الحملة الدعائية المنظمة ضد عليّ وآل النبي
أولاً : الدولة الأموية تسخر طاقاتها لأغراض الدعاية
كيف بدأت حملة
التشهير الفظيعة
روى ابن أبي الحديد عن أبي الحسن
المدائني :
" كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة أن : برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته.
فقامت
الخطباء في كل كورة, وعلى كل منبر, يلعنون علياً ويبرؤون منه, ويقعون فيه وفي أهل بيته.
وكان أشدّ
الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة لكثرة مَن بها من شيعة عليّ عليه السلام. فاستعملَ عليهم زياد بن سمية وضمّ إليه البصرة . فكان يتتبع الشيعة وهو
بهم عارفٌ لأنه كان منهم أيام عليّ عليه السلام.
فقتلهم تحت كل حجر ومدر, وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل وسَمَل العيون, وصلبهم على جذوع النخل, وطرفهم
وشرّدهم عن العراق , فلم يبقَ بها معروفٌ
منهم.
وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق
ألاّ يجيزوا لأحدٍ من شيعة عليّ
وأهل بيته شهادة.
وكتب إليهم: أن انظروا مَن قِبلكم
من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته
والذين يروون فضائله ومناقبه, فأدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم. واكتبوا لي بكل
ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته.
ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان
ومناقبه, لما كان يبعثه إليهم معاوية من
الصلات والكساء والحباء والقطائع,
ويفيضه في العرب منهم والموالي. فكثر ذلك في كل مصر, وتنافسوا في المنازل والدنيا,
فليس يجيء أحدٌ مردود من الناس عاملاً من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو
منقبة إلاّ كتب اسمه وقربه وشفعه, فلبثوا بذلك حيناً.
ثم كتب إلى عماله : إن الحديث في عثمان
قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية. فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس
إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين. ولا تتركوا خبراً يرويه أحدٌ من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني
بمناقض له في الصحابة. فإن هذا أحب إليّ وأقرّ لعيني وأدحضَ
لحجّة أبي تراب وشيعته, وأشدّ عليهم من مناقب عثمان وفضله.
فقرئت كتبه على الناس, فرُويت أخبارٌ
كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها. وجدّ
الناسُ في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا
بذكر ذلك على المنابر, وألقي إلى معلمي الكتاتيب, فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع, حتى رووه وتعلموه كما
يتعلمون القرآن, وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم. فلبثوا بذلك إلى ما شاء
الله.
ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع
البلدان : انظروا مَن قامت عليه
البينة أنه يحبّ علياً
وأهلَ بيته, فامحوه من الديوان, وأسقطوا عطاءه
ورزقه.
وشفع ذلك بنسخة أخرى : مَن اتهمتمهوه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا
به واهدموا داره
فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة
, حتى إن الرجل من شيعة عليّ عليه السلام ليأتيه مَن
يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سرّه
ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمنّ عليه.
فظهر حديثٌ كثير موضوع , وبهتانٌ منتشر ومضى على ذلك الفقهاء والولاة
وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع
والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم ويقربوا مجالسهم ويصيبوا به
الأموال والضياع والمنازل. حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين
الذين لا يستحلون الكذب والبهتان , فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق. ولو
علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها
فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن
عليّ عليه السلام , فازداد البلاء والفتنة , فلم يبقَ
أحدٌ من هذا القبيل إلاّ وهو خائفٌ على دمه, أو طريد في الأرض.
ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين عليه
السلام. وولي عبد الملك بن مروان فاشتد على الشيعة , وولى عليهم الحجاج بن يوسف,
فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض عليّ وموالاة أعدائه, وموالاة من يدعي
من الناس أنهم أيضا أعداؤه , فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم ,
وأكثروا من الغض من عليّ عليه السلام وعيبه والطعن فيه والشنآن له. حتى أن إنساناً وقفَ
للحجاج – ويقال أنه جد الأصمعي عبد الملك بن قريب – فصاحَ
به : أيها الأمير : إن أهلي عقّوني فسمّوني علياً! وإني
فقيرٌ بائس . وأنا إلى صلة الأمير محتاج .
فتضاحك له الحجاج وقال : للطف ما توسلتَ به
قد وليتك موضع كذا
وقد روى ابن عرفه المعروف بنفطويه – وهو
من أكابر المحدثين وأعلامهم – في تاريخه ما يناسب هذا الخبر, وقال إن أكثر
الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعِلت في أيام بني أمية تقرّباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم. "[1]
وفي موضع آخر
روى ابن أبي الحديد كيف أصبحت رواية أي خبر إيجابي عن علي بن أبي طالب في غاية
الصعوبة والمخاطرة على راويها بسبب البطش الأموي. فهو ذكر عن أبي جعفر الاسكافي :
" ... فلم
يزل السيف يقطر من دمائهم , مع قلة عددهم وكثرة عدوهم, فكانوا بين قتيل وأسير ,
وشريدٍ وهارب, ومستخفٍ
ذليل وخائفٍ مترقب.
حتى إن الفقيه
والمحدث والقاضي والمتكلم, ليتقدم عليه ويتوعد بغاية الابعاد وأشد العقوبة, ولا
يذكروا شيئاً من فضائلهم , ولا يرخصوا لأحدٍ أن يطيف بهم .
وحتى بلغ من
تقية المحدث أنه إذا ذكر حديثاً عن عليّ عليه السلام كنّى عن ذكره فقال : قال رجلٌ من قريش, وفعل رجلٌ من قريش , ولا يذكر علياً عليه السلام ولا يتفوه باسمه.
ثم رأينا جميع
المختلفين قد حاولوا نقضَ
فضائله , ووجهوا الحيل والتأويلات نحوها, من خارجيّ
مارقٍ, وناصبٍ
حانق, وثابت مستبهم, وناشئ معاند , ومنافق مكذب, وعثمانيّ
حسود, يعترض فيها ويطعن....
وقد علمت أن
معاوية ويزيد ومَن
كان بعدهما من بني مروان أيام ملكهم – وذلك نحو ثمانين سنة – لم يدعوا جهداً في حمل الناس على شتمه ولعنه وإخفاء
فضائله وستر مناقبه وسوابقه"[2]
ونقل ابن أبي الحديد عن أبي جعفر الاسكافي "
إن معاوية وضع قوماً من الصحابة
وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في
عليّ عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه.
وجعل لهم على ذلك جعلاً
يرغب في مثله, فاختلقوا ما أرضاه. منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن
شعبة. ومن التابعين عروة بن الزبير.
روى
الزهري أن عروة بن الزبير حدّثه قال : حدّثتني عائشة قالت : كنت عند رسول الله إذ
أقبل العباس وعليّ فقال : يا عائشة! إنّ هذان يموتان على غير ملّتي أو قال :
ديني!"[3]
معاوية يباشر سياسة اللعن البغيضة بنفسه
وكان معاوية هو القدوة والمثل لعمّاله في إجبار كل
الناس على شتم عليّ بن أبي طالب والبراءة منه, عن طريق البطش والإرهاب. ونص
الحوار الذي دار بين معاوية وسعد بن أبي وقّاص مثالٌ يوضح
ذلك :
" ... أمرَ
معاوية بن أبي سفيان سعداً
فقال : ما منعكَ أن
تسُبّ أبا تراب؟
قال : أمّا ما ذكرت ثلاثا قالهنّ رسول الله فلن
أسبّه, لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم.
سمعت رسول الله يقول لعليّ وخلّفه في بعض مغازيه
, فقال له : يا رسول الله ! تخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله: أما
ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ؟
إلاّ أنه لا نبوّة بعدي.
وسمعته
يقول يوم خيبر : لأعطينّ الراية رجلاً يحب
الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. قال فتطاولنا لها
فقال : ادعوا لي علياً .
قال : فأتاه وبه رَمَد,
فبصقَ في عينه ودفعَ
الراية إليه, ففتح الله عليه.
وأنزلت هذه الآية ( ندع أبناءنا وأبناءكم
ونساءنا ونساءكم), دعا رسول الله علياً
وفاطمة وحسناً وحسيناً
فقال : اللهم! هؤلاء أهلي"[4]
*****
وهنا
مثالٌ آخر على سلوك
معاوية الحقود:
"
قام رجلٌ من أهل الشام خطيباً بين يدي معاوية ومعه وجوه الناس, فكان
آخر كلامه أن لعنَ علياً. فأطرقَ
الناس, وتكلم الأحنف (بن قيس) فقال : يا أمير المؤمنين ! إن هذا القائل ما قال
آنفاً لو (لم) يعلم أن رضاك في لعن المرسلين
للعنهم! فاتّقِ الله ودَع
عنك علياً. فلقد لقي ربّه
وأفردَ في قبره وخلا بعمله. وكان والله ما
علمنا المبرّز بسبقه, الطاهر خلقه, الميمون نقيبته, العظيم مصيبته.
فقال
له معاوية : يا أحنف! لقد أغضيت العين على القذى, وقلت بغير ما ترى. وأيم الله
لتصعدنّ المنبر فلتلعنّنه طوعاً أو كرهاً!
فقال
له الأحنف : يا أمير المؤمنين إن تعفني فهو خيرٌ
لك. وإن تجبرني على ذلك فوالله لا تجري به شفتاي أبداً.
فقال
: قم فاصعد المنبر.
قال
الأحنف: أما والله – مع ذلك – لأنصفنّك في القول والفعل.
قال
: وما أنت قائلٌ يا أحنف إن أنصفتني؟
قال
: أصعدُ المنبرَ
فأحمدُ الله بما هو أهله, وأصلّي على نبيّه(ص)
ثم أقول : أيها الناس, إن أمير المؤمنين معاوية أمرني أن ألعن علياً. وإنّ علياً
ومعاوية اختلفا فاقتتلا. وادّعى كل واحد منهما أنه بغي عليه وعلى فئته. فإذا دعوت
فأمّنوا رحمكم الله. ثم أقول: أللهم العن أنت وملائكتك وانبياؤك وجميع خلقك الباغي
منهما على صاحبه. والعن الفئة الباغية. اللهم العنهم لعناً
كثيرا. أمّنوا رحمكم الله. يا معاوية : لا أزيد على هذا ولا أنقص منه حرفاً ولو كان فيه ذهاب نفسي.
فغصّ
معاوية بريقه وقال : إذن نعفيك يا أبا بحر"[5]
وهنا
يُظهِر
زعيم قبيلة تميم إصراراً على
رفض الطلب المهين الذي أراده معاوية, ويشتدّ في صدّه إلى حدّ أن ابنة معاوية سألت
أباها عن سبب تحمّله لكلام الأحنف؟ فأجابها : يا بنية ,
إنّه سيد بني تميم . إذا غضبَ غضبَ
معه مائة ألفٍ لا يسألونه لمَ
غضب؟
فإذا كان معاوية
لا يتردد في الضغط على صحابيّ
كبير, كسعد بن أبي وقاص, وزعيم قبيلةٍ كبيرةٍ, كالأحنف بن قيس الذي شهد صفّين مع عليّ, والطلب
منهما شتمَ
عليّ, وبكلّ وقاحة,
فكيف يكون حال العامة من المسلمين في أيام معاوية؟ وهل يملكون القدرة على تحدّي الأمر الملكيّ
الصادر إليهم؟ ومَن يعصم دماءهم
من الحاكم الأموي إن رفضوا؟
وقد كان معاوية القدوة لعماله وولاته في البطش والقسوة على كل من
بقي على ولائه لعلي بن أبي طالب, من أهل العراق خاصة. ومن أبرز الأمثلة التي ذاعت
وانتشرت بين المسلمين عامة كان ما فعله معاوية بكل من حُجر بن عدي الكندي وعمرو بن
الحمق الخزاعي, الذين كانا من أنصار عليّ الأوفياء.
فحجر بن عدي[6] لم يُطِق
ما كان يفعله والي معاوية على العراقين, زياد بن أبيه. فأصرّ حجر على التصدي لزياد
حين كان يصعد المنبر ليشتم علياً . وكان ردّه جريئاً قوياً, فلم يكتفِ بالقول بل
قذفه بالحجارة:
" ذكر زياد بن سمية علياً بن أبي طالب على المنبر.
فقبض حُجر على الحصباء ثم أرسلها وحَصَبَ مَن حوله زياداَ.
فكتب إلى معاوية أن حجراً حَصَبني وأنا على المنبر.
فكتب إليه معاوية أن يحمل إليه حجراً"[7]
وفي رواية أخرى أن حُجراً قال لزياد على رؤوس الأشهاد : "كذبتَ كذبتَ
كذبتَ عليكَ لعنة الله"
وواجه زيادٌ صعوبة في القبض على حُجر بسبب منزلته الرفيعة بين أهل الكوفة
وكثرة أنصاره بها. فقد اجتمع لحجر ثلاثة آلاف رجل حملوا السلاح. ولكنه نجح أخيراً
في إلقاء القبض عليه بعد أن أعطى وعوداً لأهل الكوفة بأن لا يُقتل. ثم أرسله مع
رهط من أصحابه إلى الشام. وهناك, في مرج عذراء قرب دمشق, أصدر معاوية حكمه الرهيب
: الإعدام ! ونُفذ الحكم الفظيع بالأسير المقيد, الشامخ, الذي رفض البراءة من علي
.
وأما عمرو بن الحمق[8]
ففر من جلاوزة معاوية واختفى في منطقة الموصل. فلجأ معاوية إلى أسلوبٍ خسيس حقاً ,
لم تألفه العرب من قبل : ألقى القبضَ على زوجته آمنة بنت الشريد واحتبسها عنده
رهينة حتى يسلم زوجها نفسه!
ونجح والي الموصل, ابن أخت معاوية, عبد الرحمن بن الحكم في العثور عليه في
مغارة قرب الموصل وقد مات بعد ان لدغته أفعى. فقطع رأسه وأرسله إلى سيده معاوية
الذي أمر برأسه أن يلقى في حجر زوجته الملتاعة وهي في سجن دمشق" فوضعت كفها
على جبينه ثم لثمت فاه ثم قالت : غيبتموه عني طويلاً ثم أهديتموه إلىّ قتيلاً,
فأهلاً بها من هدية غير قالية ولا مقلية"[9]
وهذه الأمثلة على ممارسات معاوية بعد انفراده بالسلطة, وهي وقائع حقيقية لا
خلاف بشأنها, وخاصة جريمة قتل حُجر بن عدي بدم بارد لا لذنب إلاّ الوفاء لعليّ ,
تجعل من صحّة روايات ابن أبي الحديد حول كتب وأوامر معاوية أمراً مرجحاً جداً, بل
وأكيداً.
تنفيذ
أوامر معاوية في كل مكان
إذن لم يعد سبّ علي بن أبي طالب أمراً يمارسه فقط
الراغبون في التقرّب من السلطات الأموية الحاكمة والطامعون برضاء الأمراء والولاة,
بل أصبح شتمُ " أبي تراب " ولعنه أمراً تفرضه السلطة الحاكمة على كل
الخطباء على منابر الجمعة طوال عهد معاوية, ومَن بعده من الحكام الأمويين. ومن
كثرة تكراره جيلاً بعد آخر, صار ذلك من "كليشيهات" خطبة الجمعة, يردده
الخطباء ويسمعه العامة دون حتى أن يعرف بعضهم مَن هو "أبو تراب " !
وتروى بعض الطرائف بهذا الشأن , ومنها أن أحدهم سأل شيخاً شامياً " مَن هذا
أبو تراب الذي يلعنه الإمام على المنبر؟ " فأجابه " أظنه لصّاً من لصوص
العرب ". وقام عمر بن عبد العزيز بوقف "سنة " اللعن هذه خلال عهده
القصير, إلاّ أن مَن بعده من خلفاء بني أمية استأنفوها.
وبالإضافة إلى ذلك, قام عملاء السلطة باقتراف جريمة
الكذب على لسان رسول الله(ص) من أجل خاطر أسيادهم.
