ظاهرٌ ببعض أمراء بني أمية, وتحريضٌ على اعتزالهم" !
[31] الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (ج7 ص354). وأيضاً الطبقات الكبرى لابن سعد (ج4 ص334)
[32] صحيح البخاري (ج9 ص128 باب ما ذكر النبي (ص) وحض على اتفاق أهل العلم). وكذلك ورد في سنن الترمذي (ج4 ص12).
[33] تذكرة الحفاظ للذهبي (ج1 ص34)
[34] تذكرة الحفاظ للذهبي (ج1 ص34)
[35] صحيح البخاري (باب المناقب ج4 ص217 ) وأيضا (باب علامات النبوة ج3 ص 238)
[36] صحيح مسلم (باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة ص733)
[37] البداية والنهاية لابن كثير (ج8 ص22 ) نقلا عن البيهقي.
[38] صحيح مسلم (كتاب التوبة ص 1029)
[39] صحيح البخاري باب التوديع ج4 ص 60. ومثله ورد في سنن الدارمي ج2 ص222
[40] الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر ج7 ص361. وروى مثل ذلك ابن عساكر في تاريخ دمشق ج67 ص391. وأيضاً الطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص340. وكذلك روى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين ج3 ص508
[41] صحيح البخاري ج9 ص133 باب الحجة على من قال أن أحكام النبي(ص) كانت ظاهرة. وكذلك ج1 ص40 باب حفظ العلم.
[42] صحيح مسلم , كتاب اللباس , باب استحباب لبس النعل ص811
[43] تاريخ دمشق لابن عساكر ج67 ص354. وقريبٌ من هذا ورد في سنن الدارمي ج1 ص116
[44] هذه الروايات الستة من تاريخ دمشق لابن عساكر (ج67 ص346, 348, 351 , 352). وروى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين (ج3 ص509) كلام أبي هريرة لعائشة عن المرآة والمكحلة. وأيضاً رواه ابن حجر في الإصابة (ج7 ص358)
[45] أصول السرخسي (ج1 ص341). وكذلك حياة الصحابة للكاندهلوي (ج2 ص625).
[46] صحيح البخاري (آخر حديث في الجزء الرابع ص 253)
[47] نقلا عن مقدمة كتاب الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني (ص68)
[48] مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث ( ص60)
[49] "أقباس من مناقب أبي هريرة" لعبد المنعم العزي (ص116-117)
[50] صحيح البخاري (ج1 ص41 باب حفظ العلم).
[51] شيخ المضيرة (ص241)
[52] من مقدمة كتاب الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني ص65
[53] صحيح البخاري كتاب النفقات ج7 ص81
[54] فتح الباري في شرح صحيح البخاري ج9 ص413 باب وجوب النفقة على الأهل والعيال.
[55] تذكرة الحفاظ للذهبي (ج1 ص36). وأيضاً الإصابة لابن حجر العسقلاني (ج7 ص358)
[56] صحيح البخاري باب قول الله تعالى إنما قولنا لشيئ (ج9 ص170). وأيضاً سنن أبي داود (ج2 ص407)
[57] تاريخ دمشق لابن عساكر (ج67 ص343 و ص 359)
[58] صحيح البخاري (ج8 ص62 كتاب الاستئذان, باب بدء السلام).
[59] صحيح البخاري (ج2 ص66 كتاب التهجد , باب الدعاء والصلاة من آخر الليل).
[60] صحيح البخاري (ج9  ص164 باب ما جاء في قول الله تعالى : إن رحمة الله قريب من المحسنين).
[61] صحيح مسلم (ص87 كتاب الايمان).
[62] صحيح البخاري (ج1 ص205 كتاب الصلاة, باب فضل السجود).
[63] عقيدة أهل السنة والجماعة (ص11)
[64] شرح نهج البلاغة, لابن أبي الحديد (ج10 ص64)
[65] صحيح البخاري (باب من طلب الولد للجهاد , ج4 ص 27). وورد نفس الحديث في صحيح مسلم كتاب الإيمان ولكن فيه : قطعة لحم.
[66] صحيح البخاري (باب مَن أحب الدفن في الأرض المقدسة ج2 ص113). وقد بذل الإمام ابن قتيبة مجهوداً كبيراً في محاولة تفسير هذا الحديث العجيب. فكان أفضل ما خرج به في " مختلف تأويل الحديث" (ص 257 ) القول " وقد جعل الله سبحانه للملائكة من الاستطاعة أن تتمثل في صور مختلفة". ولكنه عجز عن تفسير السبب الذي جعل موسى يعتدي بالضرب على ملك الموت فيصيبه بالعَوَر.
[67] صحيح البخاري ج1 ص78 كتاب الغسل , باب من اغتسل عريانا. والآدر هو من به مرض أو عيب كالبرص أو الفتق.
[68] صحيح البخاري كتاب الطب ج7 ص181
[69] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج11 ص39)
[70] نقلا عن شيخ المضيرة , لمحمود أبو رية ( ص159)
[71] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج4 ص68)
[72] "أقباس من مناقب أبي هريرة"( ص159). وقد قدم العزي تبريرات لموقف أبي حنيفة ذاك, ولكنها جاءت ضعيفة ومتهافتة. ومنها مثلاً أن فقهاء الحنفية المتأخرين قد عبروا عن إجلالهم لأبي هريرة.
[73] " الاحكام " لابن حزم (ج2 ص148)
[74] نقلا عن مقدمة كتاب الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني( ص72)
[75] أصول السرخسي (ج1 ص341)