موجة أحاديث الفضائل المختلقة
وانطلقَ الوضّاعون وطلاّب المغانم وعبيدُ الحكام في كل اتجاه يختلقون من الأحاديث
ما يرضي سادتهم من بني أمية .
أ- أحاديث مدح الخلفاء الثلاثة:
روى
ابن عساكر أن مُرة بن كعب قام خطيباً بحضرة معاوية, وقد أجلسَ الناسَ
له ليسمعوه, وروى له حديثاً نسَبه إلى النبي(ص):
" سمعتُ
رسولَ الله(ص) يذكر فتنة فقربها.
فمرّ رجلٌ
مقنّع.
فقال : هذا يومئذٍ وأصحابه على الحق والهدى.
فقلت : هذا يا رسول الله؟ وأقبلت بوجهه إليه.
فقال : هذا! فإذا هو عثمان بن عفان"[10]
وتنفيذاً لأوامر معاوية , وُضِعت
آلاف الأحاديث في فضائل الصحابة والخلفاء. وذهب عملاء السلطة إلى الشطط
والغلوّ في اختلاق الفضائل للكثيرين من أجل محاولة موازنة فضل عليّ .
فقالوا على لسان النبي(ص) " يتجلى الله
لعباده في الآخرة عامة, ويتجلى لأبي بكر خاصة"[11]
روى
بعضهم أن أوراق شجر الجنة مكتوبٌ عليها أسماء الخلفاء الثلاثة !
"
قال النبي ( ص) : ما في الجنة شجرة ما عليها ورقة إلاّ مكتوبٌ عليها : لا إله إلاّ الله محمد رسول
الله. أبو بكر الصديق, عمر الفاروق, وعثمان ذو النورين"
وروى
آخرون أن عرش الله عز وجل مكتوبٌ عليه أسماء الخلفاء !
"
قال رسول الله(ص) : ليلة أسري بي رأيت على العرش مكتوباً
لا إله إلاّ الله محمد رسول الله. أبو بكر الصديق, عمر الفاروق , عثمان ذو النورين
يقتل مظلوماً "
ولم
يكتفوا بأسماء الخلفاء المكتوبة على ورق الجنة وعرش الله, بل اخترعوا معجزة إلهية
يعود فيها رجلٌ ميتٌ
إلى الحياة لينطق بأسمائهم ثم يعود للموت مرة أخرى !
"
توفي رجلٌ من الأنصار . فلما كفّن وأتاه القوم
ليحملوه, تكلم فقال : محمد رسول الله حقاً.
أبو بكر الصديق الضعيف في العين القوي في أمر الله. عمر بن الخطاب القوي الأمين. عثمان
بن عفان على منهاجهم"
ب- وبالأخص عثمان :
ومن
أجل أن تقرّ
أعين معاوية, بدؤوا في حملة مركّزة لاختراع فضائل لعثمان بن عفان بالذات لتوازي المناقب
المشهورة والكثيرة لعليّ بن أبي طالب , واحدة تلو
أخرى :
فلأنّ
أبناء عليّ هم أحفاد الرسول(ص) اخترعوا حفيدا للنبي(ص) من صُلب عثمان :
"
ولد له من رقية بنت رسول الله(ص) غلامٌ
أسماه عبد الله, واكتنى به, فكناه المسلمون أبا عبد الله. فبلغَ عبد الله ست سنين , فنقره ديكٌ على عينه فمرضَ فماتَ"
ولأن
النبي(ص) قال حين بعث علياً
بسورة براءة بدلاً من أبي بكر, لا
يؤدّي عني إلاّ رجلٌ مني, نسبوا
للرسول(ص) قولا مناظراً
لعثمان :
"
أنا من عثمان وعثمان مني "
ولموازاة
حديث الغدير المشهور وقول النبي(ص) عن عليّ : مَن
كنت مولاه فعليّ مولاه, اخترعوا حديثاً :
"
عثمان بن عفان وليّي في الدنيا ووليّي في الآخرة "
ثم
أتبعوه بحديثٍ
آخر فيه النصّ على
خلافة عثمان :
" خرجَ
رسول الله(ص) وبلال.
فقال : يا بلال: نادِ في الناس أن الخليفة أبو بكر.
ثم قال : يا بلال: نادِ في الناس أن الخليفة بعد أبي
بكر عمر.
ثم قال : يا بلال: نادِ في الناس أن الخليفة من بعد
عمر عثمان.
قال : فرفع رأسه إلى السماء وقال : يا بلال امضِ. أبى
الله عز وجل إلاّ ذلك . ثلاث مرات"
ووصلت
وقاحتهم حداً لا يوصف حين لم تعجبهم الآية القرآنية,
ومباهلَة الرسول (ص) الكفار بعليّ وآله, قالوا, وعلى لسان حفيد عليّ بالذات :
"
سمعتُ جعفر بن محمد عن أبيه في هذه الآية (
تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) قال : فجاء بأبي
بكر وولده, وبعمر وولده, وبعثمان وولده, وبعليّ وولده"
ولأن
النبي(ص) آخى بين نفسه وبين عليّ , قالوا :
"
خرج رسول الله(ص) فلما رآه عثمان عانقه فقال رسول الله(ص) : قد عانقتُ أخي. فمن كان له أخاً فليُعانقه"
وأضافوا
أن النبي(ص) اختار عثمان من بين كل الناس كرفيقٍ له في الجنة :
"
قال رسول الله(ص) : إن لكل نبيّ
رفيقاً , وإن رفيقي في الجنة عثمان"
وبعد
أن اعتقدوا أنهم بذلك قد عادلوا فضائل عليّ ونقضوها, انطلقوا إلى اختراع المزيد من الفضائل لإثبات تميّز عثمان :
فجعلوا
له قصراً ذهبياً في الجنة :
"
قال النبي(ص) : دخلتُ الجنة فإذا أنا
بقصرٍ من ذهبٍ ودرٍ وياقوت. فقلت : لمن هذا؟ فقالوا :
للخليفة من بعدك, المقتول ظلماً
عثمان بن عفان"
وزعموا أن لعثمان شفاعة من شأنها أن تقنع الله
تعالى أن يُدخِلَ مَن
استحق النارَ إلى
الجنة!
" قال رسول الله(ص) : ليدخلنّ بشفاعة عثمان بن
عفان سبعون ألفا , قد استحقوا النار, الجنة بلا حساب"
وجعلوا حب
عثمان من أركان الإيمان, إلى درجة أن النبي(ص) يُخرج
مَن أبغضَ
عثماناً من الإسلام :
"
أتي رسول الله(ص) بجنازة رجلٍ فلم يصلّ
عليه. فقالوا : يا رسول الله! ما رأيناكَ
تركتَ الصلاة على أحدٍ إلاّ هذا! قال : لأنه كان يبغض عثمان"
وبالتالي
قوّلوا النبي(ص) أنه ينصح الناس بالموت من بعد الخلفاء الثلاثة!
"
قال النبي(ص) لأعرابيّ : إذا متّ أنا وأبو بكر وعمر وعثمان, فإن استطعتَ أن تموتَ
فمُت"
ونسبوا
للنبي(ص) أنه يقضي الليل بطوله وهو يعبّر عن رضاه على عثمان :
"
عن أبي سعيد : رمقت النبي(ص) ذات ليلة رافعاً
يديه من أول الليل إلى أن طلعَ
الفجر يدعو لعثمان وهو يقول : اللهم عثمان! رضيت عنه"
وادّعوا
أن النبي(ص) عبّر عن أسفه لأنه ليس لديه أربعين بنتاً لكي يزوجهنّ لعثمان!
"
قال النبي(ص) لعثمان : لو أن لي أربعين ابنةً زوجتكَ واحدةً بعد واحدةٍ حتى لا يبقى منهنّ واحدة"
ودوناً
عن غيره من المهاجرين, جعلوا هجرة عثمان شبيهةً بهجرة النبي لوط:
"
قال النبي(ص) : إن كان عثمان بن عفان لأول من هاجر إلى الله بعد لوط"
ولم
يستحوا من تصوير النبي(ص) وهو يتلقّى الوحي الإلهي وهو واضعٌ رأسَه
على فخذِ حبيبته عائشة, وبقربه الكاتب الأمين على
كلام الله عثمان!
عن
عائشة " لقد رأيتُ
رسول الله (ص) واضعاً رأسه على فخذي,
وعثمانُ عن يمينه, وجبريل يوحي إليه ورسول
الله(ص) يقول : أكتب عثمان"
ولكي
يقطعوا الطريق على كل الذين يعيبون على عثمان ما اقترفه من موبقات أثناء فترة
خلافته ويعيبون عليه فساد حكمه وسياسته قالوا أن النبي(ص) قال لعثمان :
"
غفرَ الله لك يا عثمان ما قدّمتَ وما أخّرتَ
وما أسررتَ وما أعلنتَ وما أخفيتَ وما أبديتَ, وما هو كائنٌ إلى يوم القيامة"[12]
وأخرج الطبراني حديثاً طريفاً حقاً يتكلم فيه النبي(ص)
عن إحدى الحور العين الرائعات الجمال والتي تخرج من قلب تفاحةٍ لتكون من نصيب
عثمان بن عفان في الجنة! وفيما يلي النص :
" قال رسول الله(ص): بينا انا جالسٌ إذ جاءني جبريل
فحملني فأدخلني جنة ربي عز وجل. فبينا أنا جالسٌ إذ جُعلت في يدي تفاحة.
فانفلقت التفاحة بنصفين.
فخرجت منها جارية , لم أرَ جارية أحسن منها حُسناً ولا
أجمل منها جمالاً , تسبّحُ تسبيحاً لم يسمع الأولون والآخرون بمثله.
فقلتُ : من أنتِ يا جارية؟
قالت : أنا من الحور العين . خلقني الله عز وجل من نور
عرشه.
فقلتُ : لمن أنتِ ؟
قالت : للخليفة المظلوم عثمان بن عفان رضي الله
عنه."[13]
ج- وحتى أحاديث في مدح أبي سفيان نفسِه!
وبعد
أن شعروا أنهم اختلقوا ما يكفي من الفضائل للخلفاء, انتقلوا إلى اختراع فضائل لأبي
سفيان ذاته! ولمَ لا؟ فلعلّ ذلك يقربهم إلى معاوية فيجود عليهم:
فقالوا
عن أبي سفيان أنه فقدَ عينيه جهاداً في سبيل الله, واحدةً في حياة النبي(ص)
والأخرى بعده, وأن الرسول (ص) شهد له بالجنة!
"
إن أبا سفيان أصيبت عينه يوم حنين أو الطائف. فقال له رسول الله(ص): اختر إن شئتَ
عينكَ أو عيناً في الجنة.
فاختار
عيناً في الجنة.
ثم
أصيبت عينه الأخرى يوم اليرموك فعَمِي"
وذكروا
أن رسول الله(ص) قال : " ... مَن مثلُ
أبي سفيان؟ إذا أقبلتُ من عند ذي العرش أريد الحساب, فإذا بأبي سفيان معه كأسٌ من ياقوتةٍ
حمراء يقول: اشرب يا خليلي.
د- وأين نصيب معاوية من أحاديث المناقب؟
ومن البديهي أن ينال معاوية نفسه نصيباً وافراً من
أحاديث الفضائل المختلقة !
فهم قالوا إن النبي(ص) دعا له بأن يكون مصدر هداية
للمسلمين " اللهم إهدِهِ واهدِ به, وعلمه الكتاب والحساب, وقِه العذاب "
وهم قالوا إن معاوية مغفورُ الذنبِ لأنه من الدائرة
الضيقة المؤتمنة على كلام رب العالمين , والمكونة من محمد(ص) والملاك جبريل
ومعاوية بن أبي سفيان !
" قال رسول الله(ص) : إن الله ائتمن على وحيه جبريل
وأنا ومعاوية. وكاد أن يُبعث معاوية نبياً من كثرة حِلمه وائتمانه على كلام ربي.
فغفر لمعاوية ذنوبه ووفاه حسابه وعلمه كتابه وجعله هادياً مهدياً وهدي به"
ونسبوا قولاً إلى علي بن أبي طالب يشهد له فيه بأنه
أحد أمناء الله وأن الرسول (ص) دعا له بالتمكين في البلاد! فذكروا أن علي بن
أبي طالب قال إنه سمع بأذنه رسول الله (ص) يقول لمعاوية " أنتَ يا معاوية أحد
أمناء الله. اللهم علمه الكتاب ومكّن له في البلاد"
وقالوا إن الله أمر محمدا(ص) باتخاذ معاوية كاتباً
لوحيه!
" قال النبي(ص) : أتاني جبريل فقال : اتخِذ معاوية
كاتباً "
ثم قالوا إن الله أرسل إلى معاوية بقلم من ذهب
ليكتب به آية الكرسي, فهو ينال ثواب مَن يقرأها إلى يوم القيامة !
" نزل جبريل على
النبي(ص) ومعه قلمٌ من ذهب إبريز فقال : إن الله سبحانه يقرأ عليك السلام
ويقول لك : هذه هدية مني إلى معاوية. فقل له يكتب به آية الكرسي بخط حَسَن ويشكلها
ويعجمها, وأعلمه أني قد كتبتُ له ثواب مَن قرأها إلى يوم القيامة"[15]
وكالَ شيخ الإسلام ابن تيمية المديحَ لمعاوية.
فهو كان يعتبره من " خيار الأئمة " !
" ... ولا تولّى ملكٌ من ملوك المسلمين أحسنُ سيرة من معاوية رضي الله عنه" وأيضاً" ... وكانت سيرته في
أهل الشام من أحسن السير، وكانت رعيته من أعظم الناس محبةً له. وفي الصحيح عن
النبي (ص) أنه قال : ((خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبّونكم،
وتصلّون عليهم ويصلّون عليكم )) , وكان
معاوية تحبه رعيته وتدعو له، وهو يحبها ويدعو لها."
[16]
ثانياً : مجهودات هائلة للدفاع عن " منافسي "
علي
التغطية على عيوب أشخاص بعينهم
أ- ابن هشام " يشذب " في سيرة ابن اسحاق !
فرغم أن كاتب السيرة النبوية الشهير, ابن
هشام, قد عاش في العصر العباسي, إلاّ أنه اعترف , بشكل غير مباشر, بأنه كان يراعي
فيما يكتب السلطات الحاكمة. فقد اعترف ابن هشام[17]
أنه كان يحذف مما وصل إليه, وينتقي منه ما لا يسبب إزعاجاً " لبعض الناس"
! فقال في مقدمته إنه ترك بعض ما ذكره ابن اسحق " مما يسوء بعض الناس
ذكره"!
فمَن يكون "بعض الناس" هؤلاء
الذين ترك رواية بعض أخبار السيرة النبوية من أجل خاطرهم؟ أليسوا هم أولئك الذين
استولوا على الحكم والسلطة بغير حق؟
والعباسيون
لم يكونوا من عشاق معاوية. ولكن المؤسسة الدينية التقليدية في أيامهم كانت امتداداً لتلك التي تأسست أيام معاوية والأمويين,
وتتبنّى نفس مبادئها. وهي لم تكن ترتاح للسرد الكامل والصريح للمثالب التي تتعلق
بالحاكم أو الخليفة, لأن ذلك من شأنه أن يهز شرعية منصب الخليفة ذاته. والحكام
العباسيون يشاركونها في ذلك الرأي لكي لا يمتد ذلك إليهم. فهم يعلمون أن الأمر
سيبدأ ببني أمية, ثم سينتهي إليهم. فالأفضل ترك ذلك كله.
ومرّة
أخرى اعترف ابن هشام أنه حذف بعض أبيات الشعر التي تسيء إلى هند بنت عتبة!
ففي
معرض كلامه عن معركة أحُد
ذكر أن عمر بن الخطاب قال لحسّان بن ثابت أن هنداً
كانت تمثّل بجسد حمزة بن عبد المطلب ببشاعة وتقول شِعراً في ذلك. فقال حسّان بن ثابت شعراً يهجو فيه هنداً
ويردّ على كلامها. واكتفى ابن هشام برواية أول بيت لحسّان وهو :
أشرت
لكاع وكان عادتها
لؤما إذا أشرت مع الكفر
وإذا كان من الجائز للبعض أن يعذر ابن هشام هنا, على
اعتبار أن ذوقه لم يسمح له بسرد الشعر المقذع بحق هند, فإن هناك أمثلة أخرى على
تدخلاته فيما ورده من السيرة ليس لها علاقة بالذوق ولا بالشعر!
ومن أبرز تدخلاته في السيرة النبوية التي رواها ابن
اسحاق , هي محاولته التغطية على موقف لعثمان بن عفان حصل في العهد النبوي.
فالذي حصل أنه أثناء انتداب الرسول (ص) لأصحابه لبناء
المسجد في قباء عند أول وصوله إلى المدينة, وانخراطه هو شخصياً في العمل المرهق
لكي يشجعهم ويكون قدوة لهم, اضطر عثمان بن عفان إلى مشاركة بقية المسلمين في العمل
وحمل اللبن. ولكن يبدو أن عثمان, وهو التاجر الثري, كان يفعل ذلك مجاراة للرسول(ص)
لا أكثر, وليس عن رغبة ولا هِمّة, ويرى أن هذا النوع من العمل لا يناسب مقامه
الرفيع. فكان يتثاقل في نقل اللبن ويُظهِرُ اهتماماً زائداً بالمحافظة على نظافة
ثيابه وأكمامه, فينفضها من الغبار باستمرار. ويبدو أن ذلك قد أثار حفيظة عمار بن
ياسر, وهو من الصحابة الأولين المستضعفين, الذي كان يعمل بحماس شديد لدرجة أنه كان
يحمل عدة لبناتٍ معاً وقد كساه الغبار والعَرَق. فأخذ عمار بن ياسر يرتجز بصوتٍ
عالٍ ( وهو يقصد أن يسمعه عثمان ) :
لا يستوي مَن يعمر المساجدا
يدأبُ فيه قائماً وقاعدا
ومَن يُرى عن الغبار حائدا
فلما سمع عثمانُ قولَ عمار , عرف أنه المقصود ,فغضبَ وهَدّد عماراً بالضرب
, مما أدى إلى تدخل الرسول (ص) إلى جانب عمار ووقفه لعثمان عند حدّه.
ولكن بما أن هذه الحادثة فيها ما لا يتسق مع المقام الرفيع الذي أرادوه
للخليفة الثالث المبشر بالجنة, فإن ابن هشام قرر أن يجدَ حلاً للمعضلة, مع
المحافظة على ذكر الحادثة لكي يرضي ضميره ويقنع نفسه بأنه لم يحذف سيرة النبي(ص)
نفسها! فكان الحل عنده أن يروي معظم الرواية دون أن يذكر فيها اسم عثمان,
لكي يبقي الرجلُ الذي أغضب عماراً وتدخل الرسول(ص) ضده , مجهولاً للقارئ!
قال ابن هشام أنه بعد أن أخذ عمار يرتجز بالشعر المذكور أعلاه:
" ظنّ رجلٌ من أصحاب رسول الله(ص) أنه إنما يعرّض به.
فيما حدثنا زياد بن عبد الله البكائي, عن ابن اسحاق. وقد سمّى ابنُ
اسحاق الرجلَ.
فقال : قد سمعتُ ما تقولُ منذ اليوم يا ابن سميّة. والله إني لأراني سأعرض
هذه العصا لأنفكَ ! وفي يده عصا.
فغضب رسول الله (ص) ثم قال : ما لهُم وعمار؟! يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى
النار. إن عماراً جِلدَة ما بين عَيني وأنفي. فإذا بلغ ذلك من الرجل فلم
يستبق فاجتنبوه"[19]
وهكذا فإن ابن هشام قرر أن يبقي اسم عثمان طيّ الكتمان, واستبدله بِ "
رجلٌ من أصحاب رسول الله", رغم أنه اعترف بأن ابن اسحاق , صاحب السيرة الأصلي,
قد سمّى ذلك الرجل صراحة.
وإن غيرَ ابن هشام قد ذكر اسم عثمان في هذه الحادثة, ومنهم ابن سعد[20]
الذي أشار إلى حادثة شجار عثمان وعمار أثناء بناء مسجد قباء, إلى درجة أن عماراً
وصف عثمان حينها بأنه " نعثل " على سبيل الذم.
ب- الإمام
البخاري يقرّر التصرف في صياغة الروايات للتغطية على بعض الصحابة
وهناك
الكثير من الأدلّة على أن الإمام البخاري كان يتعمّد في صحيحه التغطية على
أشخاص بعينهم من أجل تبييض صفحتهم . فهو كان يحذف الاسم الصريح من الحديث إذا كان
لا يتفق مع نظرته هو إلى الشخص المذكور. وهذا نوع من التزوير. لأن إبقاء الحديث
مجتزءً أو مبنياً
للمجهول يفقده معناه في الأغلب.
المثال
الأول
: حذف اسم عثمان بن عفان بسبب انتقاد الصحابة له:
روى
مسلم في صحيحه " عن أسامة بن زيد قيل له : ألا تدخل على عثمان فتكلمه؟
فقال : أترونَ
أني لا أكلمه إلاّ أسمعكم؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه, ما دون أن أفتتح أمراً لا أحب أن أكون أول مَن فتحه, ولا أقول لأحدٍ , يكون عليّ أميراً : إنه خير الناس, بعدما سمعت رسول
الله(ص) يقول : يؤتى بالرجل يوم القيامة, فيلقى في النار , فتندلق أقتاب بطنه,
فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى , فيجتمع إليه أهل النار , فيقولون : يا فلان
مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟
فيقول : بلى. قد كنت آمر بالمعروف ولا
آتيه, وأنهى عن المنكر وآتيه"[21]
وأما
البخاري فقد روى نفس الحديث عن أسامة بن زيد, ولكنه ببساطة قام بحذف اسم عثمان بن
عفان واستبدله بِ " فلان ",
فبدأ الحديث عند البخاري كما يلي " قيل لأسامة : لو أتيتَ فلانا فكلمته . قال :
إنكم ...."[22]
واضحٌ إذن كيف أن تدخّل البخاري كان لأنّ
أسامة بن زيد كان ينتقد عثمان بن عفان وسياسته ويستدلّ على ذلك بحديث عن الرسول(ص)
يتوعّد بعذاب يوم القيامة.
وأيضا
يمكن الإشارة إلى حادثة إصدار الخليفة عثمان أوامره إلى أبي ذر الغفاري بعدم
الفتوى والحديث عن رسول الله(ص).
روى
البخاري " قال أبو ذر: لو وضعتم الصمصامة على هذه – وأشار إلى قفاه – ثم ظننتُ أني أنفذ كلمة سمعتها من النبي(ص) قبل
أن تجيزوا عليّ لأنفذتها"[23]
ولكن
البخاري لم يذكر مقدمة الحديث والتي يظهر فيها السبب الذي دفع أبا ذر إلى القول
أنه سيبلّغ حديث النبي(ص) حتى لو تعرض للقتل بسبب ذلك.
وقد
تولّى شارحُ صحيح البخاري توضيح ذلك. فقد ذكر ابن حجر
العسقلاني أن أبا ذر كان جالساً عند الجمرة الوسطى وقد اجتمع إليه الناس
يستفتونه فأتاه رجلٌ فوقف عليه ثم
قال : ألم تُنهَ
عن الفتيا؟!
فرفع
أبو ذر رأسه إليه وقال : أرقيبٌ أنتَ عليّ ؟! لو وضعتم الصمصامة......
فلم يشأ الإمام البخاري أن يذكر أن الخليفة عثمان كان قد
أصدر أمراً بمنع أبي ذر من نشر كلام النبي(ص) بين الناس, مراعاة لقريش ومن أجل
خاطرها, وأن أبا ذر كان يرفض ذلك ويصرّ على تبليغ كلام النبي(ص) مهما تكن النتائج.
المثال
الثاني
: حذف اسم عمر بن الخطاب بسبب جهله الأحكام الفقهية
حَكمَ
عمرُ بن الخطاب في خلافته برجم المجنونة
الزانية, وكاد الحكم ينفّذ لولا تدخّل عليّ بن أبي طالب. فقد روى أبو داود في
سننه :
"
أتي عمر بمجنونةٍ قد زنت,
فاستشار بها أناساً, فأمر بها أن
ترجم.
فمرّ بها عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال
: ما شأن هذه؟
قالوا
: مجنونة بني فلان زنت, فأمر بها عمر أن ترجَم!
فقال
: ارجعوا بها.
ثم
أتاه فقال : يا أمير المؤمنين : أما علمتَ
أن القلم قد رُفِع
عن ثلاثة : عن المجنون حتى يبرأ, وعن النائم حتى يستيقظ, وعن الصبيّ حتى يعقل؟
قال
: بلى.
قال
: فما بال هذه ترجم؟
قال
: لا شيئ.
قال
: فأرسِلها.
وأما
البخاري فقد أخرج الراوية مجتزأة مبتسرة بعد أن حذف منها كل ما من شأنه إظهار جهل
عمر بن الخطاب بالحكم الشرعي. فقد روى " وقال عليّ لعمر : أما علمتَ أن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق, وعن
الصبي حتى يدرك, وعن النائم حتى يستيقظ"[26]
تجاهل
البخاري متعمداً ذكر السبب الذي دفع علياً إلى قول ما قاله لعمر. فالبخاري اعتقد
أن الفتوى التي أصدرها عمر بن الخطاب بشأن المجنونة لا يجب أن تروى, لأنها لا تليق
بالمقام الذي يريده لعمر.
وكذلك
أفتى عمر بن الخطاب بترك الصلاة حين الجنابة إذا لم يتوفر الماء. وهنا أيضا
تدخل الصحابي عمار بن ياسر ليذكر الخليفة بحكم الرسول(ص) في إجازة التيمم في هذه
الحالة.
روى
مسلم في صحيحه " أن رجلاً أتى
عمر فقال : إني أجنبتُ فلم أجد ماءً.
فقال
: لا تصلّ.
فقال
عمار : أما تذكر يا أمير المؤمنين ! إذ أنا وأنتَ
في سرية فأجنبنا, فلم نجد ماءً.
فأما أنتَ فلم تصلّ. وأما أنا فتمعّكتُ في التراب وصلّيتُ . فقال النبي(ص) : إنما كان يكفيكَ أن تضرب بيديك الأرض, ثم تنفخ, ثم تمسح
بهما وجهك وكفّيك.
فقال
عمر : اتّقِ الله يا عمار!
وأما
البخاري, فلم يَرُق
له إعلان جهل عمر بن الخطاب بفتوى الرسول(ص), فكان الحل عنده هو حذف المقطع من
الحديث الذي يحتوي على فتوى عمر للرجل " لا تصلّ " . وفيما يلي النص
كاملاً :
"
جاء رجلٌ إلى عمر بن الخطاب فقال : إني أجنبتُ فلم أصِب
الماء.
فقال
عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب : أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت , فأما أنت فلم
تصلّ, وأما أنا فتمعّكت فصلّيتُ, فذكرتُ
ذلك للنبي(ص) فقال : إنما كان يكفيك هكذا. فضرب النبي(ص) بكفّيه الأرض ونفخ فيهما
ثم مسح بهما وجهه وكفّيه"[28]
المثال
الثالث
: حذف اسم سمرة بن جندب للتغطية على فساد سلوكه
روى
مسلم في صحيحه أن سمرة بن جندب كان يبيع الخمر :
"
بلغ عمر أن سمرة باع خمراً.
فقال
: قاتل الله سمرة. ألم يعلم أن رسول الله(ص) قال : لعن الله اليهود. حُرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها"[29]
واما
البخاري فروى الحديث على النحو التالي :
"
بلغ عمر أن فلاناً باع
خمراً.
فقال
: قاتل الله فلانا. ألم يعلم أن رسول الله(ص) قال : قاتل الله اليهود. حرمت
عليهم الشحوم فجملوها فباعوها"[30]
والسبب
الذي دفع البخاري إلى مخالفة مبادئ الأمانة في النقل, واستخدامه ل "فلان"
بدلا من الاسم الحقيقي للفاعل, هو لأن سمرة بن جندب صحابيٌ
جليلٌ بنظره, عَدلٌ وحديثه عن الرسول(ص) مقبول! وهذا طبعاً لا يستقيم مع سلوك سمرة بن جندب , بائع
الخمور.
*****
ج- أمثلة أخرى
من غير البخاري
وعدا
عن البخاري ورواياته, فإن كتب التاريخ والسيرة والحديث والتفسير, مليئة بالحالات
التي لجأ فيها لجأ فيها الرواة إلى محاولة التغطية على شخصيات معينة من الصحابة, أو إخفاء ما اقترفوه , أو تبييض
صفحتهم. وهنا مثالان آخران صارخان:
ورد
في مغازي الواقدي أثناء حديثه عن غزوة أحد :
"
وكان ممّن ولّى فلان, والحارث بن حاطب, وثعلبة بن حاطب, وسواد بن غزية,
وسعد بن عثمان, وعقبة بن عثمان, وخارجة بن عامر, بلغ ملل, وأوس بن قيظي في نفر من
بني حارثة بلغوا الشقرة.
ولقيتهم
أم أيمن تحثي في وجوههم التراب...." [31]
وهكذا
فإن الراوي هنا قرر حذف اسم عثمان بن عفان من بين مَن
ولّوا فراراً من المعركة. وذلك على الرغم من أن خبر
عثمان وفراره عليه إجماعٌ بين
كل المحدّثين وأصحاب السير والتاريخ, وبلغ حدّ التواتر.
وورد
في مسند أحمد بن حنبل أثناء الحديث عن قرار النبي(ص) بتبليغ سورة براءة
للناس :
"...
ثم بعث فلانا بسورة التوبة , فبعث علياً
خلفه فأخذها منه . قال : لا يذهب بها إلاّ رجلٌ
منّي وأنا منه"[32]
فيبدو
أن هذا الراوي هنا لم يعجبه قرار الرسول(ص) بأن
علياً, وليس أبا بكر, هو من يستحق أن يبلّغ
عنه إلى الناس أجمعين سورة براءة , فقرر حذف اسم أبي بكر واستبدله ب " فلان
".
ومعلومٌ أن خبر تكليف النبي(ص) لعليّ بأن يأخذ
من أبي بكر سورة براءة , ويؤذّن بها في الناس أجمعين, متّفقٌ عليه في أوساط المحدثين وأصحاب السير
والأخبار, وبلغ حدّ التواتر أيضاً, وقد أورده
الإمام أحمد نفسه وبالاسم الصريح في موضع آخر من مسنده.[33]
وهذان
المثالان يظهران مدى الشطط الذي ذهب إليه البعض إلى حدّ محاولة التلاعب في الأخبار
المعلومة إلى حدّ التواتر, إذا كانت تتعرض للخلفاء خاصة.
ثالثاً : محاولات
تمييع مناقب آل النبي(ص) والتشكيك بها
أ- مَن هم أهل البيت الذين طهرهم الله؟
وفسّرت سنة الرسول(ص) هذه الآية ومَن هم المقصودون بها,
بما لا يدعُ أي مجالٍ للغموض.
روى الإمام مسلم في صحيحه:
"
خرج النبي(ص) غداة وعليه مرط مرحّلٌ, من شعر أسود, فجاء الحسن بن علي فأدخله, ثم جاء
الحسين فدخل معه, ثم جاءت فاطمة فأدخلها, ثم جاء علي فأدخله ثم قال : إنّما يريد
الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"[35]
وروى
الترمذي:
" نزلت هذه الآية على النبي ( إنّما يريد الله
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) في بيت أم سلمة , فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً , فجللهم بكساء وعليّ خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال :
اللهم هؤلاء أهل بيتي, فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
.
قالت أم سلمة : وأنا معهم يا رسول الله ؟
وروى
أيضاً :
"
إن رسول الله (ص) كان يمرّ بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول : الصلاة
يا أهل البيت. إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"[37]
محاولات لإدخال زوجات النبي ضمن أهل البيت
وعلى
الرغم من أن فعل الرسول(ص) كان جلياً
واضحاً بشكل قاطع لا يدع مجالا للشك حول مَن هم آل البيت الذين قصدتهم الآية, إلاّ
أنه قد حاول البعض تحوير معنى هذه الآية البيّنة,
وتأويل فعل وسلوك الرسول (ص) , من أجل محاولة إدخال زوجات الرسول(ص) من ضمن آل
البيت المطهرين! وذلك على الرغم من قيام النبي(ص) باستثناء زوجته ممن تشمله الآية,
وقوله لها حينما رغبت في الدخول تحت الكساء:" أنتِ
على مكانك".
ومن
أبرز الأمثلة على ذلك :
- ما ذكره القرطبي في تفسيره. فهو
أشار إلى أن المقصود بأهل البيت في الآية هن زوجات النبي(ص). وأما تأويله لفعل
الرسول(ص) مع عليّ وفاطمة والحسن والحسين في بيت أم سلمة, وقوله أن هؤلاء أهله
فكان شاذّا حقا :
"
فهذه دعوة من النبي(ص) لهم بعد نزول الآية. أحبّ أن يُدخلهم
في الآية التي خوطب بها الأزواج" !
- وأيضاً قال ابن تيمية في محاولة واضحة لتمييع معنى هذه الفضيلة
الإلهية لأهل البيت : " وأما آية الطهارة فليس فيها إخبارٌ بطهارة
أهل البيت وذهاب الرجس عنهم ، وإنما فيها الأمر لهم بما يوجب طهارتهم وذهاب
الرجس عنهم . ... فالإرادة هنا متضمنة للأمر والمحبة
والرضا ، وليست هي المشيئة المستلزمة لوقوع المراد .... فقوله
: ]إِنَّمَا
يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً[
إذا
كان هذا بفعل المأمور وترك المحظور ، كان ذلك متعلقا بإرادتهم وأفعالهم ، فإن
فعلوا ما أُمروا به طُهِّروا وإلا فلا .... ومما
يبين أن هذا مما أُمروا به لا مما أُخبروا
بوقوعه ، ما ثبت في الصحيح أن النبي(ص) أدار
الكساء على عليّ وفاطمة وحسن وحسين ، ثم قال : (( اللهم هؤلاء أهل بيتي ،فأذهب
عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيرا )). وهذا الحديث رواه
مسلم في صحيحه عن عائشة ، ورواه أهل السنن عن أم سلمة
وهو يدل على أنه
دعا لهم بذلك ،وهذا دليل على أن الآية لم تخبر بوقوع ذلك ، فإنه لو كان قد
وقع لكان يثنى على الله بوقوعه ويشكره
على ذلك ، لا يقتصر على مجرد الدعاء به ....
إن هذا يدل على أن الله قادرٌ على إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم"[38]
تفنيد
ويكفي
للاستدلال على خطل مثل تلك التأويلات القائلة أن زوجات النبي(ص) هنّ من آل البيت وبيان
بطلانها , الرجوع إلى بعض الآيات الأخرى من القرآن الكريم :
"
يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردنَ
الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكنّ وأسرّحكنّ سراحاً
جميلا. وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعدّ للمحسنات منكنّ أجراً
عظيما"[39]
وكذلك:
وهاتان
الآيتان لا تدلاّن أبداً على
أي نوع من التطهير الإلهي لزوجات الرسول(ص).
ومعروف
أن الرسول (ص), من كثرة تأذيه منهن, قد
نوى أن يطلّق زوجاته. فهجرهنّ شهراً وأعطاهنّ فرصةً أخيرة للتوقف عن مسلكهن, وخيّرهنّ
بين الرضا بالحياة معه, وهو الزاهد المتعبّد, وبين أن يطلقهن ليتمتعن بمباهج
الدنيا.
ولا بأس من سرد مثال صارخٍ آخر حول موقف زوجةٍ للرسول(ص) يشير إلى أن الانتماء
للقبيلة راسخٌ في النفوس, ويوضّح
ميلها إلى زعيم عشيرتها القرشية على حساب زوجها رسول الله(ص)!
وهذا النص من السيرة النبوية لابن هشام عن
موقف أم المؤمنين سودة بنت زمعة حينما رأت أسرى قريش مُكبّلين
يوم بدر :
"
تقول سودة : والله إنّي لعندهم إذ أتينا. فقيل هؤلاء الأسارى قد أتي بهم.
قالت
فرجعتُ إلى بيتي ورسول الله فيه. وإذا أبو يزيد
سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة, مجمعة يداه إلى عنقه بحبل.
قالت
: فلا والله ما ملكتُ نفسي حين رأيتُ أبا يزيد كذلك أن قلتُ: أي أبا يزيد : أعطيتم بأيديكم, ألا
متّم كراما؟
فوالله ما أنبهني إلاّ قول رسول الله من البيت :
يا سودة : أعلى الله ورسوله تحرّضين؟
قلت: يا رسول الله , والذي بعثك بالحق, ما ملكت
نفسي حين رأيتُ أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أن قلت ما
قلت" [41]
*****
واعتماداً على ما تقدم,
يمكن الجزم بأن زوجات النبي(ص) لا يمكن أن يكنّ جزءً
من المطهّرين بنصّ الآية القرآنية, ولا يمكن أن يكنّ جزءً
من آل البيت. ولا يمكن أبداً
إسباغ العصمة ولا القدسيّة عليهن.
*****
ب- المودّة
: مَن هم قربى رسول الله؟
وهذه آية صريحة في ضرورة محبة المسلمين
لآل الرسول(ص).
وهناك الكثير من الأخبار التي تفيد أن آل الرسول وبني
هاشم كانوا مجمعين على أنهم المقصودون حصراً بالقربى الواردة في الآية. فقد روى
الإمام الطبري في معرض تفسيره للآية أن الإمام زين
العابدين بن الحسين بن علي لمّا
جيء به أسيراً "فأقيمَ
على درج دمشق. قام رجلٌ من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي
قتلكم واستأصلكم وقطع قربى الفتنة!
فقال
له علي بن الحسين رضي الله عنه : أقرأتَ
القرآن؟
قال
: نعم .
قال :
أقرأتَ ال حم؟
قال : قراتُ
القرآن ولم أقرأ ال حم.
قال : ما قرأتَ
قل لا أسالكم عليه أجراً
إلاّ المودة في القربى ؟
قال
: وإنكم لأنتم هم؟
قال : نعم"
وقد
رُوي أيضاً عن
عبد الله بن عباس ما يؤيد ذلك . فقد روى الإمام أحمد أن ابن عباس أجاب رجلاً سأله عن مَن
هم المقصودون بسهم ذوي القربى "إنا كنا نراها لقرابة رسول الله(ص) , فأبى
ذلك علينا قومنا"[43]
ولكن الأصابع الأموية تدخلت في تفسير هذه
الآية. فقد جاء في صحيح البخاري أن سعيد
بن جبير فسّرها بقوله " إن النبي لم يكن بطنٌ
من قريش إلاّ وله فيه قرابة"[44]
وهكذا
جعل ابن جبير قرابة الرسول(ص) هم قبيلة
قريش بأسرها!
وتلك
كانت رغبة قريش , وتفسيرها.
كيف تناول المفسرون[45] هذه
الآية ؟ لقد استعرض هؤلاء أبرز الأقوال الواردة في معنى
"المودة في القربى" , وهي كما يلي :
-
تودّوني لقرابتي منكم
-
تودّوا قرابتي (
وقرابتي فيها قولان : علي وفاطمة وأولادهما, أو بنو هاشم وبنو المطلب)
-
توددوا إلى الله
فيما يقربكم إليه من العمل الصالح
-
تودوني كما
تودون قرابتكم
-
تودوا قرابتكم
وتصلوا أرحامكم
وهكذا فإن مودّة آل رسول الله(ص) قد أصبحت مجرّد تأويلٍ
من أصل خمسة تأويلاتٍ محتملة للآية!
وبشأن سبب نزول الآية , اتفق ابن الجوزي والواحدي على أن
سبب نزول الآية أن رسول الله (ص) كانت تنوبه نوائب ويمرّ
به عوز. فاجتمع الأنصار وتناقشوا وقرروا أن يعرضوا على رسول الله(ص) مالاً لإعانته به لأنه كان يهديهم إلى الصراط
المستقيم وارادوا أن يجزوه أجراً على
ذلك.
فعرضوه عليه, فنزلت الآية.
وسبب النزول هذا منطقي, وهو مدعومٌ بنصّ الآية
القرآنية ذاتها. فالآية تتكلم عن عرض الأجر على الرسول(ص).
وبالتالي لا يمكن القول أن قريشاً هي المقصودة بالآية. على العكس من ذلك , فإن
قريشاً مستبعدة تماماً
, والأنصار هم الذين تخاطبهم الآية بضمير الجمع. فقريشٌ لم تبادر أبداً بعرض أجر على الرسول(ص) حتى يقول لهم
أنه لا يريد منهم ذلك الأجر, بل يكتفي بالمودة في القربى.
قريشٌ لم تظهر للرسول (ص) سوى العداوة
والبغضاء حتى الرمق الأخير.
ولا
غرابة أن يكون المقصود في الآية هو محبة آل الرسول(ص) وقرابته , فهذا ينسجم مع
سيرة الرسول(ص) وأقواله. فمثلاً جاء في سنن
الترمذي :
"
إن النبي(ص) أخذ بيد حسن وحسين. قال : من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما كان معي
في درجتي يوم القيامة"[46]
ولما لم يرزق
الله رسوله بالأولاد الذكور, كان الحسن والحسين هما ولداه من صلب عليّ. وكان (ص) يتصرّف بنحو ذلك. فقد ورد عن عليّ " لما وُلد الحسنُ
سمّيته حرباً.
فجاء رسول الله (ص) فقال : أروني ابني ! ما سميتموه؟
قلنا : حرباً .
قال : بل هو
حسن.
فلما وُلد حُسين
سمّيته حرباً. فجاء النبي (ص) فقال : أروني ابني! ما
سميتموه؟
قلنا : حرباً.
ج- آية المباهلة
قال
تعالى " فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم
وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين"[48]
وقصة
نزول هذه الآية معروفة جيداً وهي
أنه حينما بعث رسول الله (ص) إلى نصارى نجران يدعوهم إلى الإسلام بعد فتح مكة,
أرسلوا إليه وفداً كبيراً لمناقشته في أمر الدين , برئاسة شخصين اسميهما العاقب والطيب .
ودار بينه وبينهم جدال طويل حول المسيح عيسى بن مريم, أصرّوا فيه على رأيهم وعلى
مخالفة الرسول(ص). فكان أن نزلت الآية ودعاهم الرسول(ص) إلى الملاعنة فوافقوا
وتواعدوا في الغداة. فلما جاء الرسول(ص) ومعه آله : عليٌ
وفاطمة والحسن والحسين,
ورآهم القومُ بنور الحق الذي يشعّ من وجوههم المضيئة,
خافوا وقرروا التراجع . وقد ذكر ذلك جميع المفسرين, ومنهم الشوكاني والواحدي وابن
كثير:
" قدم على النبي(ص)
العاقب والطيب فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على أن يلاعناه الغداة.
قال فغدا رسول الله فأخذ بيد عليّ وفاطمة والحسن والحسين ,
ثم أرسل إليهما فأبيا أن يُجيبا
, وأقرّا له بالخراج.... قال جابر : "أنفسنا وأنفسكم" رسول الله وعلي بن
أبي طالب, و" أبناءنا" الحسن والحسين, و"نساءنا" فاطمة[49].
وكذلك روى الإمام مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص :
" ... ولمّا نزلت هذه الآية ( فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم...) , دعا رسول الله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم! هؤلاء أهلي"[50]
*****
ولا شك أن نص هذه الآية, وفِعل الرسول(ص) لم يعجب الحكام
الأمويين. فبذل عملاؤهم مجهوداً في محاولة طمس الواقعة أو على الأقل إسقاط اسم
عليّ منها.
بعضها يذكر " علي وفاطمة والحسن
والحسين"
وبعضها يذكر " فاطمة والحسن والحسين, وقال
لعلي : اتبعنا! "
وبعضها يذكر " الحسن والحسين , وقال لفاطمة
: اتبعينا !"
وبسهولة
يمكن ملاحظة أن بعض الروايات أسقط منها
وبطريقة مشوّهة اسم علي بن أبي طالب ! ولكن الإمام
الطبري كان أميناً بما فيه
الكفاية ليقول أن إسقاط اسم
عليّ من بعض الروايات كان ربما من أجل
إرضاء الحكام الأمويين. وفيما يلي النص:
" فلما غدوا, غدا النبي(ص) مُحتضناً حسناً,
آخذاً بيد الحسين,
وفاطمة تمشي خلفه.
فدعاهم إلى الذي فارقوه عليه بالأمس فقالوا :
نعوذ بالله .
ثم
دعاهم فقالوا : نعوذ بالله! مراراً.
قال : فإن أبيتم فأسلموا, ولكم ما للمسلمين
وعليكم ما على المسلمين, كما قال الله عز وجل فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد وأنتم
صاغرون, كما قال الله عز وجل .
قالوا
: ما نملك إلاّ أنفسنا .
قال
: فإن أبيتم فإني أنبذ إليكم على سواء, كما قال الله عز وجل .
قالوا : ما لنا طاقة بحرب العرب ولكن نؤدّي
الجزية......
.......
فقلتُ للمغيرة : إن الناس يروون في حديث
أهل نجران أن عليا كان معهم؟
فقال : أما الشعبي فلم يذكره, فلا أدري لسوء رأي
بني أمية في عليّ أو لم يكن في الحديث"
*****
رابعاً :
الإساءة إلى عليّ وآل البيت
ولم يكن التشكيك في مناقب آل
النبي(ص) وتمييعها ومحاولة إلغاء تميزهم كافياً لأنصار التيار الأموي الحاكم,
فتعدّى الأمر ذلك إلى ما هو أمرّ وأدهى, وهو الإساءة المباشرة لهم.
أ- شتمُ عليّ في صحيح مسلم
ومن الأمثلة
البارزة على نجاح كارهي آل الرسول(ص) في ترويج مقولات مُهينة
جداً بحق أهل بيت النبوة, ما أوردته كتب الصحاح حول موضوع
تركة النبي(ص) وعودة النقاش بشأنها في
عهد عمر بن الخطاب, بعد أن كان أبو بكر قد أقفل الموضوع
برفضه القاطع الاستجابة لمطالب فاطمة الزهراء والعباس وعليّ.
روى مسلم في
صحيحه عن مالك بن أوس, متحدثاً عن
عمر بن الخطاب " ... فجاء يرفأ فقال :
هل لك يا أمير المؤمنين في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد؟
فقال عمر : نعم. فأذِنَ لهم فدخلوا.
ثم جاء فقال : هل لك في عباس وعليّ؟
فقال : نعم. فأذن لهما.
فقال عباس : يا أمير المؤمنين ! إقض بيني وبين هذا
الكاذب الآثم الغادر الخائن!
فقال القوم : أجل يا أمير المؤمنين. إقضِ بينهم وأرحهم.
(فقال مالك بن أوس: يخيل إليّ أنهم قد كانوا قدموهم
لذلك)
فقال عمر : إتئدا. أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم
السماء والأرض! أتعلمون أن رسول الله(ص) قال : لا نورّث. ما تركنا صدقة ؟
قالوا : نعم.
ثم أقبل على العباس وعليّ
فقال : أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض! أتعلمان أن رسول الله(ص)
قال: لا نورّث . ما تركناه صدقة؟
قالا : نعم.
قال عمر : إن الله جل وعز كان خصّ رسوله(ص) بخاصة لم
يخصص بها أحداً غيره. قال ( ما أفاء الله على رسوله من
أهل القرى فلله وللرسول – الحشر 7 )
(ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا)
قال : فقسم
رسول الله (ص) بينكم أموال بني
النضير. فوالله ما استأثر عليكم, ولا أخذها دونكم , حتى بقي هذا المال. فكان رسول
الله(ص) يأخذ منه نفقة سنة ثم يجعل ما بقي أسوة المال.
ثم قال : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء
والأرض! أتعلمون ذلك؟
قالوا : نعم.
ثم نشد عباساً
وعلياً بمثل ما نشد به القوم : أتعلمان ذلك؟
قالا : نعم.
قال : فلمّا
توفي رسول الله(ص) قال أبو بكر : أنا وليّ رسول الله(ص). فجئتما تطلب ميراثك من
ابن أخيك, ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها. فقال أبو بكر : قال رسول الله(ص) : ما
نورث . ما تركنا صدقة.
فرأيتماه كاذبا
آثما غادرا خائنا! والله يعلم إنه لصادق بارّ
راشدٌ تابع للحق.
ثم توفي أبو
بكر, وأنا وليّ رسول الله(ص) ووليّ أبي بكر, فرأيتماني كاذبا آثما غادراً خائنا! والله يعلم إني لصادق بار راشد
تابع للحق. فوليتها.
ثم جئتني أنت
وهذا, وأنتما جميع وأمركما واحد. فقلتما : ادفعها إلينا.
فقلت : إن شئتم دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله
: أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله(ص). فأخذتماها بذلك.
قال : أكذلك؟
قالا : نعم.
قال : ثم جئتماني لأقضي بينكما! ولا والله! لا أقضي
بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة. فإن عجزتما عنها فردّاها إليّ"[52]
وهكذا
فحسب هذه الرواية فإن العباس بن عبد المطلب, عم النبي(ص) , يصف علياً بن أبي طالب بِ
" الكاذب الآثم الغادر الخائن"!
تعليق
من
الواضح تماما أن الراوي أراد أن يوجه الشتائم لعليّ, فلم يجرؤ, فلجأ إلى جعل هذه
الشتائم على لسان العباس.
فليس صحيحاً
على الإطلاق أنه كان هناك صراعٌ
داخل آل بيت النبوة على الأموال. وإن تصوير المسألة على النحو الوارد في هذا
الحديث , وكأنّ هناك عداوة شديدة بين عليّ وعمّه العباس, إلى درجة دفعتهما إلى
اللجوء لعمر بن الخطاب ليفصل بينهما , هو ظلم شديد للعائلة النبوية, ويمكن إدراجه
ضمن نطاق تشويه السمعة. فالزهد والتواضع كان هو ما يميز معيشة رسول الله(ص) وآله
طوال الوقت . فمثلا روى البخاري " ما شبع آل محمد(ص) منذ قدِم المدينة من طعام برّ ثلاثَ ليالٍ
حتى قبض"
وأيضا
روى " ما أكل آل محمد (ص) أكلتين في يوم إلاّ إحداهما تمر"[53]
وروى
الترمذي عن ابن عباس " كان رسول الله(ص) يبيت الليالي طاوياً وأهله لا يجدون عشاء. وكان أكثر خبزهم الشعير"[54]
هكذا كانت معيشة رسول الله(ص) وعليّ وفاطمة. وآخر ما
كانوا ينظرون له هي الأموال ومباهج الحياة.
ولم
يكلف الإمام مسلم نفسه عناء التدقيق في متن هذه الرواية. ففيها يظهر العباس وعليّ
وهما, بكل بساطة, يقران ويؤكدان ادّعاء عمر بن الخطاب, ويجيبانه بِ " نعم " على سؤاله عما إذا
كان النبي(ص) قال " ما تركنا كان صدقة"! فلماذا إذن طالبا أبا بكر
بميراث النبي(ص) ؟
فكيف
يعقل ذلك بعد الخلاف الشديد الذي جرى في أعقاب وفاة النبي(ص) بشأن ميراثه؟ وذاك
الخلاف مؤكدٌ وثابت, وقصة فاطمة مشهورة.
ثم
إن نصّ رواية مسلم هذه متهافتٌ
ومتناقض. فلا يعقل أيضاً أن
يكون العباس وعليّ عارفين بذلك القول المنسوب للنبي(ص) ورغم ذلك يعتبران أبا بكر
" كاذبا آثماً غادرا خائنا
"!
ب- ماذا روى الإمام
البخاري عن الأئمة من أحفاد الرسول؟
لقد تجاهل الإمام البخاري في صحيحه, بشكل عام, رواية الأحاديث عن آل بيت الرسول(ص) والأئمة من
ذرّيته. فهو لم يروِ عن الإمام جعفر
الصادق, رغم أن الإمام الصادق كان عَلم المدينة المنورة البارز, وبلغت شهرته
الآفاق, وانتشر تلامذته والذين درسوا عليه في أنحاء الأرض. وبرغم ذلك كله, وبرغم
كونه حفيداً للرسول(ص), إلاّ أن البخاري على ما يظهر لم يَرَه عدلاً
بما يكفي للرواية عنه!
ولكن الإمام البخاري روى شيئاً قليلاً في صحيحه عن
أحفاد الرسول (ص) , وللأسف فقد كان ذلك في
الاتجاه السلبي! ومن ذلك الحديثان اللذان كانا كلاهما فيه
انتقاصٌ من آل البيت ! والبخاري نسَبَهما إلى الإمام زين العابدين : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب!
والحديث الأول فيه
انتقاص من علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء معاً
!
"
عن علي بن أبي طالب قال : إن رسول الله(ص) طرَقه وفاطمة عليها السلام بنت رسول الله(ص)
.
فقال
لهم : ألا تصلّون؟
فقال
علي : يا رسول الله : إن أنفسنا بيد الله , فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا.
فانصرف
رسول الله (ص) حين قال له ذلك, ولم يرجع إليه شيئا.
وعلي بن أبي
طالب رغم طول ملازمته للنبي(ص) وعيشه معه, لم يُروَ
عنه أبداَ أي معارضةٍ أو مخالفةٍ لرسول الله(ص) في موقفٍ أو مقام. ورواية البخاري
هذه فيها قدحٌ صريح بعليّ
وفاطمة معاً. فهي تظهرُهما
بمظهر مَن يتقاعس عن الصلاة!
عليّ هذا , الذي
وصفه أحد أصحابه, وهو خليفة,
بقوله " فأشهدُ لقد رأيته في
بعض مواقفه , وقد أرخى الليل سدوله, وهو قائمٌ
في محرابه , قابضٌ على
لحيته, يتململُ تململَ
السليم, ويبكي بكاءَ الحزين, وهو
يقول :
يا دنيا يا
دنيا, إليك عنّي. أبي تعرّضتِ؟ أم
إليّ تشوّفتِ؟ لا حانَ
حينكِ. هيهات! غرّي غيري , لا حاجة لي فيكِ! قد طلقتكِ
ثلاثاً, لا رجعة فيها . فعيشكِ قصير , وخطرُك
ِ يسير, وأملكِ
حقير.
آهِ من قلة الزاد, وطول الطريق, وبُعد السفر, وعظيم المورد"
تظهره رواية
البخاري هذه كمتثاقلٍ عن الصلاة , ومجادلٍ للنبي(ص) حين يدعوه لها!
والحديث
الآخر فيه انتقاص من سيد شهداء أحد , حمزة
بن عبد المطلب, واتهامٌ له
بشرب الخمر ومعاشرة القيان!
"
أخبرنا علي بن حسين أن حسين بن علي عليهم السلام أخبره أن علياً قال : كانت لي شارِفٌ
من نصيبي من المغنم يوم بدر, وكان النبي
(ص) أعطاني مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ.
فلما
أردتُ أن أبتني بفاطمة عليها السلام بنت
النبي(ص), واعدتُ رجلاً صوّاغا من بني قينقاع أن يرتحل معي
فنأتي بإذخر. فأردت أن أبيعه من الصوّاغين فنستعين به في وليمة عرسي.
فبينا
أنا أجمع لشارفيّ من الأقتاب والغرائر والحبال, وشارفاي مُناخان
إلى جنب حُجرة رجل من الأنصار, حتى جمعتُ ما جمعت, فإذا أنا بشارفيّ قد أجبّت
أسنمتها , وبُقرت خواصرهما, وأخِذ من أكبادهما!
فلم
أملك عينيّ حين رأيتُ المنظر.
قلت
: مَن فعل هذا؟
قالوا:
فعله حمزة بن عبد المطلب. وهو في هذا البيت في شربٍ
من الأنصار, عنده قينة وأصحابه, فقالت في غنائها " ألا يا
حَمزُ
للشُرُفِ النواءُ"
, فوثب حمزة إلى السيف, فأجبّ أسنمتهما, وبقر خواصرهما, وأخذ من أكبادهما.
قال
علي: فانطلقت حتى أدخل على النبي(ص) وعنده زيد بن حارثة. وعرف النبي(ص) الذي لقيتُ فقال : مالكَ؟
قلت
: يا رسول الله! ما رأيتُ
كاليوم. عدا حمزة على ناقتيّ فأجبّ أسنمتهما وبقر خواصرهما , وها هو ذا في بيتٍ معه شرب!
فدعا
النبي(ص) بردائه ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه
حمزة, فاستأذن عليه, فأذن له.
فطفق
النبي(ص) يلوم حمزة فيما فعل, فإذا حمزة ثمل , مُحمرّة عيناه.
فنظر
حمزة إلى النبي(ص) ثم صعّد النظر فنظر إلى ركبته, ثم صعّد النظر فنظر إلى وجهه.
ثم
قال حمزة : وهل أنتم إلاّ عبيدٌ
لأبي؟
فعرف
النبي(ص) أنه ثمل, فنكص رسول الله(ص) على عقبيه القهقرى. فخرج وخرجنا معه"[56]
ورغم أن حمزة ليس بحاجة إلى مَن يدافع عن سيرته ودوره
الناصع في الإسلام, إلاّ أنه لا بأس من قول
ما يلي : أن الخمر لم تكن سمعتها حَسنة عند العرب, وكانوا يدركون سوءها ,
وحرّمها عددٌ منهم على نفسه قبل مجيء الإسلام, مثل
عثمان بن مظعون, وعباس بن مرداس, وعبد المطلب, وأبي طالب, وجعفر بن أبي طالب, وقيس
بن عاصم, وعفيف بن معد يكرب العبدي, وعامر بن الظرب, وصفوان بن أمية وغيرهم.
وروى
ابن الأثير " كان العباس بن مرداس ممن حرّم
الخمرَ في الجاهلية. فإنه قيل له : ألا تأخذ من
الشراب؟ فإنه يزيد في قوتك وجراءتك؟
ومَن عرف حمزة, واطّلع على سموّ نفسه,
وعزّته وأنفته وسجاياه, فإنه يرى : إنه لا يقصر عن هؤلاء, ولا عن غيرهم ممن حرمها
على نفسه, إن لم يكن يزيد عليهم في كثير من الخصال والسجايا, التي تجعله يربأ
بنفسه عن أمر كهذا.
وأما حقيقة حمزة, الذي تحاول تلك الرواية تلطيخ سمعته,
فتنطِقُ بها أفعاله ومواقفه طوال فترة الدعوة النبوية. ومن ذلك:
" إن أبا جهل بن هشام مرّ برسول الله(ص) وهو جالسٌ
عند الصفا, فآذاه وشتمه ونال منه بعضَ ما يكره من العيب لدينه والتضعيف له.
فلم يكلمه رسول الله(ص). ومولاة لعبد الله بن جدعان
التيمي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك.
ثم انصرفَ عنه , فعمِدَ إلى نادي قريش عند الكعبة فجلس
معهم.
فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحاً قوسه,
راجعاً من قنصٍ له, وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له. وكان إذا رجع من قنصه لم يصل
إلى أهله حتى يطوف بالكعبة. وكان إذا فعل ذلك لم يمرّ على نادٍ من قريش إلاّ وقف
وسلم وتحدث معهم. وكان أعزّ قريش وأشدها شكيمة.
فلما مرّ بالمولاة وقد قام رسول الله(ص) ورجع إلى بيته.
فقالت : يا أبا عمارة لو رأيتَ ما لقي ابن أخيك محمد آنفاً قبل ان تأتي من أبي
الحكم بن هشام: وجَدَه ههنا جالساً, فسبّه وآذاه وبلغَ منه ما يكره ثم انصرف عنه
ولم يكلمه محمد.
فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله من كرامته فخرج سريعاً
لا يقف على أحد كما كان يصنع يريد الطواف بالكعبة معدّاً لأبي جهل إذا لقيه أن يقع
به.
فلما دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم فأقبل نحوه
حتى إذا قام على رأسه رفع القوسَ فضربه بها ضربة, فشجّه بها شجّة مُنكرة. وقال :
أتشتمه وأنا على دينه, أقول ما يقول؟! فرُدّ ذلك عليّ إن استطعتَ"[58]
وعدا عن الجوهر المسيئ وغير المعقول, فإن في هذه
الرواية ضعفاً في الشكل أيضاً.
فالرواية تتحدث عن إبلٍ
كانت عند علي بن أبي طالب. ولكن جميع الروايات الأخرى التي تتحدث عن زواج علي
بفاطمة, تذكر أنه لم يكن يملك سوى درعه الحطمية, التي باعها وأنفق ثمنها على
الزفاف, وبعضها يذكر فرسه.
ولو
كان عنده شارفان من الإبل لكان من الأولى أن يذكرهما للنبي(ص) حينما سأله عما
يملك, مما يريد أن يقدمه مهراً.[59]
ج- والرفعُ من شأن قاتل حمزة !
ولأن حمزة عمّ النبي(ص) , وعمّ عليّ, لم يكتفِ الاتجاه
الأموي بمحاولة تلطيخ سمعته عن طريق إظهاره بمظهر العربيد شارب الخمر, بل تجاوز
ذلك إلى محاولة رفع شأن قاتله الغادر, وإقناع عامة المسلمين بأن يتوقفوا عن بغُضهم
لوحشيّ والتهوين من شأن جريمته.
كيف يستطيع التيار الأموي أن يضع نيشاناً على صدر المجرم
الذي اغتال أسدَ الله غدراً, ثم مثل بجسده واستخرج كبده وقدّمه لسيدته هند بنت
عتبة؟ والجواب : لقد لجأوا إلى ترويج مقولة تفيد بأن وحشياً هذا قد كفر عن جريمته
البشعة عن طريق قيامه بقتل مسيلمة الكذاب في زمن الخليفة أبي بكر.
وتتراوح
الروايات التي أوردها البخاري وابن سعد وابن الأثير وابن عساكر وخليفة بن خياط حول
دور وحشي في معركة اليمامة بين القول إنه اشترك في قتل مسيلمة مع رجل أنصاري وبين
القول إنه قتل مسيلمة لوحده , بل إن بعض الروايات مضت لتضيف بأن وحشياً قد قتل
مسيلمة بنفس الحربة التي قتل بها حمزة! والقليل فقط من الروايات هي التي لم
تشِر صراحة إلى قيام وحشي بقتل مسيلمة.
ومعظم الروايات تركز على مقولة إن وحشياً " قتل
خيرَ الناس في جاهليته وقتلَ شرّ الناس في إسلامه ". وغنيٌ عن القول إن
الرواة ذوي الميول الأموية أرادوا أن يقولوا : هذه بتلك, وعفا الله عما مضى , فلا
داعي للإكثار من الحديث بشأن جريمة هند بنت عتبة وعبدها وحشي " رضي الله عنه
" !
ورغم أنه لا يمكن طبعاً استبعاد مشاركة وحشي ضمن الجيوش
التي أرسلها الخليفتان أبو بكر وعمر داخل جزيرة العرب وخارجها, إلاّ أنه يستحيل
تصديق تلك الحبكة الدرامية حول وحشي الذي انقلب إلى" مجاهدٍ متحمّسٍ في سبيل
الله " إلى حدّ نجاحه بقتل أكبر أعداء دين محمد(ص) وهو النبي الكذاب مسيلمة!
وهناك مجموعة من الحقائق التي لا يجوز تناسيها عند تناول موضوع وحشي ومسيلمة :
·
إن وحشياً لم يدخل الإسلام طائعاً, ولم يدفعه إيمانٌ داخليٌ , ولا اقتناعٌ
ذاتي, إلى الدخول بدين محمد(ص). لقد بقي وحشيٌ مصراً على كفره حتى إلى ما بعد فتح
مكة! ففرّ عندها إلى الطائف وبقي مختبئأً هناك إلى أن قررت ثقيف الاستسلام والدخول
في دين محمد(ص). عندها ضاقت عليه الأرض بما رحبت ولم يبقَ له ملجأ , وأكد له
كثيرون بأن محمداً (ص) لا ينتقم من أعدائه بل يقبل من الناس ظاهرهم, فجاء فجأة إلى
رسول الله (ص) ونطق بالشهادتين.
·
إن رسول الله(ص) قبل منه إسلامه كما فعل مع كل أعدائه المستسلمين, ولم
ينتقم منهم ولم يعاقبهم على جرائمهم. إلاّ أن ذلك لم يعنِ أن مشاعر رسول الله(ص)
الذاتية قد تغيرت تجاه أولئك القتلة والظالمين. وموقفه (ص) من وحشي خير مثال على
ذلك. فهو(ص) لم يكن يطيق حتى النظر في وجه ذلك القاتل الغادر حتى أنه قال له
" غيّب وجهك عني ", وفعلاً كان وحشي يتجنبه فلم يره رسول الله(ص) حتى
وفاته.
·
إن سيرة وحشي هذا , وسلوكه بعد " إسلامه " لا تشير أبداً إلى
انقلابٍ في أخلاقه , أو تغير مبهر في طباعه, مما يعني أن روايات " جهاده
البطولي" يمكن الشك بها بكل تأكيد. فكيف كان وحشي في الإسلام؟
-
كان سكيراً عربيداً لا يفيق من الخمر إلاّ نادراً ! وقد بدأ ذلك
السلوك المنحرف من أيام عمر بن الخطاب , وأمتدّ إلى حين وفاته بالشام أيام معاوية.
قال ابن سعد " إن أول مَن لبس الثياب المدلكة وضُرب في الخمر بحمص وحشي".
وقال عنه ابن عساكر" ووَقعَ في الخمر يشربها ولبس المعصفر المصقول فكان
أول من ضُرب في الخمر بالشام وأول مَن لبس المعصفرات بالشام. وليس بينهم في
ذلك اختلاف" وقال أيضاً إن عمر بن الخطاب قد أمَرَ بتخفيض عطائه من ألفين إلى
ثلاثمائة بعدما جُلِد في الخمر بالشام. وأضاف " ومات بحمص في بركة من
خمر" وأكد ابن الأثير ذلك فقال عنه" مات وحشي في الخمر ".
-
فمن كان هذا حاله, وتلك نهايته, هل يجوز تصديق الرواية المنسوبة إليه"
فضربتُ بسيفي حتى غري قائمه بيدي من الدم فأنزل الله تبارك وتعالى نصره فهزم الله
بني حنيفة وقتل الله مسيلمة" ؟! أو تلك التي تقول " فلما التقى الناس
رأيتُ مسيلمة قائماً في يده السيف وما أعرفه. فتهيأتُ له وتهيأ له رجلٌ من الأنصار
من الناحية الأخرى كلانا يريده. فهززتُ حربتي حتى إذا رضيتُ عنها دفعتها عليه
فوقعت فيه, وضربه الأنصاري بالسيف. فربّكَ أعلم أيّنا قتله. فإن كنتُ قتلته فقد
قتلتُ خير الناس بعد رسول الله(ص) وقتلتُ شر الناس"؟![60]
والحقيقة في
الأمر أن التيار الأموي أراد أن يقلب الحق باطلاً والباطلَ حقاً, فيجعل من البطل
العظيم والمجاهد المقدام , حمزة بن عبد المطلب , عربيداً سكيراً, بينما يصوّر
المجرمَ الغادر , والسكير المسطول , وحشي الحبشي, مجاهداً بطلاً.
د- تعظيم شأن
يوم عاشوراء ؟
ويمكن
إدراج الحديث المروي حول تعظيم شأن يوم عاشوراء , وجعله مناسبة سعيدة
للمسلمين, في نطاق المناكفة السياسية الموجهة ضد آل الرسول (ص).
"
قدِمَ
النبي(ص) إلى المدينة واليهود تصوم عاشوراء.
فقالوا
: هذا يومٌ ظهرَ
فيه موسى على فرعون.
فقال
النبي (ص) لأصحابه: أنتم أحق بموسى منهم. فصوموا"[61]
فواضحٌ أن جعل ذكرى المذبحة الفظيعة التي تعرّض لها
آل بيت النبي(ص) في كربلاء سنة 61 للهجرة, يومَ فرحٍ[62]
يصومه المسلمون, هو نجاحٌ
كبير للتيار الأموي.
كما أن نص " الحديث " يُظهر رسول الله(ص)
بمظهر المتعلم من اليهود : فهو لا يعلم بأخبار موسى وفرعون إلاّ منهم! فإن كان
صحيحاً أن موسى قد انتصر على فرعون في يوم عاشوراء, فكيف لم يعرف به خاتم النبيين
إلاّ بواسطة يهود يثرب؟!
واليهود
لا يزالون موجودين إلى هذا اليوم على
دينهم, ولم يسمع أحدٌ
أبداً,
أنهم يصومون في يوم عاشوراء.
ه- أبو
طالب من ضحايا الحملة الدعائية الأموية
كيف كانت سيرة أبي طالب مع الرسول(ص)؟
ورد في الطبقات الكبرى لابن سعد " لما
توفي عبد المطلب , قبَضَ أبو طالب رسولَ
الله إليه. فكان يكون معه . وكان أبو طالب لا مالَ
له وكان يحبه حباً
شديداً لا يحبه ولده. وكان لا ينام إلاّ إلى
جنبه,
ويخرج فيخرج معه. وصُبّ
به أبو طالب صبابة لم يُصب
مثلها بشيء قط. وكان يخصّه
بالطعام
, وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعاً أو
فرادى لم يشبعوا. وإذا أكلَ
معهم رسول الله شبعوا. فكان إذا أرادَ أن يغذيهم قال : كما أنتم حتى يحضر ابني . فيأتي
رسول الله فيأكل معهم فكانوا يفضلون من طعامهم وإن لم يكن معهم
لم يشبعوا فيقول أبو طالب : إنك لمبارك. وكان الصبيان يصبحون رُمضاً
شعثاً, وكان رسول الله يصبح دهيناً كحيلاً"[63]
ويوجد
إجماعٌ أنه كانت هناك علاقة عاطفية خاصة بين
أبي طالب وابن أخيه اليتيم. وكان أبو طالب يرى في محمد الإنسانَ الكامل الأخلاق والصفات. كان يراه ينمو
أمام عينيه مختلفاً عن بقية شباب
قومه, بعيداً عن الدنس والرجس. وكان يعلم أن محمداً
لا يعرف الكذب أو الخيانة. كان أبو طالب يعرف كل ذلك على وجه اليقين , ومن خلال الممارسة
اليومية والاحتكاك المباشر بشخص الرسول (ص) على
مدى سنين طويلة.
وجاء
في السيرة النبوية لابن هشام أن أبا طالب " .. قال لعليّ : أي بنيّ , ما هذا
الدين الذي أنتَ عليه؟ فقال : يا أبتِ , آمنتُ
بالله وبرسول الله, وصدّقته بما جاء به, وصلّيتُ
معه لله واتبعته. فزعموا أنه قال له : أما إنه
لم يدعُكَ
إلاّ إلى خير, فالزمه"[64]
وذكر
ابن الأثير " إن أبا طالب رأى النبي (ص) وعلياً
رضي الله عنه يصليان, وعليّ عن يمينه. فقال لجعفر رضي الله عنه : صِل جناحَ ابن عمك, وصَلّ عن يساره"[65]
لقد دافع أبو طالب عن رسول الله(ص) بكل ما أوتي من قوة,
وبذل الغالي والنفيس في سبيل ذلك[66].
وتحمّل ضغوط قريش, وقاوم تهديداتها. ووصل به الأمر إلى أن شارَفَ هو وبنو هاشم على
الهلاك الجماعي وهم محصورون منبوذون في شعب أبي طالب. كل ذلك في سبيل محمد(ص).
وهذه حقائق معلومة بالضرورة لدى كل المسلمين, ولا خلاف
بشأنها.
إذا
اجتمعت يوماً قريشٌ
لمفخرٍ فعبدمنافٍ سرّها
وصميمها
فإن
حصلت أشراف عبد منافها ففي هاشمٍ أشرافها وقديمها
وإن
فخرت يوماً فإن محمداً
هو المصطفى من
سرّها وكريمها
وقد
وصل الأمر بأبي طالب إلى ما يقارب الغزل في شخص الرسول(ص).
فيما يلي مقتطفات من قصيدته اللامية المشهورة[68] :
كذبتم
وبيت الله نبزي محمداً ولمّا نطاعن
دونه ونناضلِ
ونسلمه
حتى نصرّع حوله
ونذهل عن أبنائنا والحلائلِ
وفيها
أيضا
بكفّي
فتى مثل الشهاب سميدع أخي ثقةٍ حامي الحقيقة باسلِ
وما
ترك قوم, لا أبا لك, سيداً يحوط الذمار
غير ذربٍ مواكلِ
وأبيضَ يُستسقى الغمامُ بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأراملِ
وفيها
أيضا
لعمري
لقد كلّفت وجداً بأحمدٍ وأحببته دأب
الحبيب المواصلِ
فلا
زال في الدنيا جمالاً
لأهلها وزيناً لمن والاه رب المشاكل
فمَن مثله في الناس أي
مؤمّل إذا قاسه الحكام عند
التفاضل
حليمٌ رشيدٌ
عادلٌ غير طائشٍ يوالي إلهاً ليس عنه بغافلِ
وفيها
أيضا
لقد
علموا أن ابننا لا مُكذّبٌ لدينا ولا يُعنى بقول الأباطل
فأصبح
فينا أحمدٌ في أرومةٍ تقصر عنه سَورة المتطاول
حدبتُ بنفسي دونه وحميته ودافعتُ عنه بالذرى والكلاكل
ومن
لديه إلمامٌ باللغة العربية يدرك بلا لبسٍ أنّ هكذا شعر لا يمكن أن يصدر عن رئيسٍ لمرؤوس. فقد كان رسول
الله(ص) هو المظلوم المستضعف الذي يستجير بعمّه الكبير ويلوذ به لحمايته. فمحمدٌ(ص) شابٌ
, وأبو طالب شيخٌ جليلٌ, وعلى هذا الأساس لا يمكن أن يصدرَ مثل هذا الشعر إلاّ عن إيمانٍ بنبوّته.
وروى
ابن أبي الحديد[69] المزيد
من شعر أبي طالب :
يرجون
أن نسخى بقتل محمدٍ ولم تختضب سمر العوالي من الدم
كذبتم
وبيت الله حتى تفلقوا
جماجم تلقى بالحطيم وزمزم
وتقطع
أرحامٌ وتنسى حليلة حليلاً ويُغشى
محرمٌ بعد محرم
على
ما مضى من مقتكم وعقوقكم
وغشيانكم في أمركم كل مأثم
وظلم
نبيّ جاء يدعو إلى
الهدى وأمرٍ أتى من عند ذي العرش قيم
فلا
تحسبونا مسلميه فمثله
إذا كان في قوم فليس بمسلم
وبقي
أبو طالب على ولائه لرسول الله(ص) حتى آخر رمق في حياته . روى ابن الأثير :
"
ولما اشتدّ بأبي طالب مرضه, دعا بني عبد المطلب فقال : إنكم لن تزالوا بخيرٍ ما سمعتم قول محمد واتبعتم أمره. فاتّبعوه
وصدّقوه ترشدوا"[70]
وقد
عبّر الرسول (ص) عن امتنانه لأبي طالب , ورضاه عن مواقفه النبيلة عندما وقف أمام
جثمانه المسجّى فمسح على جبينه عدة مرات, وقال والحزن يملأ قلبه " يا عم!
ربيتَ صغيراً, وكفلتَ
يتيماً, ونصَرتَ كبيراً,
فجزاك الله عني خيراً
"[71]
وكان
رسول الله(ص) يعتبر زوجة أبي طالب أيضاً, أم عليّ, فاطمة بنت أسد بن هاشم, بمثابة
أمّ له. وكان يحبها كثيراً لعطفها عليه ورعايتها له. روى ابن حجر
انه لما توفيت فاطمة بنت أسد في المدينة كفّنها رسول الله(ص) بقميصه وقال "
لم نلقَ بعد أبي طالب أبرّ منها "[72]
تشويه
صورة أبي طالب
هناك
عددٌ كبيرٌ
من الروايات التي تزعم أن سلوك أبي طالب تجاه قريش وحمايته للرسول(ص) كان مردّه الحميّة
العائلية. وأن أبا طالب لم يؤمن بنبوة محمد(ص),
ومات مُشركاً,
وسيكون مصيره نار جهنم. ويوجد عدد كبير من الأحاديث المنسوبة إلى الرسول(ص) التي
تؤكد ذلك. ومنها :
وأيضا روى مسلم أن العباس بن عبد المطلب قال :
" يا رسول الله! هل نفعتَ أبا طالب بشيء, فإنه كان يحوطكَ ويغضب لك؟
وكان أبو هريرة قد أكد على كُفر أبي طالب " قال رسول الله (ص) لعمّه عند
الموت : قل لا إله إلاّ الله أشهد لك بها يوم القيامة. فأبى. فنزلت إنك لا
تهدي مَن أحببت "[75]
وهكذا فإن هذه الروايات قد "حَسَمت" مصيرَ أبي طالب , وفَرَضت
على المسلمين أن يؤمنوا بأنه مخلدٌ في جحيم جهنم, ومَنعتهم من التفكير الموضوعي
حول هذا الرجل صاحب الدور الكبير في السنوات الأولى لبدء دعوة النبي (ص). ولكن
الرواة قد تلطفوا , تقديراً لمجهودات أبي طالب, فجعلوا "عذابه" مخففاً
قليلاً : فهو في ضَحضاح نارٍ يصل كعبيه, وليس في الدرك الأسفل من النار!
*****
وقام
عمرو بن العاص بترويج "حديث"
نسَبَه
إلى الرسول (ص) وفيه أنه (ص)
يتبرّأ من آل أبي طالب! وهذا الحديث
المزعوم رواه الشيخان في صحيحيهما. وهذا النص من صحيح مسلم :
" سمعتُ
رسول الله(ص) جهاراً غير سرٍ, يقول : ألا إنّ
آل أبي (يعني فلانا) ليسوا بأولياء. إنما وليّي الله وصالح المؤمنين"[76]
ولا
بد أن الإمام مسلم بن الحجاج, أو بعض مَن
روى عنه,
قد استهجن مدى بشاعة هذا الحديث المزعوم, فلجأ إلى التكنية ب "فلان"
بدلا من " طالب" !
والمشكلة التي واجهها مسلم والبخاري, أو بعض مَن رويا عنه, أن
عمرو بن العاص عدلٌ عندهما, وصحّ عندهما
إسناد الحديث, فلا بدّ أن يروياه مهما كان مُستنكراً. فكان الحل
عندهما "فلان" !
وقد دافع الشارح البارز لصحيح البخاري , ابن حجر
العسقلاني, عن عمرو بن العاص لروايته هذا الحديث فقال[77]:
" وأما عمرو بن العاص, وإن كان بينه وبين عليّ ما كان, فحاشاه أن يُتهم !
"
وفسّر ابن حجر الحديث على النحو التالي " ويحتمل أن
يكون المقصود بآل أبي طالب أبو طالب نفسه.... وخصّه بالذكر مبالغة في الانتفاء ممن
لم يسلم, لكونه عمه وشقيق أبيه وكان القيّم بأمره ونصره وحمايته, ومع ذلك فلما لم
يتابعه على دينه انتفى من موالاته"
وهذا أفضل اجتهادٍ ممكنٍ من ابن حجر العسقلاني الذي يأبى
أن يتهم عمرو بن العاص بالكذب وفي نفس الوقت لا يريد الانتقاص من أبرز شخصٍ من آل
أبي طالب , وهو عليّ, فاعتبر " آل أبي طالب " هم " أبو طالب
", وبما أن أبا طالب هو كافر, فقد حل الإشكال!
تساؤلات وتحليل
والباحث من حقه أن يطرح التساؤلات التالية:
لقد
كان أخو أبي طالب, عبد العزى المعروف بأبي لهب, وبالإجماع, أكثر منه التزاماً بتقاليد قريش وتراثها وديانة آبائها. وعصبية القرابة ونصرة الدم هي من أساسيات التراث
القرشي, فلماذا لم يؤثر هذا المبدأ في سلوك أبي لهب؟ لقد ضحّى أبو لهب بعائلته الخاصة وبقومه في سبيل
الدفاع عن "دين عبد المطلب ", وانضم إلى بطون قريش في حصارها القاتل
لبني هاشم في الشعب التزاماً منه
بالحفاظ على "الشرف" حسب المفهوم الجاهلي .
فلو
كان أبو طالب يتصرف فقط من منطلق التراث الجاهلي, لكان حريّا به أن يسلك منهج أبي
لهب, لأن ما كان يدعو له محمد(ص) هو النبذ الكامل لكل ما كانت تدين به قريش وتؤمن
به على مدى أجيالها السابقة. ويذكر التاريخ عشرات الأمثلة لقبائل وعشائر عربية
نبذت بعض أبنائها وتخلت عنهم لمّا أتوا بما يسوؤها أو يخالف عاداتها الموروثة.
لقد كان من السهل جدا على أبي طالب أن يعلن
تخليه عن الرسول(ص) ويسلمه لقريش, ولن يلومه أحدٌ
في ذلك, لأن محمدا(ص) كان علناً " يسفّه أحلام عبد المطلب ويقول إنه كان على
ضلالة". وكان هذا مبرراً
كافياً أمام نفسه وأمام عائلته لكي يتخلّى عنه,
خاصة وأن محمدا قد رفض عروضاً
" مُنصِفة
" بالتوقف عن ذم آلهة قريش مقابل أن يتوقفوا عن عدائهم له.
لقد
كان هذا العرض الذي نقلوه لأبي طالب " عادلاً
جداً " في مقاييسهم. فهم ببساطة يريدون
أن يتركهم محمد وشأنهم ولا يتدخل في معتقداتهم! وبما أن محمداً رفض هذا العرض " المنصف " من
قريش , كان بإمكان أبي طالب أن يعلن أن محمداً
قد جاوز الحدود وأنه قد اعتدى على تراث قومه بدون سبب وأنه لا يريد أي حل معهم,
وبالتالي برئت منه الذمة.
ولكن أبا طالب لم يفعل ذلك. لقد اتخذ أبو طالب
قراراً في غاية الخطورة والصعوبة عندما أصرّ
على تقديم الحماية التامة -وبغير شروط- للرسول. كان أبو طالب يخاطر بمستقبل بني
هاشم جميعاً عندما يضعهم في مواجهة قبيلة قريش كلها. ومن يدقق فعلا بأحوال بني
هاشم وهم في الشعب على مدى ثلاث سنوات يرى بوضوح مدى المعاناة التي تحملوها والتي
وصلت إلى حد الإشراف على الهلاك الجماعي من الجوع والمرض. لقد فعل أبو طالب كل ذلك
وكان مستعداً أن يمضي إلى النهاية في تلك الطريق, دون
أن يمارس ولو أدنى ضغط على ابن أخيه لكي يغير مواقفه أو لكي يظهر اعتدالاً تجاه مطالب قومه "العادلة".
وإن السلوك
الفعلي , والممارسة العملية, هما اللذان ينبغي أن يكونا أساس الحكم على الناس.
فالفعل والعمل والتصرفات هي أمور حقيقية حصلت, ومن الصعب نكرانها. وأما الحُكم على شخصٍ بحجم أبي طالب بناءً على
قولٍ منسوبٍ للرسول(ص), رواه فلان من الناس, فأمر لا يصحّ. فأفعال أبي طالب
ودوره العظيم في المرحلة المكية من دعوة الرسول(ص) لا يجوز تناسيها إعتمادا على
روايات سرَدَها بعض الأشخاص ربما يكون لهم مآرب
سياسية من ورائها. فقد شاع الكذب والافتراء على لسان الرسول(ص) وخاصة
في الفترة الأموية واختلط الحابل بالنابل , فكان أبو طالب من ضحايا حملة التشهير
الفظيعة التي وجّهت ضد عليّ وآل البيت.
*****
وقد وضّحَ حسن بن علي السقاف في مقدمته لكتاب أكبر فقهاء الشافعية في مكة
المكرمة, السيد أحمد بن زيني دحلان, المتوفي عام 1304 للهجرة, البُعد السياسي في
أبرز تلك "الأحاديث" التي تحكم على أبي طالب بأنه من أهل النار, وهو
الحديث المنسوب إلى العباس بن عبد المطلب. فهو ذكر[78]
أن الراوي عن العباس هو عبد الله بن الحارث بن نوفل الذي هو ابن هند بنت أبي
سفيان, أي أن معاوية هو خاله! ووصفه بأنه "أموي المشرب".
كما أشار المفتي دحلان إلى أن هذه الرواية وردت بصيغة أخرى في الطبقات
الكبرى . فقد روى ابن سعد, وكذلك ابن عساكر, أن العباس سأل رسولَ الله(ص) : "
ما ترجو لأبي طالب؟ " وأن رسولَ الله(ص) أجابه " كل الخير أرجو من
ربي".
ويمكن بسهولة ملاحظة كيف قام ابن أخت معاوية بقلب إجابة النبي(ص) فلفق
كلاماً عن " ضحضاح من نار" يستقر فيه أبو طالب.
وأما حديث أبي هريرة الذي يقول فيه إن آية " إنك لا تهدي مَن
أحببت" قد نزلت في أبي طالب لما رفض النطق بالشهادتين, فيكفي فيه الرجوع إلى
السياق الكامل للآيات وهو " وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا
ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي
من يشاء وهو أعلم بالمهتدين. وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن
لهم حرماً آمناً يجبى له ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون"[79]
واضحٌ تماماً أن الخطاب هو لجماعة , وليس لفرد. فالأرجح إذن أن قبيلة قريش
هي المقصودة بهذه الآيات, وليس أبو طالب.
وأخيراً لا بد من ملاحظة أن وفاة أبي طالب حدثت قبل أن يدخل أبو هريرة
الإسلام ويأتي من بلاده في اليمن بعشر سنين على الأقل. وأبو هريرة لم يوضح عمن روى
هذا " الحديث " المرسل.
*****
ومن الجدير بالذكر أن المدقق في تفاصيل أقوال وكلام وخطابات الطبقة الأولى
من الأمويين, من أمثال معاوية ومروان وابن العاص والمغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة
بن أبي معيط وأضرابهم ممن كانوا في حالة مواجهة مباشرة مع علي بن أبي طالب نفسه,
لا يجدهم يعيبون على عليّ " كُفرَ " أبيه! وهؤلاء كانوا يشتمونه بقبيح
الكلام وأرذل العبارات ويشنعون عليه ويختلقون له المثالب والعيوب, ولا يعقل أن
يكونوا " غافلين " عن أمر يتعلق بوالد عليّ مما قد يفيدهم في دعايتهم
ويخدم إعلامهم. لماذا لم يلجأ هؤلاء إلى الحديث عن " شِرك أبي طالب "
ومصيره " الأسود " لموازنة ما كان يقرع آذانهم صباح مساء من قدح في
آبائهم الذين كانوا أشرس أعداء للنبي(ص) في مكة؟ لماذا لم يشهروا بعلي عن طريق
القدح بأبيه؟
ذلك كله يرجح بأن ترويج المزاعم عن " كفر " أبي طالب تم في فترة
متأخرة نسبياً, على أيدي شخصيات مرتبطة بحكومة بني أمية.
*****
لقد أراد الأمويون أن يصوّروا أبا طالب, والد عليّ, الرجلَ المؤمنَ العظيم
الذي أمضى حياته مدافعاً عن الرسول(ص) وحامياً له, بصورة الكافر الضال الذي لن
يُغفر له ولن يُشفَع له ولن يكون مصيره إلاّ سعير الجحيم. وفي المقابل هم حاولوا
أن يصوروا آباءهم, جلاوزة قريش الذين أمضوا حياتهم في حرب الرسول(ص) وإيذائه,
بصورة الذين " اهتدوا " أخيراً و " آمنوا " وبالتالي فمصيرهم
جنات النعيم.
وهكذا تقلب الأمور وتعكس الحقائق. وتلك هي المفارقة المؤلمة والتي لا يجوز
أن تنطلي على ذي العقل السديد والقلب السليم.
خامساً : لماذا
لم يَرُدّ المحدثون الثقات تلك الأحاديث المشينة؟
السبب الرئيسي الذي دفع كبار المحدثين إلى قبول هذه النوعية من الأحاديث
التي فيها إساءة واضحة لآل النبي(ص) هو التعصب المذهبي.
فالإمام البخاري , شيخ المحدثين الأكبر, كان ينتمي إلى
مدرسةٍ فكريةٍ شديدة التعصّب للصحابة والخلفاء. والتزمت تلك المدرسة بنظرية العدالة المطلقة لكل مَن اعتبرتهم صحابة وجعلت
ذلك شرطاً للرواية. وقد بالغ البخاري في ذلك وتطرّف. وفي ذات الوقت, كانت تلك المدرسة شديدة التعصب
أيضاً ضد كل راوٍ يُشتبه
بأنه "صاحب بدعة" , وجعلت من الولاء
لعليّ بن أبي طالب وآل البيت النبوي
أحدَ مظاهر البدعة والهوى. [80]
وروى خليفة[82]
أن شخصا بصرياً يدعى أبا
لبيد سئل : أتحب علياً ؟ فقال : كيف
أحبّ رجلا قتل من قومي حين كانت الشمس ها هنا إلى أن صارت ها هنا ألفين وخمسمائة؟
وورد في الهامش
تعليق حول أبي لبيد هذا , وفيه أن أبا حاتم الرازي في الجرح والتعديل ذكر عن ابن
حنبل أن أبا لبيد كان صالحَ
الحديث!
وذكر ابن حجر العسقلاني[83]
في معرض حديثه عن قيس بن أبي حازم الذي كان يروي أحاديث الرسول(ص) عن عمرو بن
العاص, إن الكثيرين من العلماء قالوا عنه إنه كان من النواصب المنحرفين عن عليّ
" وكان يحمل على عليّ " ولذلك تجنبوا التحديث عنه. إلاّ أن البعض الآخر
من العلماء " رَفَعَ قدرَه, وعظّمه وجعلَ الحديثَ عنه من أصحّ الأسانيد
" وأن من هؤلاء البخاري وأستاذه يحيى بن معين الذي قال عنه إنه " أوثق
من الزهري " !
وبالرجوع إلى كلام ابن حجر[84]
في مقدمته لفتح الباري يمكن ملاحظة مجموعة من رواة الحديث الذين اعتمدهم البخاري
وعدّلهم وروى عنهم رغم شيوع أخبار عدائهم الصارخ لشخص علي بن أبي طالب[85] .
ومن هؤلاء :
اسحق بن سويد بن هبيرة العدوي : " كان يحمل على علي بن أبي طالب
"
بهز بن أسد العمي : قال الأزدي " كان يتحمل على علي"
ثور بن يزيد الحمصي : كان يُرمى بالنصب . وقال ابن معين " كان يجالس
قوماً ينالون من علي , لكنه هو كان لا يَسُب "
حريز بن عثمان الحمصي : قال الفلاس وغيره " انه كان ينتقص عليا "
وقال ابن عدي إنه كان يبغض علياً.
حصين بن نمير الواسطي : قال أبو خيمة " كان يحمل على علي, فلم أعد
إليه "
وقد ذكر ابن حجر هؤلاء ضمن سياق دفاعه عن قرار البخاري بالرواية عنهم. وقد
اجتهد كثيراً فقال عن بعضهم إنه لم يحصل "إجماع" على كونهم يتحاملون على
علي بن أبي طالب, وقال عن البعض الآخر " لعله تاب" عن عدائه لعلي , وقال
عن آخرين بكل بساطة " اعتمده الأئمة " أو " احتج به الجماعة
"!
وكانت هناك مجموعة أخرى من رواة البخاري ممن لم تنتشر أخبار بغضهم لعلي بن
أبي طالب, ولكنهم كانوا من موظفي السلطة والمقربين من ملوك بني أمية ! ومن
هؤلاء :
عبد الواحد بن عبد الله البصري " كان أميرَ المدينة في خلافة يزيد بن
عبد الملك "
عمير بن هانئ العبسي " قتله مروان الحمار لكونه كان قائماً في بيعة
يزيد بن الوليد "
بالإضافة طبعاً إلى الزهري , أهم رواة البخاري , الذي كان من المقربين جداً
لأربعة من ملوك بني أمية.[86]
والطامة الكبرى كانت في قيام البخاري بتعديل عمران بن حطان[87]
والرواية عنه, رغم أنه كان من رؤوس الخوارج, والذي بلغ من بُغضِه لعلي بن أبي طالب
أنه قام بتأليف رثاء عاطفيّ حارّ لقاتله عبد الرحمن بن ملجم!
وروى البخاري عن الحبر اليهودي الذي أشهر إسلامه : وهب بن منبه.
وجاء في تاريخ
دمشق لابن عساكر أن يحيى بن سعيد كان يُحدّث عن
عمر بن سعد بن أبي وقاص " فقال له رجلٌ من بني ضبيعة يقال له موسى : يا أبا
سعيد! هذا قاتلُ الحسين! فسكتَ.
فقال : عن قاتل الحسين تحدثنا! فسكتَ
" وأيضاً
جاء في نفس المصدر أن يحيى بن سعيد كان يحدث عن عمر
بن سعد " فقام إليه رجلٌ
فقال : أما تخافُ الله ؟ تروي عن
عمر بن سعد؟! فبكى وقال : لا أعودُ أحَدثُ
عنه أبداً"[88]
إن
ما واجهه يحيى بن سعيد هذا كان ردة فعل طبيعية من الناس على هذا الشطط والغلو في
معاداة آل بيت النبوة والذي يدفع ببعضهم أن يروي أحاديث الرسول(ص) عن الشخص الذي
قام هو بالذات بإبادة أهله وذريته!
ومما يثير العجبَ والاستنكار أن هذا الشخص, الذي كان
الإمام البخاري يعتدّ برأيهِ في الرجال, كان له موقفٌ سلبيٌ من عدالة عَلَم آل
الرسول(ص) الرفيع, إمام عصرهِ وعلامة زمانه, جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين
بن علي بن أبي طالب. فقد ذكر ابن حجر العسقلاني " سئل يحيى بن سعيد القطان عن
جعفر الصادق فقال : في نفسي منه شيء, ومجالد أحبّ إليّ منه" ![89]
والسبب الآخر الذي كان له دور في مرور تلك الأحاديث المسيئة لآل بيت
النبي(ص) وتسرّبها إلى كتب كبار المحدثين هو منهج هؤلاء الذي يعتمد فقط على
سَند الحديث , دون النظر إلى متنه. فإذا صحّت سلسلة الرواة عند الإمام
البخاري, حسب معاييره وشيوخه في الجرح والتعديل,
فالحديث عنده صحيحٌ , بغض النظر عن مضمونه أو معناه أو سلامة محتواه. ولا
بد من القول أن مبدأ الجرح والتعديل لم يطبقه البخاري وشيوخه من الأصل على كل مَن
أدخلوهم ضمن تعريفهم للصحابة , وبعضهم كان أشرس أعداء عليّ كابن العاص والمغيرة بن
شعبة.
وبما أن بعض الشخصيات من رواة الحديث تم قبولها وتعديلها , دون محاسبتها
على ارتباطاتها ولا ولاءاتها السياسية المُريبة, ودون الاهتمام المناسب بمواقفها
السلبية من آل النبي(ص), فليس عجيباً أن توجد مثل تلك الأحاديث في كتب
"الصحاح" .
وختاماً فإنه من المفيد التمعّن في كلامٍ مهم للعلامة ابن خلدون ذكره في
سياق تحليله لأسباب ورود الكذب في الأخبار:
قال ابن خلدون[90] :
" ولما كان الكذب متطرقا للخبر بطبيعته وله أسباب تقتضيه :
- فمنها التشيعات للآراء والمذاهب: فإن النفس إذا كانت على حال
الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى تتبين صدقه من كذبه. وإذا
خامرها تشيع لرأي أو نحلة قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة وكان ذلك الميل
والتشيع غطاء على عين بصيرتها عن الانتقاد والتمحيص, فتقع في قبول الكذب ونقله.
- ومن الأسباب المقتضية للكذب في الأخبار أيضا الثقة بالناقلين :
وتمحيص ذلك يرجع إلى الجرح والتعديل.
-ومنها الذهول عن المقاصد: فكثير من الناقلين لا يعرف القصد بما
عاين أو سمع وينقل الخبر على ما في ظنه وتخمينه فيقع في الكذب.
- ومنها توهم الصدق : وهو كثير وإنما يجيء في الأكثر من جهة الثقة
بالناقلين"
[1] شرح نهج البلاغة لابن أبي
الحديد , ج11 ص45-46
[2] شرح نهج البلاغة لابن ابي
الحديد ج13 ص220
[3] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد , ج4 ص63
[4] سنن الترمذي ج5 ص302 حديث
3808 باب مناقب علي بن أبي طالب. وكذلك ورد في صحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة ص 914
[5] من "شيخ
المضيرة" لمحمود أبو رية ص212 نقلا عن العقد الفريد.
[6] وحجر بن عدي كان رجلاً فاضلاً عابداً من أشراف أهل العراق. كان قد وفد على
النبي(ص) مع أخيه هانئ فأسلم. شهد القادسية , وهو الذي فتح مرج عذراء , وشهد الجمل
وصفين مع علي.
[7] تاريخ دمشق لابن عساكر ج12 ص217
[8] وهو صحابي أسلم سنة الحديبية وفيه قول للرسول(ص) وهو غلام , يدعو له.
[9] أسد الغابة لابن الأثير ج4 ص101
[10] تاريخ دمشق لابن عساكر ج39
ص269
[11] رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين ج3 ص78
[12] يمكن مراجعة هذه "
الأحاديث " كلها في تاريخ دمشق لابن عساكر ج39 الصفحات 8, 29, 42, 50, 51,
55, 57, 98, 100, 103, 104, 109, 123, 129, 174, 175, 177, 221 . وقد ذكرها كلها
بأسانيدها. وكذلك يمكن
مراجعة الكثير من هذه الأحاديث وغيرها في فضل الخلفاء الثلاثة في تاريخ الخلفاء
للسيوطي ص60-69 و ص180-183 الذي جمعها من
كتب الحديث الكثيرة. وأيضاً حياة الصحابة للكاندهلوي ج3 ص594-596-617.
[13] المعجم الكبير للطبراني , ج1 ص220.
[14] هاتان الراويتان من تاريخ
دمشق لابن عساكر ج23 ص464 و 466.
[15] هذه " الأحاديث " الخمسة هي من تاريخ دمشق لابن عساكر ج59 ص68,
71, 74, و79. وقد أورد السيوطي في تاريخ الخلفاء ص237 بعض هذه الأحاديث نقلاً عن
الترمذي ومسند أحمد.
[16] مختصر منهاج السنة لابن تيمية ج2 ص12 و ص57
[17] السيرة النبوية لابن هشام
ج1 ص6
[18] السيرة النبوية لابن هشام
ج3 ص85 . ولكاع هي اللئيمة, والأشر هو البطر. وكذلك فعل ابن هشام ج3 ص85 بشأن قصيدة أخرى لهند
بنت أثاثة بن عباد بن المطلب قالتها رداً على هند بنت عتبة, فذكر جزءً منها ثم قال
" تركنا منها ثلاثة أبيات أقذعت فيها".
[19] السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص122
[20] الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص260
[21] صحيح مسلم , كتاب الزهد
والرقائق, باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله ص1116
[22] صحيح البخاري ج4 ص147 كتاب
بدء الخلق , باب صفة النار وأنها مخلوقة
[23] صحيح البخاري ج1 ص27 باب
العلم قبل القول والعمل. والصمصامة هي السيف الصارم.
[24] فتح الباري في شرح صحيح
البخاري ج1 ص148. وأيضا
ذكر ابن سعد في الطبقات الكبرى (ج2 ص354) أن الرجل قال لأبي ذر " ألم ينهكَ
أمير المؤمنين عن الفتيا ؟"
[25] سنن أبي داود ج2 ص339 كتاب الحدود , باب في
المجنون يسرق أو يصيب حدا ح4399
[26] صحيح البخاري كتاب
المحربين , باب لا يرجم المجنون والمجنونة ج8 ص204
[27] صحيح مسلم كتاب الحيض باب
التيمم ص142. ومثله ورد في صحيح ابن خزيمة ج1 ص135. وكذلك ورد في سنن النسائي
وسنن ابن ماجة.
[28] صحيح البخاري ج1 ص92 كتاب
التيمم باب المتيمم هل ينفخ فيهما.
[29] صحيح مسلم , كتاب المساقاة
والمزارعة, باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ص596
[30] صحيح البخاري ج3 ص107 باب
لا يذاب شحم الميتة ولا يباع ودكه.
[31] كتاب المغازي للواقدي ج1 ص277
[32] مسند أحمد بن حنبل ج1
ص331
[33] مسند أحمد بن حنبل ج1 ص 3
[34] سورة الأحزاب آية 33
[35] صحيح مسلم كتاب فضائل
الصحابة ص921. وكذلك جاء في أسباب النزول للواحدي النيسابوري ص239
[36] سنن الترمذي ج5 ص328 حديث
3875 باب مناقب أهل بيت النبي
[37] سنن الترمذي ج5 ص31. وكذلك
روى ابن الأثير في أسد الغابة ج5 ص522.
[38] مختصر منهاج السنة لابن تيمية, ص127-128
[39] سورة الأحزاب آية 28 . وقد
ذكر الامام الطبري في تفسيره " انّ هذه الآية نزلت على رسول الله(ص) من أجل
أن عائشة سألت رسول الله(ص) شيئا من عرض الدنيا, إمّا زيادة في النفقة أو غير
ذلك".
[40] سورة الأحزاب آية 32
[41] السيرة النبوية لابن هشام
ج2 ص260
[42] سورة الشورى آية 23
[43] مسند أحمد ج1 ص294
[44] صحيح البخاري ج4 ص 217
[45] يمكن مراجعة التفاسير التالية : تفسير الجلالين ص642, تفسير الطبري ج25 ص35, زاد المسير لابن الجوزي ج7 ص79, تفسير ابن كثير ج4 ص121, تفسير القرطبي ج16 ص24, فتح القدير للشوكاني ج4 ص534
[46] سنن الترمذي ج5 ص305 حديث
3816 باب مناقب علي بن أبي طالب
[47] أسد الغابة لابن الأثير ج4
ص308
[48] سورة آل عمران آية 61
[49] النص من تفسير ابن كثير ج
1 ص 379. وكذلك جاء في تفسير الشوكاني ج1
ص 347. وأيضا جاء في (أسباب نزول الآيات) للواحدي ص68
[50] صحيح مسلم كتاب فضائل
الصحابة ص 914
[51] تفسير الطبري[51] ج3 ص
407
[52] صحيح مسلم باب حكم الفيء
ص676. وأيضا ورد الحديث في صحيح البخاري ج9 باب ما يكره من التعمق في العلم
والتنازع ص121 مع اختلاف طفيف في الألفاظ حيث اكتفى البخاري بلفظ
"الظالم" المنسوب للعباس بوصف عليّ بدلا من "الكاذب الآثم الغادر
الخائن" وأضاف البخاري عن العباس وعليّ " فاستبّا". وأيضا حذف
البخاري الألفاظ المسيئة لأبي بكر واستعاض عنها بقوله "كذا".
[53] هذا الحديث والذي قبله من
صحيح البخاري ج8 باب كيف كان عيش النبي(ص) وأصحابه ص121
[54] سنن الترمذي ج4 ص10
[55] صحيح البخاري ج9 ص131 باب
قوله تعالى : وكان الإنسان أكثر شيئ جدلا.
[56] صحيح البخاري ج5 ص106 باب
قصة غزوة بدر
[57] من "الصحيح من سيرة
النبي الأعظم" لجعفر
مرتضى ص42 ج4
[58] تاريخ الطبري ج2 ص72
[59] فمثلا روى ابن الأثير في
أسد الغابة ج5 ص520 أن عليا قال " ما لي من شيئ إلاّ درعي أرهنها" .
وروى ابن حجر في الإصابة ج8 ص263 مثل ذلك, وذكر أن تلك الدرع كانت لعليّ من مغانم
بدر. وأيضاً روى ابن
حبان في كتاب الثقات ج1 ص146 أن عليا قال " ما عندي يا رسول الله شيئ! فقال :
أين درعكَ الحطمية؟ فبعثَ إليها بدرعه"
[60] يمكن مراجعة أخبار وحشي والروايات المتعلقة بدوره في معركة اليمامة وسلوكه
في الشام في المصادر التالية : صحيح البخاري ج5 ص129 باب قتل حمزة, والطبقات
الكبرى لابن سعد ج7 ص419 , وتاريخ خليفة بن خياط ص71, وأسد الغابة لابن الأثير ج5
ص84 , و تاريخ دمشق لابن عساكر ج62 ص401
[61] صحيح البخاري ج6 ص91 باب
سورة يونس.
[62] بل إن ابن خزيمة في صحيحه, ج3 ص283-289 ,لم يكتفِ بالحديث المذكور بل أخرج
أيضاً أحاديث تتحدث عن " فضيلة صيام عاشوراء وتحري النبي (ص) صيامه لفضله من
بين الأيام" وعن " تكفير الذنوب بصيام عاشوراء " وعن أن صيام يوم
عاشوراء يكفر عن سنة قبله , بل وحتى " استحباب ترك الأمهات إرضاع الأطفال يوم
عاشوراء تعظيماً ليوم عاشوراء "!
[63] الطبقات الكبرى لابن سعد
ج1 ص 119
[64] السيرة النبوية لابن هشام
ج1 ص185
[65] أسد الغابة لابن الأثير ج1
ص287
[66] مزيد من التفاصيل عن ذلك موجودة في فصل اخر من هذا الكتاب.
[67]السيرة النبوية لابن هشام ج1
ص197 وكذلك السيرة النبوية لابن كثير ج1 ص477
[68] السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص203 . وكذلك السيرة
النبوية لابن كثير ج1 ص491. والسميدع هو السيد. والذرب هو اللسان الفاحش النطق.
والمواكل هو العاجز الذي يعتمد على غيره. ثمال اليتامى : الذي يثملهم ويقوم بهم.
وقال ابن كثير عن هذه القصيدة
"هذه قصيدة عظيمة بليغة جدا, لا يستطيع أن يقولها إلاّ من نسبت إليه"
[69] شرح نهج البلاغة لابن أبي
الحديد ج14 ص71
[70] أسد الغابة لابن الأثير ج1
ص19
[71] تاريخ اليعقوبي ج2 ص36
[72] الاصابة لابن حجر ج8 ص269.
وفي رواية تاريخ اليعقوبي ج2 ص14 أن النبي قال عنها " إن كانت لتجيع صبيانها
وتشبعني, وتشعثهم وتدهنني . وكانت أمي" . وروى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين ج3 ص108 أن رسول
الله(ص) كبّر عليها 70 تكبيرة ونزل في قبرها وقال عنها إنها " كانت امي التي
ولدتني"
[73] صحيح مسلم باب أهون أهل
النار عذابا ص101
[74] صحيح مسلم باب شفاعة
النبي(ص) لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه, ص101. والضحضاح هو ما رقّ من الماء على
وجه الأرض, أي إلى نحو الكعبين. وروى البخاري في صحيحه نفس الحديث أيضا بنفس
الألفاظ في باب قصة أبي طالب ج5 ص65.
[75] صحيح مسلم كتاب الايمان ص37.
[76] صحيح مسلم باب موالاة
المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم ص102.
وقد ذكر محمد صادق النجمي في " مناظرة علمية
" ص45 أن النسخ المتوفرة اليوم من صحيحي مسلم والبخاري ومسند أحمد قد حذف
منها "آل أبي طالب", بعكس النسخ الأصلية القديمة التي كانت متداولة أيام
ابن أبي الحديد في القرن السادس الهجري , والذي أشار إلى أنه جاء في الصحيحين
" إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء ".
[77] فتح الباري لابن حجر ج10 ص352 . وقد أشار ابن حجر إلى بعض الروايات التي
تقول إن المقصود ب "فلان" هم بنو أمية أو الحكم بن أبي العاص, ولكنه
استبعدها بعد تحليل طويل ورجّح " آل أبي طالب " . وذكر ابن حجر "
قال أبو بكر بن العربي في سراج المريدين : كان في أصل حديث عمرو بن العاص ( إن آل
أبي طالب ....) "
وأما السيوطي في " الديباج على صحيح مسلم
" ج1 ص275 فقد ذكر " هذه الكناية من بعض الرواة خوفا. والمكنى عنه هو
الحكم بن أبي العاص ". ولكن وضع الحكم بن أبي العاص هنا لا يستقيم, لأنه
يتناقض مع سياق الحديث. وقد أشار ابن حجر لذلك.
[78] أسنى المطالب في نجاة أبي طالب , لأحمد بن زيني دحلان , ص23.
[79] سورة القصص آية 55 - 57
[80] ورد في كتاب "معرفة الثقات" للعجلي ج1 ص106 : " إن كثيراً
من أهل البدع لا يتورعون عن الكذب على رسول الله(ص) من أجل نشر وترويج عقائدهم
الباطلة, ولا سيما الرافضة منهم. ومثل هؤلاء لا تجوز الرواية عنهم ولا
كرامة"
[81] روى ابن كثير في السيرة
النبوية ج1 ص91 أن (سامة بن لؤي) كانت له ذرّية بالعراق يبغضون عليا. ومنهم علي بن
الجعد الذي كان يشتم أباه لأنه سمّاه عليا. ومن بني (سامة بن لؤي) : محمد بن عرعرة
بن اليزيد , شيخ البخاري.
[82] تاريخ خليفة بن خياط, ص140
[83] فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ج10 ص352
[84] مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ص387, 391, 392,
393, 396.
[85] ومن هؤلاء , ذكر ابن أبي الحديد اسمي كل من : قيسَ بن أبي حازم , وحريز بن
عثمان ضمن جملة المُبغِضين للإمام علي, في فصل أفرده لهم ( شرح نهج البلاغة
ج4 ص101 و 70 ).
[86] مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ص421, 433. والمزيد من التفاصيل حول علاقة الزهري ببني أمية موجودة في فصل آخر من هذا الكتاب.
[87] مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ص432 و 450.
[88] تاريخ دمشق لابن عساكر ج
45 ص 39-40
[89] عن كتاب " العتب الجميل " لمحمد بن عقيل, ص59, نقلاً عن "
تهذيب التهذيب " لابن حجر.
[90] تاريخ ابن
خلدون ج1 ص35-37